تجري اليوم صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية تحقيقاً مطولا ً تكشف من خلاله عن الأسباب التي تقف وراء حالة التعاطف التي تحظى بها القاعدة وتقوي شوكتها في اليمن. وتستهل الصحيفة حديثها في هذا الشأن بقصة الطالب اليمني الجامعي الذي يعمل كسائق تاكسي، ويدعى عبد الجبار السهيلي، بينما يقوم بسحب علم إسرائيلي متسخ ( تظهر عليه آثار أحذية حمراء اللون في إشارة لدم الشهداء الفلسطينيين ) في مؤخرة سيارته، لتنقل عنه تمنياته بأن لو يصبح زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن رئيسا ً ذات يوم ! - وهي الحالة التي علّقت عليها الصحيفة بالقول إنها قد تمثل تظاهرة صغيرة تفسر الأسباب التي تقف وراء جذب القاعدة لمزيد من المجندين في اليمن، وتولد حالة من عدم الثقة في الولايات المتحدة - التي تعد الحليف الأقوى لإسرائيل - وتكرر الإجابات التي ظهرت في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، حين بدأ الأميركان في طرح تساؤلات من بينها quot;لماذا يكرهوننا؟quot;.

وتمضي الصحيفة لتنقل عن السهيلي قوله :quot; هناك العديد من الرفاق المتعاطفين حول العالم مع القاعدة، لأنهم يرون الولايات المتحدة وإسرائيل يتقاتلان لسرقة مواردهم. لذا، ما يجب على الناس أن يفعلوه ؟ إنهم يقاتلون. ستظل فلسطين في قلوبنا إلى أن يتم تحريرها ndash; وهذا أقل شيء يمكننا أن نفعله. أما إسرائيل فلم تفعل شيئا ً بالنسبة لنا ndash; سوى أنها تقوم بقتل المسلمين، وتفتعل المشكلات للجميع، ولا تُصغي للأمم المتحدةquot;.

وبرغم أن هذا الموقف هو الموقف السائد في جميع أنحاء العالم الإسلامي، إلا أن مثل هذه المشاعر قد اتخذت في اليمن أهمية جديدة بالنسبة للغرب، بعد أن تمكن فرع تنظيم القاعدة الموجود هناك من التوسع بصورة كبيرة بطريقة بات بمقدوره أن يشن محاولات اعتداء خلال العام 2009، توجت بادعائها أنها من وقفت وراء مؤامرة تفجير طائرة الركاب الأميركية يوم عيد الميلاد الماضي. وترى الصحيفة من جانبها أن محاولة تفجير الطائرة الأميركية هذه تسلط الضوء أيضا ً على التهديد الذي تجابهه الحكومة اليمنية، التي تتعرض لضغوط دولية مكثفة بغية التصدي لتلك المشكلة.

وهنا، تنقل الصحيفة عن عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء العاصمة، قوله :quot; المشكلة هناك، ونحن نعرفها، وسوف تتفاقم خلال وقت ما في المستقبل. ولم تعمل تلك الحادثة إلا على إبرازها وتسليط الضوء عليها. كان من الممكن فعل كثير من الأمور في وقت سابق. فتلك الحكومة هي حكومة رجال إطفاء ndash; تجابه النيران طوال الوقت. لكن لا أحد يفكر في الأسباب التي تقف وراء اشتعال تلك النيرانquot;.

كيف تجند القاعدة تابعين لها في اليمن ؟
تشير الصحيفة هنا إلى أن المثل المأثور الذي يقول quot;كل السياسة محليةquot; ينطبق على كل فرع من تنظيم القاعدة، كما يفعل في اليمن، حيث يمكن للإسلاميين المسلحين أن يعملوا بسهولة نسبية بداخل بنية قبلية؛ وحيث تتواجد حكومة ضعيفة ويد ثقيلة في اثنين من الصراعات الأخرى التي توفر نقاط حوار جاهزة. غير أن سعيد علي الجمهي، مؤلف أحد الكتب عن تنظيم القاعدة في اليمن، يقول إن من بين الثوابت في قائمة المظالم العالمية الخاصة بتنظيم القاعدة ndash; وإحدى وسائل التجنيد ndash; هي مسألة الصراع الإسرائيلي ndash; الفلسطيني. ويواصل حديثه بالقول :quot; أتمنى أن تُحل المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية، فإذا ما تم التوصل إلى حل، فإننا سنقطع بذلك شرياناً كبيرًا لتنظيم القاعدة في اليمن وجميع دول العالم. فالقاعدة في اليمن تعتمد على نفس العناصر التي ترتكز عليها القاعدة في أفغانستان، وتتلخص كافة المشكلات باليمن في الظلم والفساد. لكن من الناحية الأيديولوجية، نجد التنظيم يعتمد أيضا ً على التحريض ضد الغرب، والفكرة التي تطالب بضرورة وجود عداء مستمر تجاه الغربquot;.

quot;أسامة بن لادن يجب أن يكون رئيساًquot;
وفي الوقت الذي حثت فيه واشنطن اليمن على ملاحقة العناصر المنتمية للقاعدة، وتعهدها بمضاعفة المساعدات التي تمنحها الآن للحكومة اليمنية، تلوح أيضاً أمام الرئيس علي عبد الله صالح صراعات أخرى ينبغي عليه أن يتعامل معها: حركة انفصالية في الجنوب، وتمرد في الشمال. وعلى النقيض، ترى الصحيفة (من منظور الخسائر على الأقل) أن القاعدة تمثل مشكلة أقل في الشأن عن غيرها.

وتنقل الصحيفة هنا عن محلل أوروبي لديه خبرة كبيرة في الشأن اليمني، بعد أن طلب عدم الكشف عن هويته، قوله :quot; هناك فارق كبير بين درجة العنف الإسلامي في اليمن ودرجة العنف الإسلامي في باكستان، وخير مثال على ذلك، هذا الحادث الذي وقع أخيرا ً في ملعب للكرة الطائرة بباكستان وراح ضحيته 70 شخصا ً. الأمر الذي لم يسبق أن حدث في اليمن من قبلquot;.

ومع هذا، يقول المحللون أن تأثير القاعدة يتنامى، ويمكن أن يتم التعامل معه في اليمن من خلال مزيج من القوة العسكرية والتنمية والإقناع الأيديولوجي. وهنا، يعاود الجمهي ليقول :quot; لا يمكن التعامل مع العمليات التي تشنها الحكومة على القاعدة، وكذلك العمليات التي تشنها القاعدة على الحكومة من منظور الخسائر، لكن من منظور الطريقة التي تدمر من خلالها تلك العمليات الروح في كلا الجانبينquot; وتختم الصحيفة في نهاية حديثها بنقلها عن الطالب الجامعي وسائق التاكسي الشاب عبد الجبار السهيلي، قوله :quot; سنتمكن يوما ما نحن ( المسلمين ) من فرض هيمنتا عليهم. قد لا أعيش طويلا ً لأرى ذلك اليوم، لكن هذا هو ما سيحدث. وفي الوقت الراهن، لابد لأسامة بن لادن أن يكون رئيسا ً. فهو صاحب شخصية قويةquot;.