quot;نعمquot; .. كلمة تتردَّد كثيرًا في حياتنا اليوميَّة، لكن هناك quot;نعم الكنيسةquot; الأبديَّة التَّي من المفترض أنّْ تقال ببهجة وفرح، لتؤدي إلى نعمة تشكيل عائلة، ولكنَّها تتحوَّل أحيانًا إلى نقمة أبديَّة، لأنَّه بحال أراد الزوجان الطلاق فالكنيسة لا تسمح بذلك بسهولة، وبحال تمَّ ذلك، فيكون بعد مرور سنوات عديدةمن الذهاب والإياب إلى المحاكم الروحيَّة وصرف الكثير من الأموال، والنتيجة لا تسمح للمطلقين أو quot;المفسوخ قرانهمquot; بالزواج ثانية.

بيروت: كاثرت في الآونة الأخيرة حالات الطلاق في لبنان داخل الكنيسة، وتضاعفت معها المشاكل المتولِّدة عن هذا القرار، ما دفع بالكنيسة إلى أخذ تدابير جديدة بهدف حماية الأسرة، وصون سرّْ الزواج المقدَّس، كما إتخذ بعض المسيحيين اللبنانيين حلولاً أخرى، فبعضهم نحا باتجاه الزواج المدني كوسيلة للتخلُّص من شروط الكنيسة، وإبتعادًا عن المشاكل الطائفيَّة، والقانونيَّة، فالزواج المدني بالنسبة لهم حلَّ العديد من المشاكل في هذا المجتمع المتشعِّب والمتنوِّع، فأصبح بإمكان المسيحي أنّْ يتزوج بمسلمة، وحلَّت مشاكل الإرث التِّي تمنع الزوجة من الحصول على تركة زوجها أو العكس في حال كانوا من ديانتين مختلفتين، كما لم يعد المسيحي المطلَّق مجبرًا على تغيير ديانته ليتمكَّن من الزواج مرَّة ثانية.

وطال مشروع الزواج المدني في لبنان عدَّة تعديلات أهمُّها هو جعله إختياريًّا وليس إلزاميًّا كما في الخارج، وذلك إرضاءً لرجال الدين لأسباب عدَّة. ورفضت الكنيسة الزواج المدني لسببين، أولاً لأنَّ الزواج في الكنيسة ليس عقدًا بشروط دنيويَّة بل هو سرٌّ من أسرارها، بمعنى أنَّه يجب أنّْ يتم بمباركة رجل الدين المسيحي الذي يمثِّل السيِّد المسيح على الأرض، وثانيًا لأنَّ الزواج في الدين المسيحي هو رابط أبديّ quot;فما جمعه الله لا يفرِّقه إنسانquot;، ولا مجال للطلاق في الكنيسة الكاثوليكيَّة إنَّما يبطل الزواج لأسباب ليست بكثيرة كالخيانة، والغش، والأمراض النفسيّة.

وشرح الأب جوني مراد الذي يعمل في المحاكم الروحيَّة في حديث لـquot;إيلافquot; أنَّ نسبة فسخ الزواج أو بطلانه تتكاثر في الكنيسة في الفترة الأخيرة، ما دفع بالكنيسة إلى تنظيم دورات تمهيديَّة للزواج، لإطلاع الثنائي على أهميَّة هذا السرّْ، وعدم التفريط به، وأهميَّة إنشاء عائلة مسيحيَّة ملتزمة بتعاليم الكنيسة، كما أكَّد أن بطلان الزواج ممكن في عدَّة حالات أبرزها ثبوت أنَّ أحد الزوجين مصاب بأمراض نفسيَّة، أو في حال الزنى، أو الغش في تعريف أحد الزوجين عن نفسه.

وأشار إلى أنَّ الزواج المدني ممكن أنّْ يكون حلاً للعديد من المسيحيين وغيرهم، ولكن الكنيسة لا تعترف به، وتعتبره زنًى، أو نوعًا من المساكنة، لأنَّه يتمّْ من دون مباركة الله والكنيسة. كما أكَّد أنَّ الشروط التي تفرضها الكنيسة ومنعها الطلاق، لا تصبّْ إلاَّ في مصلحة أبنائها، وبهدف تشكيل أسر سليمة، وحتَّى لا يتأثر الأطفال سلبًا بهكذا قرار نفسيًّا، وإجتماعيًّا، وتربويًّا، ولكن بحال أراد الزوجان فسخ الزواج أو إبطاله، فالأمر ممكن وعندها يلتجئون إلى المحاكم الروحيَّة، التي ترى لهم الحل الأنسب. ومن ناحية أخرى، رأى الأب داني أنَّ التحجج بالأمور الماديَّة ليس بالأمر المقنع لأن الزواج المدني لديه تكاليف السفر والفيزا والمحاكم المدنيَّة، كما للعرس الكنسي تكاليفه.

وفي هذا الإطار أيضا، يقول الاب رنيه جعارة ( رئيس قلم في المحكمة الروحية المسيحية) عن نسبة الطلاق لدى المسيحيين اللبنانيين ان لكل طائفة دعاوى طلاق ولكن كموارنة هناك ما نسبته 220 حالة كل عام، والكاثوليك ربما 30 حالة كل عام تقريبًا، وعند الروم الارثوذوكس اكثر بقليل من الكاثوليك والا اننا لا نملك احصاءات دقيقة في هذا الشأن. وفي حال بطلان الزواج يستطيع المبطل قرانه الزواج فورًا الا اذا كان هناك حكم مسبوق بان يأخذ موافقة صحيّة اذا ما كان يعاني امراضا نفسية او جنسية. ولدى سؤاله انه ذكر في الانجيل ان من تزوج بمطلقة فهو زان، هل يعتبر ذلك مطبقًا من قبل الكنيسة اليوم؟ قال ان المقصود بذلك ان السر من اساسه غير صحيح ولذلك هو باطل.

وردًا على سؤال بان ما يحكى في لبنان بان الحصول على الطلاق لدى المسيحيين يتطلب دفع أموال كثيرة، ما مدى صحة ذلك؟ يجيب:quot;ان الرسوم في المحكمة الروحية هي مليون ليرة لبنانية بداية ومليون ليرة لبنانية استئنافا، اي مليونا ليرة لبنانية بالمبدأ، موضحا ان المحامين هم من يطلبون الاموال الكثيرة والمحكمة تتطلب فترة سنتين ونصف السنة ولا يمكن ان تكون اقل من ذلكquot;.

كما علّق المحامي ابراهيم طرابلسي (استاذ محاضر في كليات الحقوق اللبنانية واختصاصي في قضايا الاحوال الشخصية والقانون الدولي الخاص) أنه quot;يجب التمييز بين الطوائف الكاثوليكية التي لا تجيز الطلاق بل تعتمد بطلان الزواج وفي حالات استثنائية يتم اعتماد فسخ الزواج وباستطاعة الرئيس الكنسي المحلي او قاض مصدر حكم البطلان ان يمنع الفريق الآخر من الزواج الا بعد تنفيذ شروط واردة في متن الحكم المعلن بطلان الزواج. وتعليقا عما حصل في مصر بين الأقباط والقضاء قال إن على الدولة ان تحترم نظام الاحوال الشخصية للطوائف المعترف بها، طالما لا تخالف النظام العام، وهنا ليس للامر الديني الداخلي ما يخالف النظام العام المصري، من هنا انا اعتبر بان قرار المحكمة الادارية جاء لينقض تعاليم الكنيسة القبطية الارثوذوكسية. اما عن نسبة الطلاق اليوم لدى المسيحيين في لبنان، يجيب :quot;لا تزال العائلة اللبنانية بخير، ومجموع الدعاوى لا تتعدى الـ2%quot;.

وهنا قالت السيِّدة لارا معلوف (22 عامًا) quot;لقد تزوجت مدنيًّا لأن أهلي لم يكونوا موافقين على زوجي، فذهبنا إلى تركيا وتزوجنا هناك ولكن عدنا وتزوجنا كنسيًّا إرضاءً للأهل، وإحترامًا للتقاليد، مع العلم أنَّ الأمر لا يهمني كثيرًا، لأنَّ الزواج زواج كيفما تمّْquot;. ولكن quot;للزواج المدني عدَّة حسنات من بينها حفاظه على حقوق المرأة، وإعطاء حضانة الأطفال للأم في حال تمّْ الطلاق الذي لا يستغرق وقتًا طويلاً وإنَّما عدَّة جلسات، على عكس بطلان الزواج في الكنيسة الذي قد يمتدّْ لسنوات ودون نتيجة أحيانًاquot;.

أمَّا السيِّدة رين الخوري (24 عامًا) فقالت إنَّها ضد الزواج المدني لأنَّها إمرأة مسيحيَّة مؤمنة بتعاليم الكنيسة، وقالت عندما تزوجت لم أفكِّر في الطلاق، وفي حال حصلت خلافات فلي الثقة الكاملة بالكنيسة وقوانينها التِّي تحافظ على العائلة وتسعى قدر المستطاع لعدم تشتيت الأسر، كما أنَّ الزواج المدني هو مجرد عقد غير مبارك من الله، وأنا لا أكترث لسلطة القاضي طالما الله معي.

في حين رأى السيِّد شربل مطر(32 عامًا) المقبل على الزواج أنَّه وخطيبته إختارا أنَّ يتزوجا مدنيًّا لأن تكاليف العرس أقل، ولا تتخطى الـ 2000 دولار، كما أنَّ الزواج المدني يحفظ خط العودة، في حال برزت عدَّة مشاكل بعد الزواج، بينما في الكنيسة الطلاق ممنوع، وفي حال تمّْ فإن الزواج مجدَّدًا ممنوع أيضَا، أضف إلى أن الزواج المدني يضمن حقوق الزوجين ويحفظ حق المساواة.

إلى ذلك، أكَّد السيِّد، غينادي راجي، صاحب شركة quot;ناديا ترافيلquot; التِّي تنظم رحلات إلى قبرص وتؤمن الأوراق اللازمة لإتمام الزواج المدني، أنَّ نسبة الإقبال على هذا النوع من الزواج تتزايد كلّْ سنة وأكَّد أنَّ هناك أكثر من ألفي شخص تزوجوا مدنيًّا خلال العام الفائت بحسب الإحصاءات الصادرة عن شركته، وقال إنَّ هذه النسبة تضاعفت هذه السنة.

وأشار إلى أنَّ 90% من المتزوجين مدنيًّا هم الذين يحملون جنسيتين ويضطرون إلى هكذا زواج لأنَّ الدول الأجنبيَّة لا تعترف بالزواج الديني، و20% يتزوجون لأنَّهم من ديانتين مختلفتين والزواج المختلط صعب في لبنان في ظل النظام الطائفي الذي يتحكَّم بالأمور الشخصيَّة والأحوال الأسرَّية، وأضاف أنَّ 15% يتزوجون لأنَّهم مطلقون، والكنيسة لا تسمح بالزواج الثاني، أمَّا 5% فقط يتزوجون لأسباب شخصيَّة أو لأنَّهم يريدون هذا الزواج دون غيره. كما أضاف راجي أنَّ سبب عدم التركيز على هذا النوع من الزواج سابقًا سببه النقص الإعلامي، والإفتقار إلى الثقافة المدنيَّة، وأشار إلى أنَّ الزواج المدني يخضع لقانونين بحسب البلد فهناك القانون الإنكليزي والقانون الفرنسي، ويتميَّز الأوَّل عن الثاني بأنَّه يقسم تركة الطرفين بالنصف بين الزوج والزوجة بعد الطلاق، في حين أن القانون الفرنسي لا يتعاطى مع هذا الأمر ولا تقتسم التركة بين الإثنين بعد الطلاق، في حال تمّْ.

إلى ذلك، أكَّدت السيِّدة، رشا أبي عاد، صاحبة وكالة quot;ولكم إيجنسيquot; لتنظيم الأعراس أنَّ اللبنانيين يسعون لجعل هذه الليلة، ليلة من العمر ويهتمون بتنظيم الأعراس التي أصبحت معروفة بالفخامة والرقي في لبنان خصوصًا، لدرجة أنَّ البلاد العربيَّة تستقطب المهنيين العاملين في مجال تنظيم الأعراس من لبنان. وأشارت إلى أنَّ الكلفة الأدنى لأي عرس في لبنان لاتقل عن الـ 20.000$ بينما العرس المدني لا تتخطى كلفته الـ 2000$، وردَّت ذلك لأنَّ العروسين يهتمان بكل التفاصيل من إجرة الكنيسة والكاهن إلى الورد، والزفَّة، وصولاً إلى فريق التصوير، مرورًا ببطاقات الأعراس، وحتَّى بالفندق، ورأت أنَّ اللبنانيين يلجأون للزواج المدني ليس فقط للإبتعاد عن شروط الكنيسة الصعبة وخصوصًا في ما يتعلَّق بالطلاق، إنَّما أيضًا لتوفير نسبة كبيرة من أموالهم، التَّي يستنزفها أي حفل. فالأعراس لم تعد عفويَّة كما كانت بل أصبحت أكثر مهنيَّة ومنظَّمة وتتطلب الكثير من الأموال، وكل الطبقات الإجتماعيَّة تسعى إلى تنظيم عرس متكامل من كل نواحيه، وليس فقط المقتدرين ماديًّا، وذلك يعود إلى التقاليد السائدة في مجتمعنا، التِّي تفضِّل الأعراس الكبيرة.

يذكر أنَّ مشروع الزواج المدني في لبنان ليس حديث العهد، فهو يعود إلى سنة 1951 حيث بحث فيه في البرلمان ثم رفض، وفي سنة 1960 بدأت جمعيَّات علمانيَّة تطالب به من جديد من خلال التظاهر، وعاد ليطرح في البرلمان من جديد سنة 1975 من قبل الحزب الديمقراطي، ولكنَّه أثار جدلاً كبيرًا عندما طرحه الرئيس الياس الهراوي، وأخذ أصداء كبيرةً بين موالٍ ومعارض، وكان مشروع الزواج المدني الأخير في لبنان واحدًا من عدَّة مشاريع أخرى تطال الخطوبة، والزواج، والإرث، وحضانة الأطفال، والطلاق، والنفقة، ولكن هذا المشروع.