أعلن أشهر رئيس نادٍ سعودي خلال الألفية الجديدة منصور البلوي اعتزاله المجال الرياضي نهائياً، بما في ذلك ناديه الاتحاد والتفرغ لأموره الخاصة، وسط جملة من الأسرار التي أحاطت بقراره المفاجئ للجماهير، والمتوقع للمتابعين عن قرب لمجريات الأحداث منذ حادثة اختفاء محترف نادي الهلال السابق محمد كالون من فندق ماريوت الرياض.


عراب الصفقات الرياضية الكبرى في السعودية يعتزل

الرياض: إنتهت حكاية منصور البلوي عراب الصفقات الكبرى محلياً ودولياً في الملاعب السعودية خلال العقد المنصرم، وأحد أكبر من أثاروا الجدل والتنافس وكثير من الغيرة في الوسط الرياضي.

منصور البلوي أعلن اعتزاله المجال الأخضر، وترك ناديه الأصفر إلى الأبد، ووقع الطلاق الإجباري، حينما أعلن عبر بيان مقتضب عن هذا القرار، محتفظاً بالأسباب لنفسه، وراجياً الجميع بمختلف ميولهم أن يسامحوه، فيما طلب من جماهير ناديه تقدير رغبته في وضع حد للمسيرة المظفرة أولاً والمتعثرة أخيراً.

ورغم أن خبراً مثل هذا لن يمر مرور الكرام على وسط رياضي مشبع بالأزمات في السعودية، إلا أن قليلين فقط من سيقولون من أي بداية أخطأ البلوي في إطلاق ساقيه ليظل الطريق ولا يعود أبداً، وعند أي خط نهاية سقطت العصا من يده، وعرف أن المسار الذي سلكه لا يمكن أن يعود به إلى نقطة البداية أبداً.

البلوي أحد أكبر تجار جدة ومن أهم رموزها الاقتصادية، ورغم أنه بدأ العمل الرياضي من خلال نادي الاتحاد مبكراً في القرن الماضي لفترة قصيرة، إلا أنه لم يخرج إلى ساحة الأضواء الاقتصادية والرياضية إلا بعد وفاة والده الشهير باستثماراته العقارية حمدان البلوي، حيث يحتكم البلوي على شركات عدة، مثل صاب ولينغو والأهلية ونيو وسلسلة من المنتجعات والاستثمارات في قطاع الاتصالات والإعلام.

قدر شخص مثل منصور البلوي كما هو قدر الكثير من المشاهير المثيرين للجدل أن يكون بين فكي مقص، طرفه الأول مغالٍ في حبه، والطرف الآخر مغالٍ في كرهه، فاقترب الطرفين بالسرعة عينها حول البلوي حتى حانت النهاية المتوقعة لوضعية مثل هذه.

بغضّ النظر عن أخبار التحقيق مع البلويفي ما اصطلح على تسميتها كارثة جدة التي غرق فيها الآلاف، وتوفي العشرات من السعوديين بسبب سوء البنية التحتية وفساد مزعوم في مخططات الأراضي قبل عامين، يمكن تلخيص رحلة quot;حياة الشهرةquot; للبلوي في أربع محطات، تعتبر هي الجهات الأربع في بوصلة نجاحه وسقوطه، وذكائه وزلاته، ويتضح من خلالها أي الجهات التي رجحت بإبرة البوصلة نحو قراره الأخير الذي اختار له نهاية درامية في بلدٍ تتنفس كرة القدم ولا شيء غيرها.

المحطة الأولى هي بداية بزوغ نجمه عندمابدأ في دعم نادي جدة الشهير وأقدم أندية المملكة الاتحاد، ولم تمض فترة قصيرة حتى اعتلى كرسي الرئاسة في العام 2004، فوضع هدفه الأول أن يرى فريقه أفضل من الجميع، وخصوصاً الهلال، الذي ظل الطرف الثابت في المنافسات السعودية، ومن بعده الأهلي، الذي كان يعيش أحدى أزهى مواسمه حينها، وكان مرشحاً لاكتساح البطولات بوفرة نجومه الدوليين في كل الخطوط.

في تلك الفترة زلّ لسان منصور البلوي في تصريح له بعد إحدى المباريات عبر قناة أوربت quot;أتمنى تدمير الأهليquot;، ثم بدأ باستقطاب نجومه واحداً تلو الآخر بطرق سالكة وغير سالكة، مثل خالد مسعد وخالد قهوجي وإبراهيم السويد وعبد الله الواكد وتيسير آل نتيف، وكلهم لاعبون دوليون.

وبدأ الاتحاد حينها يصعد شيئاً فشيئاً حتى قضى على تفوق الهلال آسيوياً عندما ضربه معنوياً قبل أن يكون فنياً حينما استقطب اثنين من أهم لاعبيه، وهما خميس العويران وأحمد الدوخي، في فترة تعتبر فيها عملية استقطاب اللاعبين من الحجم الثقيل والدوليين، خاصة من الموبقات الرياضية، فما هو الحال إن كان الاستقطاب من عرين أكبر الأندية السعودية وأعظمها آلة إعلامية وجماهيرية نادي الهلال العاصمي.

هذا الحراك الذي فاجأ به البلوي الساحة الرياضية كان من أهم أسباب التطرف في التعاطي مع شأنه، فالأهلاويون والهلاليون اصطفوا ضده، وقالوا عنه إنه مخرب الرياضة، وإنه يريد إنهاء لاعبين دوليين برميهم على دكة البدلاء في ما عرف بمصطلح quot;التكديسquot;.

أما الفرق الأخرى، وبخاصة النصر، فكانوا يعانون فقراً في النجوم الثقيلة تلك الفترة، ولم يكونوا منافسين على البطولات، وبالتالي فهم فرحوا بمن يضرب الهلال نيابة عنهم، حتى وإن كان الثمن مزيداً من ابتعادهم عن البطولات، ثم تطورت العلاقة حتى أصبح قسم لا بأس به من اللاعبين منتهي الصلاحية في أرض الاتحاد يذهب ليقضي نهايته الكروية على عشب النصر ووسط آهات جماهيره.

تزامن ذلك مع خطة أخرى اتهم البلوي بانتهاجها، وهي مفاوضة كل من يريد ناديي الهلال والأهلي انتدابه إلى صفوفهما وتصريفه إما لفريقه أو لفريق آخر عن طريق الإعارة، مما ساهم في إضعاف الناديين أكثر فأكثر، حتى خلى الجو صافياً للاتحاد، فباض ذهبا محلياً وآسيوياً، وهنا مربط الفرس.

نجاح البلويجلب له الكثير من المعجبين والكارهين
المحطة الثانية كانت في نقل الاتحاد إلى مصاف العالمية، وهو هدف استطاع البلوي تحقيقه في زمن قياسي بعد بطولتي آسيويتين متتاليتين عامي 2004 و2005 وتأهل على إثر الثانية إلى بطولة العالم للأندية في اليابان، وحقق من خلالها المركز الرابع على مستوى العالم، رغم أنه بشهادة المحللين والخبراء كان أحق من سان باولو البرازيلي في الوصول إلى النهائي لمقابلة مانشستر يونايتد في طوكيو اليابانية، ولكن أخطاء بالتحكيم ساهمت في تعطيل الحلم بعدما خسر اللقاء بثلاثة أهداف لهدفين.

هذا النجاح بالطبع ولد لديه المزيد من الغيرة والحرب الشعواء، ولكنه أيضاً ساهم في محاولة الأندية وخصوصاً الهلال في تدعيم صفوفها لمنافسته ومجاراته، ولكن لم يفلح أي فريق سعودي آخر بما فيهم الاتحاد نفسه منذ ذلك التاريخ في تحقيق الهدف نفسه والوصول إلى بطولة العالم.

المحطة الثالثة كانت هي اتجاه البوصلة، حين اتهم منصور البلوي بخطف المهاجم السيراليوني محمد كالون بعدما احضره الهلال بساعات قليلة، وأشارت المعلومات حينها إلى أنه غادر فندق ماريوت الرياض إلى جدة في طائرة خاصة، وهناك احتجز في المطار بعدما تقدم الهلال بشكوى أن اللاعب هرب وبصحبته مبلغ من المال.

وقبل أن نكتب تفاصيل القضية، مهم أن نعرف أن حجم التنافر بين الاتحاد والهلال وصل مداه بعد سلسلة ضربات متبادلة على مستوى الصفقات كان البلوي هو الطرف الأقوى غالباً، حيث لم يستطع الهلال استقطاب أي لاعب اتحادي، رغم عديد المحاولات مع محمد نور، وأسامة المولد، ومبروك زايد، وبدأ الهلاليون يهربون في أحيان كثيرة من أي صفقة يشتمون فيها رائحة البلوي خوفاً من الإحراج أمام جماهيرهم، وهو ما حدث في مرات كثيرة، كان أبرزها في قضية اللاعب المغرب جواد الزايري، الذي أعطى الموافقة للهلال، ووقع للاتحاد بعقد تظهر تواريخه أنه سبق موافقته للهلال!.

ولم ينجح الهلال أمام البلوي سوى في صفقة واحدة شغلت الشأن الرياضي السعودي طويلاً قبل أن تنتهي، حينما استطاع الهلال أن يكسب توقيع ياسر القحطاني بمبلغ وصل إلى 30 مليوناً أثارت استياء مفتي المملكة.

ورغم أن البلوي أعلن عن أنه مستعد لضخ ما يصل إلى 45 مليوناً في حساب نادي القادسية مقابل انتداب القحطاني، إلا أن رغبة اللاعب، هي من ساعدت الهلال في حفظ ماء الوجه.

بعد هذه اللمحة السريعة عن الأجواء المحتقنة بين الناديين نعود إلى التفاصيل التي وقفت عليها quot;إيلافquot; في تلك الفترة، وهي أن محمد كالون أعطى موافقته على اللعب للهلال، وأصدروا له تأشيرة القدوم إلى المملكة، وبعدما قدم وحاول معه الهلاليون للتوقيع النهائي، قال إنه يحتاج الراحة وسيوقع غداً، وبعد ساعات غادر الفندق إلى جهة غير معلومة، وبعد تحريات هلالية وصلتهم الأخبار بأن اللاعب قريب من الهبوط في مطار جدة فرفعوا شكوى عاجلة.

في الوقت عينه كانت منتديات نادي الاتحاد تحتفل بأن كالون قد أصبح اتحادياً، رغم أن الهلال هو من أحضره، ثم بعد الشكوى الهلالية وتصعيدها إلى أعلى المستويات، سحبت إدارة المنتديات الاتحادية كل الموضوعات الخاصة بكالون، وأعلنت أن لا علاقة لها بأي خبر يتعلق بتوقيعه للاتحاد، وظهر بعدها بساعات منصور البلوي في لقاء تلفزيوني مباشر ينفي فيه علمه عن مكان كالون وينفي نيته التوقيع معه.

لكن التحقيق أخذ مجراه بعدما تدخلت الجهات الأمنية، باعتبارها قضية أمنية، وخرجت عن إطار الرياضة، وفي أثناء التحقيق الذي جمع البلوي بعضوين مهمين وأحد أفراد الرئاسة العامة لرعاية الشباب أتاهم أمر مباشر بإنهاء التحقيق والطلب من البلوي أن يقدم استقالته.

وهو بالفعل ما حدث، وأعلن حينها البلوي استقالته وتوارى عن الأنظار ردحاً من الوقت قبل أن يخرج ويعلن صراحة أنه لم يستقل، وإنما طلب منه تقديم الاستقالة.

في هذه الأثناء، انقسم الشارع الرياضي السعودي إلى قسمين كالعادة في أي قضية، فريق مع وآخر ضد، ولكن الأمر قضى، والأوراق رفعت، وبات على الاتحاد أن يتعامل مع ظروفه ويوجد له رئيساً، في حين طالب الكثيرون بأن تعلن نتائج التحقيق صراحة ويثبت فيها الحق مع من، حتى يسجل التاريخ القضية لمصلحة أي طرف، بدلاً من أن تترك نهباً للنسيان وتحريف العواطف والميول.

أما المحطة الرابعة فيمكن اعتبارها إرهاصات كل ما سبق، ذلك لأنها شهدت وبصمت أخيراً على فشل كل محاولات المناورة والعودة إلى قيادة النادي الأصفر مرة أخرى، وتتضح معالمها من أنه بعد كل موعد لجمعية عمومية للنادي وقبل أن يقدم البلوي ملف ترشيحه يأتي تكليف رسمي من الاتحاد السعودي لأحد الأشخاص ليقود النادي، وسط تسريبات تؤكد أن البلوي تلقى فعلاً وصراحة أوامر بعدم تقديم ملفه الانتخابي من أشخاص رسميين.

حاول البلوي كثيراً أن يكون رئيس الظل، واتهم مراراً بأنه وراء إسقاط كل رئيس لا يوافقه التوجه نفسه عبر آلة إعلامية مؤثرة تتزعمها صحيفة متخصصة يمتلكها أخوه صلاح البلوي وعشرات الصحافيين الموالين، فيما راح أعداؤه يكيلون التهم له بأنه ورط الاتحاد بقضايا مالية عويصة عانى الاتحاد كثيراً منها، وكاد بسبب أحدها أن يهبط الفريق للدرجة الأدنى بقرار دولي لولا أن تدارك الاتحاديون بمعاونة الاتحاد السعودي لكرة القدم الأوضاع.

وفي الأيام الحالية يوشك الاتحاديون أن ينتخبوا لهم رئيساً، وحاول البلوي العودة من جديد بملف انتخابه، ولكنه كان يؤجله في كل مرة لأسباب مجهولة، رغم أنه يعلن عبر وسائل الإعلام أنه سيقدمه، ولكنه لا يفعل، حتى انتهى الأمر بخطاب اعتذار واعتزال، قال فيه ما يجب أن يقال رسمياً، وأخفى بين طياته ما لا يجب أن يقال فعلياً، حاملاً معه كل ذكريات الصفقات والفلاشات مع نجوم محليين ودوليين، ومن أهمهم البرازيلي بيبيتو، الذي حضر بشحمه ولحمه ولعب للاتحاد، والبرتغالي لويس فيجو، الذي اكتفى معه البلوي بصورة قميصه من دون أن يحضر.