إنطلاقا من الأزمة المستجدة بين الكنيسة القبطية والقضاء المصري الذي الزم الكنيسة بمنح تصاريح الزواج للمطلقين حاولت إيلاف استطلاع الآراء في العراق فالتقت رجال الدين المسيحيين الذين أكدوا أحقية الزواج الثاني في حال بطلان الزواج الكنسي معتبرين أن اي اجتهاد خارج سياق الحقائق المتفق عليها يعد مخالفة صريحة لاوامر الله.
الاب سعد سيروب |
ابدى مسيحيون التقتهم إيلاف إستغفارهم من الرب مما يسمعونه عن محاولات البعض للزواج بامرأة ثانية فيما الزوجة الاولى لا تزال على ذمة الشخص، مؤكدين ان مثل هذه المحاولات هي مخالفة صريحة لتعاليم المسيح، وتمثل بدعة ابتدعها من لا يؤمن بالمسيح، موضحين ان الايمان هو رأس الحكمة في عدم التفكير بمخالفة هذه التعاليم، فيما اشار اخرون الى ان تعسف الكنيسة وراء هذه المحاولات بالاضافة الى ما ترشح من فضائح عن ممارسات لرجال دين داخل كنائسهم، او ما يتم سماعه عن انحرافات لازواج لم يجدوا السبيل الى الطلاق.
بداية رحلتي لم تكن موفقة، اعترف بهذا، فالعديد من رجال الدين في بعض كنائس بغداد رفضوا الحديث عن الموضوع لاسباب قيل انها تتعلق بأعلى سلطة في الكنيسة، فهي التي تبت في مثل هذه الامور ولايمكن تجاوزها او التصريح بشيء دون ان تكون هنالك تعليمات، ولا يحق لهم التصريح بها دون تعليمات توجه من تلك السلطة العليا، وقال البعض: quot;ان مسألة الزواج من امرأة ثانية ما زالت خاضعة للنقاش بين رجال الكنيسة من مختلف الطوائف الذين عليهم الاتفاق على رأي واحد، لكنهم لم يجتمعوا بعد ولم يبدوا رأيا حول الموضوعquot;، ولكن مع ذلك حصلت على بعض الافكار التي تشير الى ان الكنيسة ترفض رفضا قاطعا ان يتزوج رجل مسيحي بأمرأة ثانية وزوجته الاولى على ذمته، لان هذا مخالفة صريحة لتعاليم الله.
وقد اوضح لي كاهن طلب عدم ذكر اسمه واسم الكنيسة التي هو فيها: quot;ان مثل هذه الامور متفق عليها بين كل الطوائف المسيحية، اي ان اي اجتهاد خارج سياق الحقائق المتفق عليها يعد مخالفة صريحة لاوامر الله، وان المحكمة المدنية ليس من واجبها منح الحق للرجل المسيحي بالزواج من ثانية لوجود اتفاق بين المحاكم الحكومية والكنسية على ان ترجع المحاكم الحكومية في مثل هذه الطلبات الى الكنيسة، وحين يرفض الدين المسيحي مسألة الطلاق ذلك لأنه يعتبر قانون الزواج ليس قانونا بشريا، بل انه قانون إلهي والتزام أمام اللهquot;.
فيما اشار رجل دين آخر في مكان آخر: quot;ان المحكمة المدنية اذا ما وافقت على تزويج الرجل بثانية فالكنيسة ليست طرفا ولا يعد الزواج كاملا، وضرب مثلا على الزواج في الاسلام موضحا: ان هناك من يتزوج عند (السيد) فقط فيما لا توثقه المحاكم المدنية، او يتزوج عند المحكمة المدنية ولكن لا يعد كاملا الا بموافقة رجل الدين (السيد)quot;.
اما الاب الدكتور سعد سيروب حنا فقال: quot;لايمكن الزواج بامرأة ثانية على ذمة امرأة، لا يمكن اصلا التزويج الا بعد اصدار قرار ببطلان الزواج من المحكمة الكنسية، نحن في كل بلد نعيش فيه وهناك اتفاقيات تعقدها الكنيسة مع الدولة، ضمن القانون المدني يتم وفق هذه الاتفاقيات احترام خصوصية الاديان المسيحية واحترام خصوصية الكنيسة ونظرتها للزواج. فمثلا في العراق عندما تعرض قضية طلاق على المحكمة المدنية، القاضي في المحكمة المدنية يخاطب القاضي في المحكمة الكنسية ليسأل عن رأيه في قضية الزواج هذه، وبعد اصدار الحكم في المحكمة الكنسية تقوم المحكمة المدنية بالتعليق على حكم الزواج هذاquot;.
في رحلة البحث عن تفاصيل التقيت فتاة مسيحية وسألتها عما يتم الحديث عنه فقالت: quot;منذ ان سمعنا الاخبار التي جاءت من مصر حول الزواج بامرأة ثانية حتى ناقشنا الموضوع مع ابي واخي واشتركت به الاسرة كاملة وتوصلنا الى نتيجة ان الكلام هذا عبارة عن اجتهاد يخرج عن تعاليم المسيح ، لان اي تعليمات تخرج عن تعاليم المسيح تعد بدعة، ويجب ان يتم النظر بالقضية الى ان يتم التوفيق بين الزوجين او الى اي مدى يصلون في التنازلات والتوافقات على ان لا تكون هناك زوجة ثانيةquot;.
وأضافت الفتاة: quot;يقول ابي ان اي اجتهاد في هذا الموضوع يعد خروجا عن طاعة المسيح، ونحن لا نقبل بهذا نهائيا، ولا مجال للنقاش، حتى لو وصلت الخلافات بين الازواج الى حد لايطاق، فالمفروض ان تجري محاولات مستمرة بينهما كي لا يقع الانفصالquot;.
ومن الطريف ان تحكي لي هذه الفتاة عن قصة لصديقتها لا اعرف اذا كانت تتعلق بالموضوع ام لا، وهي ان صديقتها الشابة اجبرت على الزواج من شاب مريض نفسيا وانها هجرته وعادت الى بيت اهلها ولا زالت طوال سنوات والكنيسة ترفض التفريق بينهما وتطلب من الفتاة العودة الى زوجها، فيما صديقتي تريد ان تلجأ الى الاسلام لتتخلص من هذا الزواج !!
كما تحدثت مع شاب مسيحي فقال: quot;لست متدينا ولكنني اعرف ان الزواج بأكثر من امرأة غير جائز وترفضه الديانة المسيحية، كما ان الطلاق لايجوز وعلى الزوجين احترام زواجهما لانه مقدس كون الله شاهد عليه، ولكنني احيانا اسمع من آخرين ان التعسف في الزواج يؤدي الى انحرافات، فأن كانت زوجتي مريضة وليست لها القدرة على ممارسة الجنس فماذا افعل، انا سألت فقيل لي: اصبر، فهل يمكن الصبر في موضوع مثل الجنس الذي لا يمكن للانسان الاستغناء عنه، كيف يمكنني ان اعيش طول حياتي مع امرأة مريضة، انا اجد انني سوف ابحث عن خيارات اخرى ومنها الزنى، أليس هذا صحيحا؟quot;.
واضاف: quot;حينما اسمع عن فضائح مثل ممارسة العادة السرية من قبل الرهبان داخل الكنائس والاغتصاب للاطفال وما يحدث بين الرهبان والراهبات اقول ان ذلك بسبب التعسف، ولا اخفي عليك انني حين قرأت كتاب عنوانه (اين الله) للكاتب غوركي صدمتني الاحداث التي جاءت فيهquot;.
خلال تجوالي لم استطع الحصول على آراء عديدة ما عدا ما حصلت عليه من الاب الدكتور سعد سيروب من الكنيسة الكاثوليكية في بغداد الذي شرح صدره لكل اسئلتي واجاب عنها.
يقول: quot;هناك اختلاف في قضايا الزواج وفي النظر الى الزواج بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الاخرى، هناك اتفاق مع الكنائس الارثوذكسية على سرّية الزواج وقدسيته وايضا مع الكنائس البروتستانتية ولكن هناك اختلاف على كلمة التطليق. ففي الكنيسة الكاثوليكية لا يوجد طلاق، الطلاق يعني ان الزواج صحيح وبرغم صحّيته يتم التفريق وتطليق الشخصين من بعضهما، فبالنسبة للكنيسة الكاثوليكية هذا الطلاق غير موجودquot;.
وأضاف: quot;الموجود هو بطلان الزواج، بطلان الزواج يعني ان الزواج في احد اسسه الاولى كان قد اختل، اما ان يكون هناك مثلا جانب الحرية مفقود في الزواج او ان يكون هناك جانب الحيلة في الزواج او جانب عدم استكمال للشروط الاساسية لاجراءات الزواج الرسمية لوترجيا، قانونيا وصحيا، هذه هي الاسباب التي تجعلنا ننظر في الزواج على انه كان باطلا منذ البدء لانه لم يقم على اسس صحيحة. ولهذا فبالكنيسة الكاثوليكية لايوجد تطليق انما يوجد اصدار بطلان الزواج الذي يتم بعد دراسة وتمحيص كبيرين وبعد استشارة وسماع لشهود من قبل كل الاطرافquot;.
واضاف: quot;لايمكن الزواج بامرأة ثانية على ذمة امرأة، لا يمكن اصلا التزويج الا بعد اصدار قرار ببطلان الزواج من المحكمة الكنسية، نحن في كل بلد نعيش فيه هناك اتفاقيات تعقدها الكنيسة مع الدولة، مع القانون المدني يتم وفق هذه الاتفاقيات احترام خصوصية الاديان المسيحية واحترام خصوصية الكنيسة ونظرتها للزواج، فمثلا في العراق عندما تعرض قضية طلاق على المحكمة المدنية، القاضي في المحكمة المدنية يخاطب القاضي في المحكمة الكنسية ليسأل عن رأيه في قضية الزواج هذه، وبعد اصدار الحكم في المحكمة الكنسية تقوم المحكمة المدنية بالتعليق على حكم الزواج هذاquot;.
وتابع: quot;يجب على الانسان ان يقبل بها، بهذه الانسانة، هو يختار انسانة هو لا يختار رحما هولا يختار عضوا من الاعضاء، وانما يختار الانسانة التي تكون بحاجة الى ان يقبلها كما هي، لذلك ان تكون هذه الزوجة مريضة فهذا ليس سببا للطلاق، لكن ان يكون المرض اساسيا يمس ركنا من اركان الزواج، مثلا ان تكون الزوجة عاقرا وهي تعرف بالعقر، اي انها لم تطلع الزوج على هذه المسألة قبل الزواج، هذا يبطل الزواج لان هناك اخفاء لحقيقة مهمة تهم الرجل وتهم قضية الزواج، وان لم تكن تعرف فلا يمكن طلاقهاquot;.
وأوضح: quot;لايمكن التزويج لسبب كون امرأة الزوج عاقرا لان العقر من الله بالنسبة لنا وان الرحم المفتوح او الرحم العاقر هو نعمة من الله، هناك نساء مثلا لا ينجبن اطفالا لمدة طويلة من الزمن لعشرين سنة وبعد هذا يحصل الانجاب فهذه مسألة مرتبطة بقدرة الله ايضا وبتقدم الطب والعلم، اليوم هناك مشاكل كثيرة ممكن حلها بواسطة العلوم، بواسطة اللجوء الى الوسائل الطبية التي توصي بها الكنيسة والتغلب على مسألة العقر والعقم، الانسان الذي يتزوج يعرف انه قد ارتبط بحكم زواج شرعي عليه ان يحترم الامانة للزوجة، ان يحترم الزواج وقدسيته هو يعرف انه ارتبط بزواج الله شاهد عليه، فلا يمكن ان يخل باطراف هذا الزواج او بقيمهquot;.
وأشار الى ان: quot;التعاطف مع هذا الانسان الذي زوجته مريضة او عاقرا يتم عن طريق ارشاده للقبول بزوجته المريضة لان مثل هذه الزوجة المريضة التي مرضت الان هي زوجته عليه ان يلتزم بها. هي ليست مجرد انسانة او آلة يلقي بها متى يشاء ويستخدمها متى يشاء، نحن لا نحدد قيمة الزواج على اساس الرغبات. نحن نحدد قيمة الزواج على اساس الايمان والمسؤولية والالتزام بالشخص الاخر، فقد مرت هكذا مشاكل علينا وعندها تطلب الكنيسة من الناس ان يلتزموا بأزواجهم. هناك ازواج اثبتوا امانة كبيرة لازواجهم مثلما زوجات اثبتن امانة كبيرة لازواجهن، لو كان الرجل هو العقيم او ضعيف جنسيا هل المرأة تتركه وتتخلى عنه، تمر علينا حالات كثيرة لكن يجب على المجتمع الا يسند الرجل لانه رجل، ولا يسند المرأة لانها مرأة ام يدهسها او يهضم حقوقها، اما ما نوصي اليه بالكنيسة هو احترام حقوق كل من الطرفينquot;.
ومضى في اجابته لاسئلتي قائلا: quot;باعتقادي هناك اتفاقيات بين الكنيسة والدولة، هي اتفاقيات خاصة تعقدها الكنيسة مع الدول التي توجد فيها، يجب على الطرفين دراسة هذه الاتفاقيات، انا برأيي الشخصي لا يتم اقحام الدين في مسألة الزواج المدني، يجب ان يكون هناك فصل تام بين الزواج المدني والزواج الكنسي، ان تحترم فيه الحقوق المدنية وان تحترم فيه الحقوق الكنسية لمن يريد الزواج في الكنيسةquot;. مسألة التزويج لاشخاص لم يتم تطليقهم بصورة كاملة من قبل الكنيسة هذه مسألة خاطئة يجب اعادة النظر فيها لكن لا اعتقد ان هذه مسألة اضطهاد بقدر ما هي مسألة توافق وايضا مسألة دراسة حالة البلد ودراسة قانون الزواج الخاص بالمسيحيينquot;.
وحول عدد المسيحيين في العراق قال: quot;لا توجد احصائيات ثابتة وواضحة، نحن نقدر عدد المسيحيين الموجودين في العراق بين 500 الف الى 600 الف شخص، والعدد قليل بسبب الهجرةquot;.
وحين سألته: ما العمل اذا ما كانت نسبة الاناث اكثر من نسبة الذكور قال: quot;قضية الزواج لا تحلها قضية ان لدينا اناث اكثر من الرجال وبالتالي نحلل للرجل ان يتزوج اكثر من امرأة لكي يحل مشكلة النساء اجتماعيا، هذه مسألة اعتقد انها تابعة للتخلف الاجتماعي وتخلف هذه المجتمعات العربية التي نحن نعيش فيها. قضية وجود نساء اكثر من الرجال هذه قضية موجودة دائما وفي كل المجتمعات، المهم هو ان نعرف ما هو الزواج، الزواج نحدده بحسب الشرائع السماوية، بما اعلنه الله على لسان انبيائه، بما اعلنه في كتبه السماوية وبما تضمنه ايضا القوانين الكنسيةquot;.
واختتم حديثه عن تعريفه للزواج بالقول: quot;الزواج بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية التي انتمي اليها هو ارتباط برباط مقدس بامرأة ومشاركة حياتية تامة وبحرية كاملة، قبول لمشروع الله الذي حدده في الرجل والمرأة منذ ان خلقهماquot;.
التعليقات