الصحافية السودانية لبنى حسين

إسماعيل دبارة من تونس: تبدي عدد من التونسيات وفي مقدمتهنّ المدافعات عن حقوق المرأة إعجابهنّ وتضامنهنّ مع الصّحافية السودانية لبنى أحمد حسين، التي تخضع لمحاكمة بتهمة quot; ارتدائها زيا فاضحا quot; قد تنتهي بجلدها أربعين جلدة حسب ما تنصّ التشريعات السودانيّة. وترى الناشطات التونسيات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق المساواة التامة بينها و بين الرجل أنّ موقف حسين التي تم تأجيل محاكمتها إلى الثامن من أيلول / سبتمبر المقبل quot; شجاع وجريء quot; خصوصا مع تمسّك الصحافية بالمضيّ قدما في التخلي عن الحصانة الممنوحة لها بموجب عملها في بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم ، ورغبتها في أن تتم محاكمتها quot;كمواطنة سودانية وتحويل قضيتها إلى محاكمة للقوانين المهينة لكرامة المرأة في السودانquot; كما صرحت لبنى الحسين لعدد من وسائل الإعلام العربيّة.

تعتبر تونس من الدول العربية الرائدة والتي قطعت أشواطا على طريق سنّ القوانين والتشريعات الحداثية لفائدة المرأة ، وربما لان الجميع في تونس لا يُساومون ولا يختلفون على تثمين ما تحقّق لفائدة المرأة إلى حدّ الآن، فإنّ قضية الصحافية السودانية ألقت بضلالها على نقاشات الحركة النسوية في تونس واستفزّت النخب الحداثية والعلمانية بشكل كبير.

واختلفت الآراء وتباينت بين من يعتبر قضية الصحافية لبنى أحمد الحسين اختزالا لمعركة النساء التقدميات في السودان ضدّ التشريعات التي تحدّ من حرية المرأة وتنتهك حقوقها على اعتبار أنّه كان بإمكان الصحفية طيّ الملفّ عبر الاستفادة من الحصانة التي تمنحها لها منظمة الأمم المتحدة ، في حين ذهب فريق آخر إلى اعتبار quot;التصعيدquot; الذي تتبناه حسين محاولة للقيام بـquot;فرقعة إعلاميةquot; ولفت انتباه وسائل الإعلام لقضية هامشية في بلد يعجُّ بالمشاكل السياسية والعرقية والاجتماعية والاقتصادية كالسودان.

الناشطة بشرى بالحاج حميدة القيادية بالجمعية التونسية للنساء الدمقراطيات

ترى الناشطة الحقوقية النسويّة المحامية بشرى بلحاج حميدة في تصريحات لإيلاف أنّ قضية لبنى أحمد الحسين quot;تتجاوز شخصها لتشمل النساء في المنطقة العربية الإسلامية كونها تدافع عن كل امرأة يتدخّل المجتمع في طريقة لباسها ، المسألة ليست شخصية هنا بل هي قضيّة مجتمعيّة تتعلّق بطريقة تعامل هذه المجتمعات المتخلفة والمتعسّفة ضدّ المرأة..قضيّة لبنى تختزل نضالات المرأة في مجتمعاتنا ضدّ القوانين المهينة للنساءquot;.

وتقول بشرى بلحاج حميدة وهي قياديّة بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (منظمة نسوية قانونية) إنّ المدافعات عن حقوق المرأة في تونس quot;يتضامنّ مع كل النساء في العالم كما يطالبن نساء العالم بالتضامن معهنّ quot;، وتتابع:quot; نحن نساند حقّ النساء في إيران و في السودان و في السعودية و غيرها، كما نتخوّف على وضعنا من التقهقر والتراجع و نقوم بالتعبير عن ذلك في كل مناسبة خصوصا مع قضايا مماثلة لقضيّة الصحافية السودانيّةquot;.

وتشدّد بلحاج حميدة على انه quot;من الضروريّ أن تبدي السلطة مواقف واضحة من هذا التخوّف وأن تتفاعل مع ما تقوم به المنظمات النسويّة من جهودquot;. و يختلف الأستاذ زهير الشرفي العضو بـquot; الجمعية الثقافية للدفاع عن العلمانية في تونس مع بلحاج حميدة قائلا لـquot;ايلافquot;: لا توجد في تونس حركة نسوية قوية، فهي لا تملك أي وسيلة للدعاية والإعلام ، ناهيك عن الحصار الذي تعيشه والذي يصدر من الإدارة تارة وعن السلفيين الأصوليين طورا وعن المعارضة التي لا تتبنى بوضوح قضية المساواة بين الجنسين في كثير من الأحيان. علينا أن لا ننسى أن كل النشاط الدعائي للحركة النسوية في تونس لا يمكن له أن يساوي خطابا واحدا من خطابات أحد شيوخ السلفية المعادين لحقوق المرأة في واحدة من تلك القنوات الفضائية الدينية والشبه دينية التي تعد ّبالمئاتquot;.

ويرى الكثير في إصرار الصحفية لبنى أحمد حسين التخلي عن حصانة الأمم المتحدة ، محاولة لتحويل قضيتها إلى محاكمة للقوانين والتشريعات السودانية وعلى رأسها المادة 152 من القانون الجنائى لعام 1991 الذي ينصّ على معاقبة القائم بـquot; أفعال فاضحةquot; ومن بينها لبس quot;البنطالquot; كما في قضية الحال و يفسح هذا الفصل لرجال الشرطة والمحاكم الخاصة تقدير quot;الجريمةquot;.
الصحفية السودانية المهددة بأربعين جلدة ذكرت في تصريحات للقسم العربي لراديو quot;دويتشه فيلهquot; الألمانيّ quot;عزمها مواصلة الكفاح بهدف إلغاء المادة القانونية التي تنص على عقوبة الجلد بسبب الملابس، وشدّدت على أن هدفها هو إسماع أصوات آلاف النساء الصامتاتquot;.

لكنّ زهير الشرفي المدافع عن العلمانية في تونس يرى أنّ:quot;المسألة حقوقية ولا يمكن للصحفية السودانية إحراج الدولة السودانية حتى لو اعتقدت المسكينة في إمكان ذلكquot;. ويتابع الشرفي :quot;الدولة السودانية تعتمد على سند الدول العظمى تارة في أمريكا وبريطانيا وطورا في الصين أو روسيا، والدولة السودانية تعتمد على السند الذي تقدمه لها الدول العربية الشريكة لها في الجامعة العربية وخاصة تلك الشريكة لها في استعمال ما يسمى quot;شريعة إسلاميةquot; في مكان القانون العصري ومبادئ حقوق الإنسان، والدولة السودانية كذلك تعتمد على سند الجماهير التي ضللتها الدعاية الوهابية والسلفية الأصوليّة ،فتلك الجماهير خرجت لتدافع عن رئيس الدولة المتهم لدى محكمة الجنايات الدولية وهي تردد معه: مُتحدين، مُتحدين لحماية الدين ، كما لو كانت المحكمة تتهم الدّين في مكان عمر البشير على الجرائم ضد الإنسانية التي حصلت في السودانquot;.

ويرى بعض المتابعين في تونس وخارجها ، أن الحكومات الغربية ndash; وعلى الرغم من الزوبعة الإعلامية التي أثيرت حول قضية الصحفية حسين- لم تتفاعل بشكل ايجابيّ مع ما تنظّر له تلك الحكومات من دعم غير مشروط لنشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات و إن كان الإعلام الغربيّ قد أعطى للقضية حيّزا هاما في تغطيته خلال الأسابيع الماضية.

وربما جاءت أبرز ردود الفعل quot;عربيةquot; هذه المرة ، خصوصا عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تابعت الحدث من عدة جوانب ، وكذلك عبر مطالبات بطرس بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بـquot;إغلاق ملف قضية الصحافية لبنى الحسينquot; عبر رسالة وجّهها إلى وزير العدل السوداني عبدالباسط سبدرات، أعرب فيها عن أمله في أن quot;يتفهم هذه القضية، وأن تحظى برعايته، لما سوف تمثله من أهمية تعود على الوطن العربي والعالم الإسلامي بمزيد من التقدم والرقي في مجال تعزيز واحترام حقوق الإنسانquot;.

ويعلّق زهير الشرفي عضو الجمعية الثقافية للدفاع عن العلمانية في تونس قائلا: quot;الغرب غربان: غرب الشعوب التي يخدعها الإعلام، وغرب الدول الإمبريالية الذي يتحكم في كل الإعلام الدولي ويتقن المغالطة والخطاب المزدوج الذي يمكنه من البروز كمدافع عن حقوق الإنسان رغم أنه المخطط والدعامة الأساسية لكل مشاريع الإرهاب والدول الدينية في البلدان المتخلفة ،أستطيع القول أن الغرب يقف ضد حقوق المرأة في بلداننا بل هو يخطط، ضمن الحلول التي يرتئيها للأزمة الاقتصادية العالمية، إلى عودة نسبة من اليد العاملة النسائية في بلداننا إلى البيت. أما ما يُصرّح به ذلك الغرب وما يقدمه من quot;مساعداتquot; للحركات النسائية وحركات حقوق الإنسان فهو للمغالطة ولإخفاء حقيقة برامجه ومشاريعه ، لذلك نحن لا نراه يتجاوز تلك quot; المساعداتquot; ، التي يتخذها الأصوليون تعلة لاتهام الحركات الحقوقية بالعمالة للغربquot;.