يضطر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى الوقوف في طوابير طويلة بشكل مستمرمن أجل انجاز الكثير من أمور حياتهم اليومية، فإذا ما أراد الإنسان الحصول على راتبه منالبنك فأن عليه الوقوف في الطابور الطويل وكذلك الحال اذا ما أراد الحصول على الخبز أو مساعدة إنسانية.



يتذمر آلاف الفلسطينيين من كثرة الطوابير التي يصطفون فيها أمام الجمعيات أو البنوك خلال استلام رواتبهم أو حتى المخابز الشهيرة العاملة في غزة، وقال عدد منهم إن مشهد وقوفهم يذكرهم بفترة الوجود الإسرائيلي في القطاع، عندما كان الجنود يوقفونهم في طوابير طويلة قبل أن يسمح لهم بالتنقل من مكان إلى آخر.

ويقول المسن حسين عجوز بينما كان يقف أمام مخبز في طابور يضم عشرات المواطنين، انه مضطر للوقوف رغماً عن حالته الصحية التي بالكاد يستطيع مواصلة حياته. وأضاف لإيلاف quot;مضطر لأن أنتظر لساعات قبل أن أشتري ربطة خبز من هذا المخبز، فهو أفضل من يصنع الخبز وأجودهاquot;.

وتشير سيدة ضربت السنون وجهها، ورسم الفقر خريطة البؤس والشقاء عليه، إلى أن quot;طابور الجمعيات كلما جاءت مساعدات لنا كفقراء وأردنا أن نأخذ حصتنا، يصل أحياناً لذروتهquot;. وقالت أم بشير التي شارفت على التسعين عاما quot;المشكلة في الجمعيات أنها لا تسلم كوبون المساعدات إلا لصاحبها فقط ويبزر معه الهوية التي تثبت شخصيته.. غير ذلك لا يمكننا أن نستلم المساعدات، وهو ما يعني أنني مضطرة لأن آتي رغم كبر سني ومرضي كي أستلمها.

وتشير آخر إحصائية صدرت عن لجنة كسر الحصار في قطاع غزة التي يترأسها النائب في المجلس التشريعي الدكتور رياض الخضري، إلى أن مليون فلسطيني يعيشون في غزة من أصل مليون ونصف المليون، على المساعدات التي تقدمها لهم مؤسسات وجمعيات دولية إنسانية.


ويرى رئيس جمعية دار الكتاب والسنة الشيخ عبد الله المصري أن الإحتلال الإسرائيلي وحصاره لقطاع غزة، هو السبب الرئيس لتفشي البطالة والفقر في صفوف الفلسطينيين. وقال الشيخ المصري لإيلاف quot; ضرب مقومات الحياة الاقتصادية في فلسطين يشكل عنصرا أساسيا في إستراتيجية الاحتلال لمواجهة الفلسطينيين، كما أنه لجأ إلى منع عشرات آلاف العمال من الوصول إلى أماكن عملهم في فلسطين المحتلة عام 1948، الأمر الذي يزيد الأعباء علينا كمؤسسات إنسانية لتقديم العون لعشرات آلاف الأسر المتعطل أربابها عن العمل بشكل دوريquot;

وجمعية دار الكتاب والسنة واحدة من المؤسسات التي تقدم الخدمات الإنسانية المختلفة في الأراضي الفلسطينية، وتنفذ مشروعا إغاثيا في القطاع خلال الفترة الحالية. ويقول الشيخ المصري quot;لا يمكننا حصر الفقراء في قطاع غزة(..) يومياً يأتي أرباب أسر ومعهم ما يثبت أنهم لا يعملون ولا معيل لهم، فنضطر لأن نرسل باحثين لمنزلهم والتأكد من ذلك. هذا الأمر أرهق الجمعية بشكل كبير، فلا توجد أرقام نهائية، بل يزداد الوضع صعوبة بإستمرارquot;.

ويضيف الشيخ المصري التي نفذت جمعيته مجموعة ضخمة من المشاريع الإنشائية والدعوية والإغاثية والتعليمية والصحية في قطاع غزة quot;ننوه كثيراً خلال خطب الجمعة، للمعنيين بضرورة إيجاد فرص عمل وخلق مشاريع صغيرة يستفيد منها عدد من الأسر، لمحاربة ظاهرة البطالة التي تفشت في صفوف الشباب وأرباب الأسر، لكن الحصار الإسرائيلي يحول دوماً دون تنفيذ أي من المشاريعquot;.

وبقيت إسرائيل إبان فترة تواجدها في قطاع غزة، وما زالت في الضفة الغربية، تنتهج سياسة التضييق على الفلسطينيين من خلال إنشاء حواجز عسكرية ثابتة على مداخل المدن، فيضطر الفلسطينيون إلى الوقوف في طوابير ممتدة، إلى ان يسمح لهم الجندي بالدخول. هذا الوقوف الآن أمام الجمعيات والبنوك أو حتى المخابز، من وجهة نظر الدكتور الإعلامي عاطف سلامة quot;يذكرهم بالتواجد الإسرائيلي في غزة، وبالتالي بالمآسي التي عاشوها فترة وجود الإحتلال الإسرائيليquot;.


وأضاف الدكتور سلامة لإيلاف quot;لا بديل أمام الناس هنا حول هذا الموضوع، فلكل منهم حاجته الماسة وإضطراره إلى الوقوف في طابور طويل للوصول إلى غايته. جميعنا يدرك أن الموظفين الفلسطينيين يعتمدون بشكل كلي على رواتبهم، ولهذا عندما يأتي موعد الراتب تجد المئات يقفون أمام الصراف الآلي لاستلام راتبه، لتسديد ما عليه من إلتزامات للمحلات والحوانيت المختلفة. الأمر نفسه يقاس على الفقراء الذين يعتمدون على مساعدات من جمعيات خيريةquot;.

ويوضح الشيخ عبد الله المصري أن المجتمع الفلسطيني في ثمانينات القرن الماضي كان ثلاث طبقات مجتمعية. وقال quot;الطبقة الأولى هو فقر مدقع وهؤلاء محتاجون لمساعدات شهرية، والطبقة الثانية هي طبقة متوسطة يحتاج لكل فترة مساعدة، أما الطبقة الأخيرة ممكن أن نهديها هدية مرة واحدة في السنة لتأليف القلوب... الآن الطبقة الثانية إنتهت تماماُ، وأصبح في غزة إما غناء فاحش أو فقر مدقع وهو المسيطر، ولذلك بقدر ما نعمل أبحاث أو إحصاء ومع ذلك لا تستطيع أن نحصي الناس لأن عددهم يزيدquot;.

ولا يعرف تحديداً هل بات الغزيون يجيدون الوقوف في طوابير لتشبعهم بالحالة ذاتها منذ سنوات، أم أن الأمر سيتقلص تدريجياً ريثما تفتح إسرائيل معابرها وتسمح بدخول ما يحتاجه الفلسطينيون لخلق فرص عمل تقلل من نسبة الفقر والبطالة.