وسط حزمة تعقيدات مازال يشهدها ملف ايران النووي على شتى الأصعدة والمستويات مع بداية العام الجديد، يكشف تقرير تنشره مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية عن وجود حالة من الترقب تسود الآن الأوساط الدبلوماسية والإستراتيجية في طهران وواشنطن، انتظارا ً لاستكشاف طبيعة الرؤى الخاصة بيوكيا أمانو، الرئيس الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المطالب الآن بالتعامل مع الصراعات المتصاعدة في كل من سوريا وإيران، والانقسامات الحادة بين الدول في مجلس المحافظين، وكذلك الظلال طويلة الأمد التي خلفها سابقه، المصري محمد البرادعي.

ترى المجلة أن أمانو قد يفلح في ترك بصمته سريعا ً على أجندة العمل الخاصة بالوكالة - على عكس البرادعي الذي احتاج لأربعة سنوات كي يبدأ في إجراء تغييرات كبيرة وهو في منصب المدير العام - لأنه سيُجبر على التعامل مع سلسلة تحديات خلفها له سابقه، تتمثل في المحاور الساخنة التي لم تحسم بعد في الملفين السوري والإيراني، وحالة الخلاف القائمة بين الدول الأعضاء، وكذلك الجمود السياسي الذي يُقسِّم الدول الموجودة في مجلس المحافظين. وتمضي المجلة لتلفت إلى أن العالم سيهتم بمتابعة هذا كله عن كثب، بعد أن تم انتخاب أمانو في تموز/ يوليو الفائت لخلافة البرادعي في منصب المدير العام، بعد أن حظي بكامل الدعم من جانب القوى الغربية الكبرى المتطورة، وقد سعوا من وراء ذلك إلى تقليم الأجندة السياسية النشطة التي مضى بها البرادعي قدما ً في العقد المنقضي، بحسب المجلة.

وتشير المجلة إلى أن الاختبار الأول الذي سيكشف عن قدر كبير من شخصية أمانو، ومدى استعداده للخروج من عباءة البرادعي، سوف يأتي في منتصف شهر شباط / فبراير القادم، عندما ينتهي من وضع تقارير عن إيران وسوريا لرفعها إلى مجلس المحافظين. وفي ما يتعلق بملف ايران النووي، تقول المجلة إن الولايات المتحدة ستقوم برفقة بعض من القوى النووية الأخرى بدفع أمانو ليقوم بعكس ما كانوا يعتبرونه ميلا ً من جانب البرادعي إلى التأخير والارتجاف. هذا وتعلم الوكالة منذ العام 2002 بالخطوات التي تتخذها إيران سرا ً بغية إتمام مشروعها الطموح الخاص بتخصيب اليورانيوم.

وبينما قدمت المجلة سردا ً لسلسة الخلافات التي نشبت بين الوكالة والإدارة الأميركية على مدار السنوات الماضية بشأن برنامج إيران النووي، أكدت في غضون ذلك على أن التوتر ظل قائما ً بين الطرفين حتى نهاية ولاية الرئيس جورج بوش الثانية. كما تسبب النهج الذي اتبعه البرادعي في الفترة الأخيرة من رئاسته للوكالة، في خلق موجة من الانقسامات حتى بين موظفيه في الأمانة العامة، أو المكتب التنفيذي للوكالة. وقد كان quot;أولي هينونينquot; - رئيس إدارة الضمانات والرجل المسؤول عن لجنة التحقيق في ملف ايران - واحدا ً من أبرز المسؤولين المنشقين في الوكالة.

وتلفت المجلة في هذا السياق إلى أن هينونين سبق له وأن قام بتجميع ملف من المعلومات التي تشير بقوة إلى أن إيران تقوم سرا ً بتمويل أبحاث متعلقة بالسلاح النووي منذ سنوات، جنبا ً إلى جنب مع برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم. ومع تزايد ثقة هينونين في صحة ومصداقية معلوماته، بدأ يختلف على نحو متزايد مع عصبة صغيرة من الدبلوماسيين في إدارة العلاقات الخارجية وتنسيق السياسات بالوكالة. وتبرز المجلة هنا حقيقة الاتهام الذي يوجهه مسؤولو إدارة الضمانات إلى إدارة العلاقات الخارجية وتنسيق السياسات بأنها من كانت تحث البرادعي على إبعاد بيانات عن ملف بحوث الأسلحة الدامغ من أصل تقاريره التي كان يقدمها للمجلس.

وفي نهاية حديثها، تلفت المجلة لما سبق وأن صرح به مسؤولون من عدة دول غربية ndash; بعد انتخاب أمانو وقبل توليه مقاليد منصبه بصورة رسمية، بأن تلك الدول ستحثه على إجراء تغييرات شخصية ndash; وبخاصة على صعيد إدارة العلاقات الخارجية وتنسيق السياسات ndash; لتفكيك شبكة من مساعديه كانت تدعم البرادعي، وتتحمل ( من وجهة نظرهم ) مسؤولية فشل الأمانة العامة بالوكالة في متابعة تجاوزات حظر الانتشار النووي من جانب سوريا وإيران. وطبقاً للمعلومات التي أوردتها المجلة، فإنه قد يتم الضغط مجددا ً على أمانو لإجراء تغييرات كبرى في صفوف موظفيه، إذا ما قرر أوباما نهج قدر أكبر من المواجهة مع إيران. وفي الوقت الذي سيحاول فيه أمانو الخروج من ظلال البرادعي، سيتم الحكم على قدرته المتعلقة بإعادة إرساء تقاليد الحكم التوافقي الذي ميَّز الوكالة خلال فترات طويلة منذ تأسيسها قبل نصف قرن.