تعترف معظم الصحف اللبنانية أنها لم تربح شيئاً خلال السنوات الخمس الماضية، وأنها تضطر لمعالجة العجز إلى قبول هبات أو دعم مالي من شخصيات سياسية ثرية أو ذات طموحات سياسية، ومن من آخر مظاهر الأزمة إعلان laquo;الإتحاد العالمي للصحافة quot; WAN/IFRA أنه ألغى مؤتمره السنوي الذي كان مقررا عقده في بيروت بين 7 حزيران/يونيو المقبل و10 منه.

تعاني الصحافة المطبوعة كما وسائل الإعلام الأخرى في لبنان شحاً متمادياً في مواردها المالية منذ مدة ينعكس سلباً عليها كما على الإعلاميين والصحافيين العاملين فيها. وبين حين وحين تبرز انعكاسات لهذه الأزمة، فيقفل مكتب صحيفة هنا وتصرف مؤسسة تلفزيونية أو صحيفة مطبوعة عددا من موظفيها هناك، وتقرر إدارة صحيفة خفض عدد كتّابها ومحرريها في بيروت بذريعة تجاوزهم السن القانونية، وقد تدمج محطتان تلفزيونيتان في واحدة من غير أن يلقى السائل أجوبة من المعنيين في كل مؤسسة إذ يلوذون جميعا بالصمت عندما يتعلق السؤال بالأوضاع المالية للمؤسسات وما يجري فيها ومدى ارتباطه بالسياسة، خصوصا أن معظم الصحف اللبنانية تعترف بأنها لم تربح شيئاً خلال السنوات الخمس الماضية، وأنها تضطر إلى معالجة العجز إلى قبول هبات أو دعم مالي من شخصيات سياسية ثرية أو ذات طموحات سياسية، وذلك وفقاً لتقرير* أصدرته مؤسسة laquo;انترنيوزraquo; قبل أسابيع.

أضاف التقرير: لكن تلك الخطوات كانت أقل شيوعاً في المنطقة العربية. ففي الكويت توقفت صحيفة laquo;أصواتraquo; عن الصدور في فبراير/شباط 2009 بعد أشهر من إصدارها في أكتوبر/ تشرين الأول .2008 واحتجبت laquo;البديلraquo; المصرية في يوليو/تموز 2009 بعد إطلاقها في .2006 وأغلقت مجموعة laquo;غروب ماروك سوارraquo; المغربية مطبوعتي laquo;الصباحيةraquo; وlaquo;الصدى المسائيةraquo; العام 2009 وتوقفت صحيفة laquo;ديلي ستارraquo; اللبنانية، وهي الوحيدة الصادرة بالإنكليزية بعد صعوبات مالية كبيرة منذ يناير/ كانون الثاني 2009 ليعاد فتحها محاطة بمستقبل غامض.

وتم طرح أشكال جديدة من المطبوعات في السوق بالطريقة نفسها التي حصلت في الأسواق العالمية، فانتقلت صحيفة laquo;المجلةraquo; الأسبوعية السعودية للنشر عبر الإنترنت فقط، وذلك في أبريل/نيسان .2009 ولجأت الرياضية الإماراتية laquo;سوبرraquo; إلى حل مشابه مقتصرة على نسخة إلكترونية منذ .2009 واندمجت في الإمارات العربية laquo;المجموعة الإعلامية العربيةraquo; بما فيها من ثلاث صحف وإذاعة وتلفزيون نور دبي وشركة سمار للطباعة والنشر في laquo;مؤسسة دبي للإعلامraquo; في خريف 2009 في محاولة لتحسين هيكلية القطاع الإعلامي في دبي.

واختلفت المنطقة العربية من حيث قلة خطوات تسريح الموظفين في الإعلام المطبوع مقارنة بالأسواق الأخرى، من دون عدم اللجوء لهذا الحل، إذ ظهر أن 15% من المؤسسات الإعلامية العربية فقط لجأت إلى حل تقليص الموظفين لديها. ورغم تلك الظواهر، خلص التقرير إلى أن قطاع الإعلام المطبوع العربي قد تعامل مع الأزمة بشكل أفضل منه في الأسواق الأخرى. فإجمالي التوزيع اليومي للصحف والعدد الإجمالي للصحف في تزايد عاماً بعد عام. ففي السنوات القليلة الماضية تزايد عدد الصحف في المنطقة العربية مترافقاً مع ازدياد عدد رخص النشر الجديدة. فمنحت 10 رخص جديدة في الكويت منذ 2006 ما أدى إلى فائض في عدد الصحف العامين 2007 و2008 حسب رؤية تقرير الإعلام العربي( أقفلت لاحقاً إحداها، صحيفة quot;أوانquot;) . وثبت عدد الصحف في العالم العربي للمرة الأولى منذ سنوات، وتساوى عدد الصحف المغلقة مع تلك الجديدة العام 2009 ، وتم ذلك بينما كان عدد الصحف في الولايات المتحدة يشهد انخفاضاً منذ2004 ، وواصل إجمالي التوزيع اليومي للصحف في المنطقة العربية ارتفاعه المستمر، مقارنة بمناطق أخرى. فبينما شهدت الولايات المتحدة تراجعاً في إجمالي التوزيع بنسبة 14% بين 2003 و,2008 زاد التوزيع في المنطقة العربية بين 2008 و 2009 .

وفي حين تكافح مطبوعات في أسواق أخرى من أجل البقاء، ورفع عدد توزيع الصحف، توقع التقرير استمرار نمو توزيع الصحف اليومية في المنطقة العربية في السنوات الخمس المقبلة، وإن بوتيرة أبطأ من قبل. وبعد أن شهدت المنطقة معدل نمو سنوي مركب بلغ 5.5% بين 2007 و,2009 يتوقع أن ينخفض المعدل إلى 2.3% بين 2009 و.2013 ولن يقود ذلك النمو والازدياد الكبير في التوزيع في أكبر أسواق المنطقة، مصر، فحسب، بل ستساهم في ذلك دول خليجية صغيرة مثل البحرين وقطر. وبذلك سينطلق النمو من تلك الدول، حيث الصحف هي الوسيلة الإعلامية المفضلة. ويصف التقرير كيف أن مصر على نحو الخصوص تعد موطناً لقطاع صحافي مزدهر في المنطقة، مازجة بين بعض أعرق الصحف لديها حتى على المستوى العالمي من حيث قدم الصدور، إضافة إلى صحف جديدة على إثر النجاح الذي حققته صحف مثل quot;المصري اليومquot;.

ويواجه الإعلام المطبوع، بحسب التقرير، منافسة قوية من الإنترنت، حيث أخذ المستهلكون يمضون وقتاً أطول في استخدام الإنترنت. ويزيد هذا التأثير بالنظر إلى أن الأخبار تشكل أحد أكثر محتويات الشبكة إثارة للاهتمام وسط الشباب العربي، ولذلك ليس مستغربا أن يتجه الاهتمام إلى الإنترنت، حيث بلغت نسبة متابعي الأخبار عبر الإنترنت 40% من إجمالي قراء الأخبار العام .2009

وشاركت المدونات العربية في المنافسة أيضاً، وهي تكتسب شعبية متزايدة في المنطقة العربية، لما توفره من حرية متزايدة في التعبير. وبدأت بعض تلك المدونات العربية تلفت اهتماماً دولياً متزايداً أيضاً. إلا أن 80% ممن استطلع التقرير آراءهم لم يبدوا شعوراً بالخطر من تلك المدونات. وبالتالي تعتبر مع محتويات شخصية أخرى على الإنترنت نمطاً شعبياً من مصادر الأخبار، في حين يراها خبراء القطاع فرصة أكثر منها تهديداً. علما أن
بعض المؤسسات الإخبارية العالمية التي تقدم مواد إخبارية متخصصة، كالأخبار الاقتصادية،أثبتت أن من الممكن تحقيق الربح من المحتوى الإخباري المتخصص عبر الإنترنت مثل الـ laquo;وول ستريت جورنالraquo; وlaquo;ذي فايننشال تايمزraquo; وlaquo;ذي إيكونوميستquot;.

على أن فرص أن تفرض المؤسسات العربية رسوماً على المحتوى الإلكتروني لاتزال بعيدة المنال، وإن برزت بعض مؤشرات إيجابية. وأبدى 70% ممن أجريت مقابلات معهم عن إيمانهم بإمكان تطبيق ذلك في المستقبل.
وتقدم غالبية المطبوعات العربية، المحتوى نفسه في نسختيها المطبوعة والإلكترونية، وهناك على الأقل 80% من المؤسسات الإعلامية تقوم بذلك، علما أن هذه السياسة لا تلقى نجاحاً في مناطق أخرى من العالم.

*يمكن الإطلاع على تقرير quot;إنترنيوزquot; بالضغطهنا


من آخر مظاهر الأزمة إعلان laquo;الإتحاد العالمي للصحافة quot; WAN/IFRA أنه ألغى مؤتمره السنوي الذي كان مقررا عقده في بيروت بين 7 حزيران/يونيو المقبل و10 منه تحت عنوانquot; التضامن مع الصحافة الحرةquot;، وقرر الإتحاد عقد المؤتمر في موعد لاحق في مدينة هامبورغ الألمانية، لأن صحيفة laquo;النهارraquo; التي تستضيف الحدث، لم تتمكّن من تأمين التمويل اللازم، بعد الأزمة المالية التي إجتاحت العالم. وأرسل الإتحاد رسائل إلكترونية إلى جميع الأعضاء الـ 2300 المشاركين، لإبلاغهم بذلك. علماً أن كلفة تمويل المؤتمر تبلغ مليونا و600 ألف يورو، لم تتمكّن رسوم التسجيل من تغطيتها.


وبعدما أصدر الإتحاد بياناً ضمنه عتباً معبراً عن quot;خيبة أملquot; من شركائنا اللبنانيين الذين لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم، أصدرت جريدة quot;النهارquot; بيانا أوضحت فيه أنها quot;عملت على توفير كل التحضيرات اللوجيستية المطلوبة لانعقاد المؤتمر في بيروت، وكانت على اتم الاستعداد ليخرج المؤتمر لائقا بصورتها وسمعة لبنان، وعلى قدر الفرصة الممنوحة لهما، الا انها اصطدمت بالظروف السياسية والاقتصادية والمالية السائدة في لبنان والمنطقة، اذ تبلغت quot;النهارquot;، في بداية ايار/ مايو الجاري، من الشركة المكلفة الاتصال بالمعلنين والرعاة، إحجامهم عن الاقبال على رعاية تكاليف المؤتمر، عازين السبب الى عوامل عدة، اهمها ارتفاع منسوب الحديث عن الحرب في المنطقة، والتهديدات الاسرائيلية المتكررة بالحرب على لبنان تحت ذرائع شتى، ما ادى الى تخوف لدى المعلنين والرعاة من الاستثمار في محيط يرونه مضطربا وغير مستقر، وقابلا للوقوع في اتون الحرب في اي لحظة خصوصا في شهر حزيران/ يونيو المقبلquot;. وأشارت أيضا إلى quot;الأزمة المالية العالمية التي لم يسلم القطاع الخاص في لبنان والمنطقة من آثارها السلبية، والتي ادت العام الماضي الى تأخير عقد المؤتمر السابق للاتحاد في الهند عام 2009 quot;، مذكرة بأنها أرادت استضافة المؤتمر
quot;ايمانا بأثره في وضع لبنان على الخريطة العالمية وتوفير الفرصة للصحافة اللبنانية لتكون شريكة في صنع الحدث العالمي ومواجهة التحديات المستقبلية، والاهم في تحقيق حلم الشهيد جبران تويني باستضافة لبنان لهذا المؤتمرquot;.


وكان رئيس quot;الاتحاد العالمي للصحافةquot; ثيموتي بولدينغ زار بيروت الشهر الماضي وأعلن من مكاتب quot;النهارquot; أن الإتحاد الذي يضم 18 ألف صحيفة سيقدم سنويا quot;جائزة جبران توينيquot; الى محرر أو ناشر أو كاتب في صحيفة تصدر باللغة العربية quot;يؤمن بحرية الصحافة والتعبير والكتابةquot;، وسيتبنى الاتحاد الفائز ويدعمه من خلال تدريبه في الصحف العالمية والعربية وفي quot;النهارquot;، فضلاً عن كسبه لمبلغ 10 آلاف أورو، مشيرا إلى أن النائب والصحافي جبران تويني كان عضواً في مجلس إدارة الاتحاد ومستشار رئيس الاتحاد العالمي للصحف لقضايا الشرق الأوسط.
وكانت الأشهر الماضية صعبة فعلا على الصحف الورقية الـ 14 في لبنان والتي لا توزع في مجملها أكثر من 70 ألف نسخة يوميا بعدما كانت في السبعينات توزع نحو 400 ألف نسخة. كما كانت الأشهر الماضية ولا تزال صعبة على بقية وسائل الإعلام في لبنان، ولا تزال صعوباتها عالقة من دون حل، لكن وضع الصحافة الورقية في هذه البلاد يظل أفضل من أوضاع الصحافة الأميركية طبعا، حيث توقفت خلال أشهر صحف عدة عن الصدور أقله في نسخها الورقية مثل quot;سياتل بوست انتيلجنسرquot; وquot; روكي ماونتن نيوزquot;، وأفلست مجموعات صحافية كبرى مثل quot;نيويورك تايمزquot;.
ويزيد من قتامة الصورة أن لبنان يعد من أضعف الدول عالمياً في التجارة الإلكترونية والدفع عبر الإنترنت، فلا تفيد الصحف من مواقعها الإلكترونية . وباستثناء جريدة quot;لوريان لوجور quot; الصادرة بالفرنسية فإن كل مواقع الصحف اللبنانية عادت مجانية بعدما حاول بعضها وأخفق في جني اشتراكات مالية عبر الإنترنت. ومن ناحية أخرى تمثّل نسبة قرّاء الصحف اللبنانية من داخل لبنان عموما من ثلث الزوار، فيما تتكوّن النسب الأكبر من قرّاء المواقع اللبنانية في الخارج ،ولا سيما الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وكندا وفرنسا وبريطانيا ، إلى جانب نسبة غير قليلة من القرّاء العرب.

وكان تقرير laquo;نظرة على الإعلام العربيraquo; الذي صدر عن quot;نادي دبي للصحافة quot; تحدث عن مواجهة شركات الإعلام المطبوع حول العالم صعوبات اقتصادية كبيرة خلال السنوات الماضية بسبب التراجع التدريجي لمستويات التوزيع وعائدات الإعلان، والذي جاء نتيجة انتقال المستهلك إلى الإعلام الرقمي، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية. فأشار إلى أن العالم شهد إعادة هيكلة للإعلام المطبوع اتخذت أشكالاً عدة وتمثلت أساساً في إغلاق المنشورات. وأحد أشهر تلك الخطوات قرار صحيفة عريقة عمرها مئة وثمانون عاماً هي laquo;ذي إيفننغ ستاندردraquo; اللندنية لتتحول إلى صحيفة مجانية. وقامت شركات أخرى بتقليص عدد مراكز الإنتاج لتخفض قوتها العاملة. وقلصت صحف أخرى شكلها لتقلل إنفاقها، فأنقصت عدد الصفحات مثلاً، بينما لجأت صحف أخرى إلى الاندماج.