القاهرة: مشهدان متناقضان شهدتهما منطقة وسط المدينة في القاهرة أمس، المشهد الأول كان في حديقة مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير، حيث شهد تظاهرة استخدم فيها الأمن القسوة مع المتظاهرين حيث منعهم بالقوة من التحرك بمسيرتهم الى شارع القصر العيني، الذي كان يشهد على الجانب الآخر تظاهرة مختلفة اتسم سلوك الأمن فيها بالود تجاه عمال أحد الهيئات لدرجة أنهم مدوا أيديهم لمصافحة قوات الأمن بعد إنهاء إعتصامهم.

موقف الأمنمن التظاهرتين إسترعى إنتباه رجل الشارع في القاهرة، الذى مر بالموقعين وتساءل حول سبب تصرف الأمن المتناقض مع المتظاهرين، على الرغم من أن الأولى شارك فيها نواب بالبرلمان وقوى سياسية، بينما خلت الثانية من كل ذلك بإستثناء عدد من المواطنين.

المحللون والخبراء كانت لهم وجهات نظر أخرى ومتباينة في تفسير موقف الامن. وبينما برر مصدر أمني التصرف في التظاهرة الأولى باستفزاز وعنف المتظاهرين مع الأجهزة وخروجهم عن القواعد، إلا أن الخبراء أكدوا أن تناقض الموقف الأمني في التظاهرتين يبعث برسالة واضحة أن النظام يمكن أن يتجاوب مع اي مطالب اقتصادية للمواطنين لكنه لا يتسامح مع اي مطالب أو دعوات سياسية.

عنف وقسوة

فى ميدان التحرير، بدا المشهد من العاشرة صباحًا وكأن قوات الامن استعدت باكرًا لتظاهرة نواب البرلمان، حيث لوحظت أعداد غفيرة من القوات تنتشر في الميدان والشوارع المؤدية له، وإجراءات مشددة تحسبًا لأي محاولة متوقعة من المتظاهرين لتجاوز الحاجز الأمني والوصول الى الهدف وهو مجلس الشعب المصري.

وكانت وزارة الداخلية قد رفضت طلب النواب بتنظيم مسيرة تنطلق من ساحة مسجد عمر مكرم مرورًا بشارع القصر العيني الى مجلس الشعب. ونجحت قوات الأمن في السيطرة على المشاركين في التظاهرة التي ضمت العشرات من نواب البرلمان، إخوان، ومستقلين، وممثلين من القوى السياسية وعناصر من حركة كفاية و6 أبريل، وفرضت عليهم الثبات في موقعهم.

ردد المتظاهرون هتافات تدعو الى تعديل الدستور وإنهاء حالة الطوارئ، بيد أن التظاهرة شهدت إنقسامًا مفاجئًا بعد أن رفض النواب ترديد هتافات ضد الرئيس ونجله. وبينما انسحب نواب البرلمان وبعض القوى السياسية، استمر أعضاء كفاية و6 أبريل في ترديد هتافاتهم المعادية للرئيس والنظام ووزير الداخلية. وحاول البعض استفزاز رجال الامن والتحرك بالتظاهرة، لكن رجال الامن التزموا الصبر بتعليمات من مدير أمن القاهرة اللواء اسماعيل الشاعر.

ولم يستمر المشهد طويلاً حتى حدثت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ونشطاء كفاية و6 أبريل وتم اعتقال عدد منهم، وأصر بعضهم الآخر على الإستمرار في مكانهم حتى الإفراج عن زملائهم. وسمحت قوات الامن للنواب بالخروج من التظاهرة، وتحرك وفد مكون من بعض النواب والقوى السياسية لمقابلة رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحي سرور لتسليمه رسالة بمطالبهم لكن الأخير رفض مقابلة القوى السياسية واكتفى بلقاء النواب.

وبحسب ما علمت quot;ايلافquot; تضمنت قائمة المطالب وقف قانون الطوارئ ووقف سياسة الاعتقالات والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين في السجون ومناقشة قانون مباشرة الحقوق السياسية وتعديل المواد 76 و 77 و88 من الدستور.

سلوك حضاري

وعلى بعد أمتار من هذه التظاهرة، كان المشهد مختلفًا أمام مجلس الشعب، حيث كان يفض العاملون بمراكز المعلومات إعتصامهم الذي استمر لمدة 28 يومًا بعد الإعلان عن تسوية اوضاعهم المتردية، حيث تعالت هتافات المعتصمين للرئيس مبارك والحكومة، بعد ان توصلت لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب إلى رفع رواتبهم وصرف البدلات والمكافأت والمزايا التي طالبوا بها مثل التأمين الصحي والإجتماعي.

والملفت هو سلوك رجال الامن مع المتظاهرين، حيث اتسم -وفق قولهم لـ quot;إيلافquot;- طوال فترة اعتصامهم بالرفق والود، مؤكدين أنه كان سلوكًا حضاريًا وأنهم بذلوا -أي رجال الأمن- جهدهم من أجل راحتهم وأمنهم. وصافح المتظاهرون رجال الأمن بعد إنهاء اعتصامهم.

تعقيب أمني

وقال مصدر أمني لـ quot;إيلافquot; إن الأجهزة الأمنية منعت تحرك مسيرة النواب من التحرك الى مجلس الشعب حفاظًا على حركة السير وعدم تعطيل المرور والاضرار بالممتلكات، مشيرًا إلى أن قوات الأمن التزمت بروح القانون وحقوق الانسان وسمحت للمتظاهرين بالتعبير عن آرائهم.

وأضاف ان أجهزة الأمن التزمت الصبر لأقصى الحدود لكن العناصر التي تنتمي الى مجموعات غير شرعية تعمدت استفزاز الامن وقام أحد المتظاهرين بإستخدام عصا إحدى اللافتات واعتدى بها بالضرب على ضابطي شرطة.

تسامح إقتصادي

يوسف رمضان خبير بالعلوم السياسية يقول إن مهمة الأمن حماية البلد والحفاظ على النظام وربما يكون منع المسيرة هدفه الحفاظ على المصالح وعدم الاضرار بالممتلكات والأمن العام، وخصوصًا اذا كانت هناك معلومات تفيد بمشاركة عناصر من مثيري الشغب.

لكن الواقع يؤكد ان quot;الهدف من التظاهرة في حد ذاته قد يكون مؤشرًا للتعامل الأمنيquot;، وفقًا لرمضان، مضيفًا انه quot;باستدعاء ما حدث من أعمال عنف في التظاهرات الماضية، نجد ان العنف والاشتباكات يرتبطان بالتظاهرات السياسية التي تطالب بالإصلاح السياسي أو الدعوة إلى تعديل الدستور أو الغاء قانون الطوارئ، على النقيض من التظاهرات المرتبطة بمطالب إجتماعية وإقتصادية أو تحسين ظروف معيشيةquot;.

وقد شهدت تظاهرة 6 أبريل الماضي اشتباكات بين الأمن والمتظاهرين وتم إعتقال عدد من عناصر الحركة. ويرى رمضان ان الرسالة التي يمكن ان تقرأ من وراء تصرف الأمن حيال التظاهرتين هي quot;ان النظام لا يتسامح مع المطالب السياسية، ولكنه يبدي تسامحًا مع المطالب الاقتصادية quot;.