لا تكاد تطير أو تبحر قافلة مساعدات إنسانية لقطاع غزة في فلسطين إلا وتصاحبها أمواج خمس، تسويق المشروع، وموافقة دولة الانطلاق، وتحرز إسرائيل، وموقف الدولة المجاورة، وأخيراً تجاذبات الداخل الفلسطيني.


معبر رفح: في رحلة المساعدات الإنسانية التي وصلت يوم أمس الأربعاء إلى معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين، رصدت إيلاف جوانب أخرى لا تختص فقط بحجم المعونة أو نوعها. تبحث عن السياسة خصوصاً والتسويق بأنواعه المختلفة سواءً كان على مستوى الدول أو الفئات هناك في فلسطين.

حينما قابلت الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز وهو المشرف على الحملة التي رعاها والده، تساءلت في داخلي عن كيفية تحييد الحملة عن تجاذبات السياسة سواء على مستوى الدول وهي هنا أربع على الأقل (السعودية ومصر وفلسطين واسرائيل) أو على مستوى الفئات في داخل فلسطين، وطرحت عليه السؤال باختصار وقلت كيف حيّدتم السياسة؟!

فرد الأمير تركي الذي يقوم حالياً بكل أدوار والده في الإشراف ومتابعة نشاطات منظمة الخليج العربي للتنمية (أجفند) quot; لقد ركزنا جهودنا كلها على الجانب الإنساني فقط، نحن لا نريد أكثر من ذلكquot; فعلمت أن الإشارة ما زالت حمراء في وجه السياسة، فقلت في نفسي ونحن في مطار العريش المصري الصغير إنها لا بد وأن تطل ولكن ممن ومن سيبدأ؟ وتركت الجواب لحين تسليم المساعدات في معبر رفح الحدودي.

وبعد دقائق حضر مسؤول فلسطيني وسلم على الأمير بحرارة وقال quot;لقد أعددنا استقبالاً عند معبر رفح (من الجانب الفلسطيني) وهناك بعض المسؤولين في انتظارك، فهل ستعبرون؟quot; فأجاب الأمير بهدوء، لا لن نعبر، سنكون في مكان التسليم عند الحدود.

ومضت ساعات انتظار اكتمال وصول الطائرات المحملة بأكثر من 65 طناً غالبها يختص بالمساعدات الطبية والمختبرات في أجواء هادئة جداً بين مسؤولين مصريين غالبيتهم من الضباط، و مسؤولين من الهلال الأحمر الفلسطيني، حتى بدأ هاتف أحد المسؤولين المصريين الرنين، فأجاب المسؤول وتكلم بصوت خافت ثم أعطى الهاتف للأمير تركي الذي رد بأهلاً وسهلاً بسيادة الوزير، ثم بدأ الثناء على مصر حكومة وشعباً لأنها سهلت وساعدت في نقل المساعدات، وختم بقوله quot;إنني لا أجامل يا سيادة الوزير، إن موقف مصر مشرف جداً دائماًquot;.

حينما اكتمل وصول المساعدات المصرية إلى المطار وبعد أن عاينه المسؤولون بصحبة الأمير والوفد السعودي الذي ساهم في المعونات وأغلبهم من ممثلي الشركات الطبية، نفر الجميع إلى الراحة من شمس العريش القريبة جداً من الرؤوس إلى فندق قريب، حتى يكتمل رصها في سلسلة من الشاحنات المصرية تمهيداً لنقلها إلى الحدود.

في الفندق المطل على البحر تكاد تجزم أن نصف جاذبية القمر تركز جهودها على هذه المنطقة، فصوت الأمواج لا يجعلك تسمع من بجانبك، رغم هدوء المدينة، ويلفت نظرك في العريش موجة التدين التي تجتاح مصر في سنواتها الأخيرة، ولولا أني أرى اللوحات العربية على الطرقات لقلت إننا في محافظة إيرانية فقيرة من المزارات الدينية.

بعد ساعات من الإنتظار أعلن أن المساعدات استكمل شحنها، وتوجهنا قبلها إلى معبر رفح، حيث مررنا على العديد من نقاط التفتيش العسكرية، ويسميها المصريون (كمينا)، وفي كل نقطة ينزل عسكري من غرفته المصفحة ممسكاً بورقة وقلم ويبدأ تسجيل رقم السيارة وبياناتها ثم يسأل عن ركابها إلى أين يتجهون، وكنا تعودنا ذلك منذ أن انطلقنا من مطار القاهرة الدولي إلى العريش حيث توقفنا عند أكثر من 15 (كميناً) في مسافة تبلغ نحو 500 كلم.

ووصلنا المعبر وفي مخيلتي آلاف العالقين ممن يريدون الخروج، وأنفاق التهريب التي تضربها اسرائيل دورياً كلّما اكتشفتها، فسألت الصحافي الفلسطيني الواقف بجانبي عن هذا الأمر فقال إنهم يحفرون لمدة أشهر لكي يستعملوه يوماً واحداً على الأكثر قبل أن تضربه طائرات تل أبيب، وجائزة من يعبر بالسيارة المحملة تبلغ 1000 دولار. وقال الصحافي الفلسطيني، في السابق كانت غالبية المواد المهربة تتكون من أجهزة وقطع غيار، أما الآن فغالبيتها مواد بناء وخصوصاً الإسمنت.

وخلال لحظات كان الأمير تركي يجتمع فيها بالصحافيين ليقول لهم إن الهدف من الحملة ليس سياسياً ولا تسويقياً، quot;إن الهدف فضلاً عن تقديم العون لأكبر سجون العالم، يكمن في تعريف الجميع في العالم أجمع بأن كل عمل خيّر إذا سلك الطرق الصحيحة البعيدة عما يعكرها، سيحقق النجاح المرجوquot; وأضاف quot;لقد استغرق التنسيق شهرين أخذنا فيها الإذن من حكومتنا فتجاوبت ودعمت، ونسقنا مع المصريين فتعاونوا، حتى تم كل شيء بنجاح وانسيابية لأن العمل كان في كل مراحله واضحاً ومرتباًquot;.

وقطع حديث الأمير قدوم 5 من الوفد الفلسطيني في مقدمهم مدير التعاون الدولي في وزارة الصحة الفلسطينية مدحت عصام، وبعد أن سلم على الأمير وشكر جهود السعودية التفت للصحافيين وقال quot;إن ما يميز هذه الحملة أنها رتبت معنا بناء على احتياجاتنا، إن القوائم الطبية التي طلبناها وأحضروها مسجلة لدينا برقم صفر، والحملة ستوفرها لمدة 5 أشهر على الأقلquot;، وأضاف المسؤول الذي تشبه تقاسيم وجهه وجه رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية quot;نحن في الوقت الذي نشكر فيه السعوديين فإننا نحض العالم أجمع على مساعدتناquot;.

وانتهى كل شيء بهدوء عندما دخلت شاحنات فلسطينية وأعادت شحن المساعدات من نظيرتها المصرية قبل الغروب بقليل، دون أن يسمع الجميع صوتاً لحماس أو فتح ولا لعباس أو هنية، وكل ذلك أيضاً كان بغياب كامل عن ذكر إسرائيل وأسطول الحرية.