وليد جنبلاط في كليمنصو اليوم الخميس |
أعلن الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في مؤتمر صحافي الخميس انه رسم مع الرئيس السوري بشار الاسد خلال لقائهما الاربعاء quot;خطا بيانيا سياسياquot; للمستقبل يتضمن ثوابت تبدأ بـquot;دعم المقاومةquot;، مؤكدا بعد خمس سنوات من القطيعة مع دمشق ان quot;الماضي قد انتهىquot;.
بيروت: خلافا لرئيس الحكومة وquot;تيار المستقبلquot; سعد الحريري، وضع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط زيارته لسورية ولقاءه رئيسها بشار الأسد في خانة العلاقة بين طائفته ومحيطها، وكذلك في الإطار الشخصي بينه وبين القيادة السورية، بعدما كان الحريري آثر تقديمها باعتبارها خطوة لازمة في إطار المصالحات العربية- العربية. وتوّج الزعيم الإشتراكي استدارته الصعبة التي استمرت أشهرا منذ إعلانه الإنفصال عن قوى 14 آذار/مارس في 2 آب/ أغسطس الماضي بالتوجه إلى العاصمة السورية بعد طول انتظار ومواعيد مؤجلة.
حيث لم يلق استقبالا حارا مثل النائب الجنرال ميشال عون، خصم سورية القديم الذي تحوّل حليفا لها، كما لم يلق استقبالا حميما على غرار الرئيس الحريري، فلا قبل ولا عناق أمام عدسات المصورين، بل كان quot;استقبالا لائقاquot; وإن لم يظهر من تفاصيله على الإعلام سوى مشهد بدا فيه جنبلاط متوترا على عادته غالبا، يهز رجليه بسرعة، والأسد هادئاً ساكناً كعادته أيضا. والأمر طبيعي بعد كل ما قاله جنبلاط في حق الأسد من كلام شديد الوطأة، لا سيما في مناسبات شعبية.
وقد أوضح الزعيم الإشتراكي في مؤتمر صحافي مقتضب عقده اليوم الخميس في دارته في كليمنصو أن الرئيس الأسد بدد رهبة اللقاء، ثم دخلا مواضيع البحث. وأضاف أيضا أن الأسد طلب منه quot;دعم المقاومة وتحرير الأرضquot; أي دعم quot;حزب اللهquot;، وهذه نقطة جوهرية يجدر التوقف عندها لأن تلبيتها قد تعني تحوّل الأكثرية النيابية التي لا يزال جنبلاط منتمياً إليها أقلية، ما قد يقلب الأوضاع رأسا على عقب في بعض المواضيع الحساسة، خصوصا تلك المتعلقة بسلاح quot;حزب اللهquot; الذي تبحث فيه عبثاً هيئة الحوار الوطني، وكذلك في ما يتعلق بالمحكمة الدولية التي يتشبث جنبلاط في تصريحاته الأخيرة بألا تكون نتائج عملها على حساب استقرار لبنان. الأمر الذي يؤيده الحريري ولكن ليس على حساب الثقة بهذه المحكمة.
|
إلا أن هذه الثقة بالمحكمة نزعها عنها الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله في حديثه التلفزيوني ليل أمس الأربعاء عبر محطة quot;المنارquot;، إذ وضع لها ضوابط وشروطا فضلا عن رسمه علامات استفهام على ماضي تحقيقاتها وتوجهاتها المتسربة حاليا. ولم تغادر أذهان متابعي لقاء الأسد - جنبلاط في دمشق وتداعياته حقيقة أنه ما كان ليحصل لولا مسعى السيد نصرالله الذي يتمتع بتقدير واحترام كبيرين في سورية، وإن السيد حسن يهمه تأكيد انتقال جنبلاط من ضفة إلى ضفة في السياسة المحلية اللبنانية، الأمر الذي يستوجب تكريسه باستقباله في دمشق ولقاءه الرئيس الأسد لتأكيد طي صفحة الماضي الذي استمر خمس سنوات quot;شديدة القسوةquot; على كل من الجانبين، وبالأكثر على جنبلاط.
وكانت لافتة مواكبة المسؤول عن التنسيق الأمني في quot;حزب اللهquot; وفيق صفا لجنبلاط في سيارته مع سيارتي حماية من الحزب، علما أن المشهد في quot;قصر الشعبquot; الدمشقي أعاد إلى الأذهان أيضا اللقاء الأخير الذي حصل بين والدي الرجلين، الزعيم الراحل كمال جنبلاط والرئيس الراحل حافظ الأسد قبل نحو أربعة أشهر من اغتيال جنبلاط الأب على إحدى طرق منطقة الشوف، علما أن الشبهة بمسؤولية سورية عن اغتيال والده لم تمنع وليد جنبلاط، على ما صرح أكثر من مرة، من التحالف مع الأسد لمواجهة التحديات والمعارك المشتركة في تلك الحقبة الطويلة التي استمرت إلى ما قبل قرار القيادة السورية التمديد للرئيس السابق للجمهورية اللبنانية إميل لحود، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من أحداث وفواجع.
إلا أن أكثر ما لفت في مؤتمر جنبلاط الصحافي هو قوله إنه في موقف واحد مع الرئيس سعد الحريري بالنسبة إلى التطورات المحتملة التي يمكن أن تسلكها المحكمة الدولية. موقف يقول بضرورة تغليب الإستقرار على أي شيء آخر، والمقصود العدالة، في حين أن الحريري لم يعلن ذلك حقا، بل جدد من بلغاريا قبل يومين إعلان ثقته بالمحكمة والتحقيق الدوليين، مؤكدا أن الجيش وقوى الأمن سيضربان بيد من حديد من تسول له نفسه العبث بالأمن، ولا خوف على الإستقرار.
فمن يذهب في اتجاه موقف الآخر، جنبلاط أم الحريري؟ وماذا يتبقى من زعامة الحريري، ومن قوى 14 آذار إذا تخلى زعيم quot;المستقبلquot; عن المحكمة وفكرة quot;العدالةquot;؟ ثم كيف ستكون ارتدادات تحول جنبلاط إذا ارتدى شكل quot;التماهيquot; مع quot;المقاومةquot; نزولا عند طلب الأسد ؟
يقول عارفون بشأن البيت الجنبلاطي إن الرجل زعيم حقيقي على طائفته يستطيع الإتجاه بها كيفما شاء من غير أن يخشى اعتراضات أو مساءلة جدية يمكن أن تحمله على القلق. ويشيرون إلى أن ثمة نخباً في الحزب التقدمي الإشتراكي والطائفة الدرزية لم تتقبل بسهولة في البدء فكرة التخلي عن تحالف قوى 14 آذار/ مارس، لكنها إقتنعت أو أقنعت نفسها بصواب هذا الموقف لاحقا، على قاعدة أن quot;جنبلاط أعلمquot; بموازين القوى والظروف المحيطة بالبلاد ومصلحة الطائفة. وباستثناء النائب السابق مروان حمادة الذي يتمتع بوضع خاص والباقي في 14 آذار، وهو عضو في quot;اللقاء الديمقراطيquot; وباق فيه وليس منتميا إلى الحزب التقدمي الإشتراكي، لم يبرز ولن يبرز أي موقف مخالف للمسار الذي يحدده جنبلاط وحده. مسار سيستلزم منه في المرحلة المقبلة الكثير من براعته لجمع ما لا يُجمع من التناقضات والتشابكات المعقدة في غابة السياسة اللبنانية المخيفة، والقاتلة أحياناً.
التعليقات