أي أفق قادم إلى الجزائر؟ سؤال يطرحه محللونمع نهاية العام 2009 واقتراب انتهاء العقد الأول من القرن الـ21 الحالي وبعد سلسلة أحداث ومنعطفات ساخنة مرورًا بالزوابع الاجتماعية حيث ظلت الجزائر تصنّف في المرتبة الأولى عالميًا من حيث صعوبة العيش فيها. لم يشهد العام 2009 أحداثًا سياسيّة لافتة، إلا أنّ الساحة الأمنية شهدت تأجج العنف وظهور التفجيرات الانتحارية التي فتكت بمئات المدنيين، ولعل أبرز حدث في العام الحالي من دون منازع هو التأهل الجزائري إلى مونديال جنوب افريقيا في صيف العام المقبل.
الجزائر: شهد العقد الأول من القرن الحالي في الجزائر عددًا كبيرًا من الأحداث والمنعطفات الساخنة، بدءًا من عودة وزير الخارجية الجزائري الأسبق quot;عبد العزيز بوتفليقةquot; كرئيس للبلاد واستمراره حاكمًا للجزائر منذ سنة 1999 إلى غاية العام 2014، مرورًا بالزوابع الاجتماعية التي كانت أخطرها quot;ثورة أعراش القبائلquot; في ربيع 2001، وانتقال الجزائر من سخونة سياسية كادت تقلب وجه البلد رأسًا على عقب في 2004، إلى quot;برودquot; طاغ أصاب الممارسة السياسية بروتين قاتل لم تنجح آخر انتخابات رئاسية قبل ستة أشهر في تبديده.
ارتبطت السنوات العشر المنقضية في الجزائر باسم الرئيس بوتفليقة (72 عامًا) هذا الأخير خطف الأضواء بخلافاته المعلنة وغير المعلنة وتوبيخاته المتكررة لوزرائه ومع ذلك حافظ على غالبيتهم، وتعاطيه مع مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظلّ تعقّد الحياة السياسية المحلية وتباين سرعاتها. وما طبع العقد الاول من الألفية الثالثة في الجزائر، هو بقاء الوجوه الوزارية نفسها في طواقم الحكومات المتعاقبة التي تولى تسييرها كل من الثلاثي quot;علي بن فليسquot;، أحمد أويحيىquot; وعبد العزيز بلخادم، قبل أن يعود الثاني إلى قيادة الوزارة الأولى مع عودة الثالث إلى منصبه السابق كوزير للدولة ممثل شخصي للرئيس.
وكان افتتاح الألفية في الجزائر بثاني وصفة لإنهاء العنف الدموي في البلاد، فبعد قانون الرحمة الذي تبناه الرئيس الجزائري السابق quot;اليامين زروالquot; سنة 1995، دشّن بوتفليقة وصوله إلى سدة الحكم سنة 1999، بقانون الوئام المدني وهي خطوة سمحت لآلاف المتمردين من أتباع quot;مدني مزراقquot; زعيم ما كان يُسمى بـquot;الجيش الإسلامي للإنقاذquot; في الاستفادة من تدابير عفو خاصة، كلّلت أيضًا بإصدار مزراق قرارًا بحلّ quot;جيشهquot;.
منعطفات خطيرة وعشرات أعمال العنف
وعلى الرغم من هذا الاتفاق، إلاّ أنّ الجزائر عرفت عشرات أعمال العنف أودت بحياة المئات، وهي اعتداءات تبناها مسلحو quot;الجماعة الإسلامية المسلحةquot; بقيادة الدموي quot;عنتر زوابريquot; وquot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; بزعامة حسن حطاب، علمًا أنّ الجماعة السلفية تحوّلت بعد ست سنوات إلى ما صار يُعرف بـquot;قاعدة بلاد المغرب الإسلاميquot;.
وفي أواسط نيسان/أبريل، كانت مدينة تيزي وزو (110 كلم شرق) وهي عاصمة منطقة القبائل الكبرى، على موعد مع مظاهرات صاخبة تفجّرت فجأة إثر مقتل شاب أمازيغي، واتسعت تلك المظاهرات لتتطور إلى صدامات عنيفة بين السكان المحليين والقوى الأمنية، ما تسبّب في سقوط عشرات القتلى، وارتضى الحزب الأمازيغي المعارضquot; التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot; لزعيمه quot;سعيد سعديquot; الانسحاب من الحكومة احتجاجًا على إدارة السلطات للوضع هناك.
وكان المنعرج الأكثر خطورة، حينما أقدم تنظيم quot;عروش القبائلquot; على تعبئة آلاف الأمازيغ ودفعهم نحو مسيرة في الجزائر العاصمة (14 يونيو/حزيران 2001)، ما أسفر عن مقتل صحافيين وجرح المئات، إضافة إلى أضرار جسيمة طالت المرافق العامة، وفي أعقاب ذاك التصعيد أعلن بوتفليقة الأمازيغية quot;لغة وطنيةquot; بجانب اللغة العربية في البلاد، وتمّ إقرار ذلك في دستور الجزائر رسميًا أشهرًا من بعد، لينتهي العام بطوفان غمر منطقة باب الوادي وسط العاصمة الجزائرية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، ما أدى إلى مقتل ألف شخص وجرح وفقدان مئات الأشخاص.
في العام 2002، لم تكن الأوضاع أحسن حالاً من الناحية الأمنية، على الرغم من نجاح الأمن الجزائري في القضاء على الرقم الأول في الجماعة الإسلامية المسلحة quot;عنتر زوابريquot; (3 فبراير/شباط 2002)، حيث شهدت الأشهر اللاحقة اعتداءات بالجملة بواسطة القنابل المتحكم فيها عن بعد وهو أسلوب أودى بحياة المئات، سقط أكثرهم في اعتداء ضدّ سوق شعبي بمنطقة الأربعاء (جنوب العاصمة) في الخامس تموز يوليو2002.
هبوط أحزاب وصعود أخرى
على الصعيد السياسي، احتل حزب جبهة التحرير غالبية مقاعد المجالس المنتخبة من غريمه quot;التجمع الديمقراطيquot; حيث اكتسحت الجبهة الانتخابات النيابية في 31 أيار مايو 2002 وانتخابات المجالس البلدية والولائية في العاشر أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، بالمقابل صعدت أحزاب موصوفة بالمغمورة كحركة الإصلاح الإسلامية وحزب العمال وسط تراجع حركة السلم وحزب التجديد وجبهة القوى الاشتراكية، علمًا أنّ الموعدان المٌُشار إليهما آنفًا، اقترنا بممانعة انتخابية قياسية كانت أكثر حدّة بمنطقة القبائل التي لم يتجاوز فيها وعاء التصويت سقف الخمسة في المئة.
سنة 2003 كانت ساخنة بكل المقاييس، وجرى افتتاحها بتفجّر فضيحة مجمع الخليفة التجاري المصفّى التي كبدت الخزانة العامة خسارة زادت عن 1.5 مليار دولار وتورّط فيها المليادير الوهمي quot;رفيق عبد المؤمن خليفةquot; رفقة 104 أشخاص.
بعدها مباشرة، برزت قضية عمار صايفي المدعو quot;عبد الرزاق البارا quot; أحد مؤسسي الجماعة السلفية للدعوة والقتال الذي اختطف برفقة أتباعه 32 سائحًا أوروبيًا في الصحراء الجزائرية في عملية امتدت من شباط/فبراير 2003 إلى أواخر آب/أغسطس من العام ذاته، وانتهى مسلسل الاحتجاز بإطلاق سراح الرهائن لقاء فدية قدّرتها الحكومة الألمانية آنذاك بخمسة ملايين يورو.
كوارث طبيبعية ضحمة
وفيما شهدت سنة 2003 ثاني كارثة طبيعية في صورة الزلزال المزدوج الذي ضرب منطقتي الجزائر العاصمة وبومرداس في 21 آيار/مايو 2003 وخلّف مصرع ما يزيد عن ألف شخص حتفهم، وجُرح أربعة آلاف آخرين، وخسائر زادت آنذاك عن الخمس مليارات دولار، كان العام ذاته عنوانًا كبيرًا لمعركة شرسة بين الرئيس بوتفليقة وقائد حكومته وقتذاك quot;علي بن فليسquot;، انتهت بانقطاع حبل الودّ بين الرجلين في آيار/مايو من العام المذكور.
وما أعقب ذلك من تفاعلات توّجت بترشيح جبهة التحرير في مؤتمرها الثامن لبن فليس كمرشح للحزب في الانتخابات الرئاسية، بيد أنّ الغرماء كان لهم رأي آخر، فقاموا بإنشاء حركة تصحيحية للحزب المذكور حظيت بدعم الحكومة والقضاء المحلي، وقامت هذه التصحيحية التي ترأسها quot;عبد العزيز بلخادمquot; وزير الخارجية آنذاك بالتحالف مع الحزب الليبرالي quot;التجمع الديمقراطيquot; والإسلامي quot;حركة السلمquot; بما رجّح كفة الرئيس بوتفليقة ومكّنه من خلافة نفسه في انتخابات نيسان أبريل 2004، بعد صراع مثير مع خصمه المباشر quot;علي بن فليسquot;.
استفتاء المصالحة الجزائرية
وعرف العام 2004، سقوط الأمير السابق للجماعة السلفية quot;نبيل صحراويquot; وثلاثة من كبار قيادات التنظيم الأشدّ دموية في كمين نصبه الجيش الجزائري بمنطقة بجاية أواسط شهر حزيران يونيو 2004، بينما اقترن العام 2005، باستفتاء المصالحة الجزائرية التي اعتمدها الرئيس بوتفليقة كوصفة ثالثة لإخراج الجزائر من معضلة العنف الدموي، وهو توجه حظي بمبايعة شعبية في 29 سبتمبر/أيلول 2005، وسمح بإطلاق سراح الآلاف من سجناء الإرهاب واندماج مئات المتمردين، فضلاً عن إبطال متابعات قضائية ضدّ عدد من رموز الحزب الإسلامي المحظور quot;جبهة الإنقاذquot;.
انتكاسة صحية وحديث عن مرحلة ما بعد بوتفليقة
كما أدى خضوع بوتفليقة لعملية جراحية بمشفى فال دوغراس الفرنسي في تشرين الثاني نوفمبر من السنة ذاتها، إلى تفجير جدل مزمن حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس وبدء الحديث عن مرحلة ما بعد بوتفليقة، بالمقابل، تصاعدت روائح الفساد إثر كشف النقاب عن ملفات سوداء كالاختلاسات الضخمة التي طالت مصارف جزائرية. ولم تغيّر سنة 2006 من النمطية الجزائرية العامة، حيث استمر الغموض مع تأكد مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، واحتجابه عن الأنظار لنحو 36 يومًا في الشتاء و65 يومًا في الصيف، والرحيل الملّغز لرئيس الحكومة quot;أحمد أويحيىquot; في مايو/آيار، بجانب التعطل غير المفهوم لورش مخطط دعم النمو على الرغم من رصد مخصصات قياسية فاقت المئة مليار دولار، في وقت هبّت رياح خصخصة ثمانمئة مؤسسة عمومية بغير ما اشتهت سفن السلطة، في وقت نجحت الجزائر في كسب رهان السداد المسبق لدينها الخارجي.
كما تحولت الخلافات الشديدة بين أقطاب الائتلاف الحاكم، إلى مادة لتندّر الجزائريين، وعلى الرغم من تباهي السلطات بإنجازاتها على صعيد استعادة السلم المدني، إلاّ أنّ الوضع الأمني خلال 2006، ظلّ مضطربًا، في حين لم يمكّن تمتع الجزائر ببحبوحة مالية من تسجيل وثبة اجتماعية، حيث ظلت تصنّف في المرتبة الأولى عالميا من حيث صعوبة العيش فيها.
وسار العام 2007 على وقع الركود، حيث ظلت كبرى الاستحقاقات معلّقة على غرار quot;مراجعة الدستورquot;، بينما فشل جبهة التحرير (الحزب الحاكم) في نيل غالبية مطلقة في المجالس المنتخبة، وخلافًا للعادة كانت النجومية من نصيب 11 مليون جزائري قاطعوا بشكل غير مسبوق اقتراعي 17 آيار/مايو و29 أيلول/سبتمبر ما أفرز أضعف نسبة تصويت في تاريخ الجزائر.
مئات الشباب اليائس والغاضب
وتنامت ظواهر مقلقة كـquot;الانتحارquot; وquot;الهجرة السريةquot; التي انجرف ورائهما مئات الشباب اليائس والغاضب والعنيف، بالتزامن مع تأجج العنف وظهور ظاهرة التفجيرات الانتحارية - نحو 150 هجومًا ndash; التي فتكت بمئات المدنيين، ناهيك عن عدد غير معروف من أفراد القوى الأمنية، في وقت برزت الجزائر بموقفها الرافض إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها ضمن خطة quot;الأفريكومquot; الأميركية.
العام 2008 تكرّس فيه الجمود كسمة غلفت الحياة العامة، وعدا تحقيق الرئيس بوتفليقة لرهانه الخاص بتعديل الدستور، وإعلان الحكومة مراجعة سائر خطط الاستثمار والخصخصة بعد الاعتراف المثير للرئيس بارتهان مخططه الإنمائي، لم تختلف أوضاع جزائر 2008 عن سابقاتها، في وقت واصل غلاة التمرد هجماتهم الدامية بشكل استعراضي أودى بحياة المئات.
وفيما استبسلت قوى الموالاة فيمن يتودد أكثر لبوتفليقة، على حساب التأسيس لحراك سياسي حقيقي ينتج الأفكار ويذكي البدائل، غابت المعارضة الفاعلة، بعدما ارتضى حزب العمال اليساري المعارض دعم خيار التمديد لبوتفليقة، في حين اكتفى الحزبان الأمازيغيان quot;القوى الاشتراكيةquot; وquot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot;، بجولات من الملاسنات ضدّ مؤيدي الرئيس.
التأهل الى المونديال الحدث الأبرز
العام 2009 كان باهتًا في الجزائر، وشهد فوزًا كاسحًا لبوتفليقة بولاية ثالثة الربيع الماضي، بينما زال شبح الاعتداءات الانتحارية، وكان الحدث اقتصاديًا بانسحاب مجمّع إعمار الإماراتي والضجة التي أثيرت بشأن قوانين الاستثمار الجديدة، وأتى التأهل الأخير للجزائر إلى مونديال جنوب إفريقيا لينعش البلد وquot;ينقذ ساستهquot;.
وأخيرًا يرى خبراء أنّ ما حصل على مدار عقد كامل يقود إلى مؤشرات عهد جديد، بينما يخشى مراقبون أن يسقط العام الجديد 2010 في اجترار سيناريوهات سابقة، ليعيد السؤال والهاجس طرح نفسه: quot;أي أفق قادم إلى الجزائر؟quot;.
التعليقات