مع بدء العدّ العكسي لبطولة quot;خليجي 20quot; بدأت المواجهات الأمنيّة تأخذ وتيرة متسارعة في اليمن بخاصة في محافظة أبين التي ستستضيف البطولة. وقد خلقت الأحداث الأمنية جوًّا من القلق لدى الشارع العام وسط ضغوط دوليّة يواجهها اليمن وتتجلّى بزيادة الدعم المالي ووصول مدرّبين وخبراء أميركيّين في مكافحة الإرهاب.

تسارعت الأحداث في محافظة أبين المطلة على البحر العربي جنوب اليمن بشكل مفاجئ خلال الأسبوع الفائت. وقد أوقعت مواجهات مباشرة بين عناصر مسلّحة أعلن لاحقًا أنّها تتبع القاعدة، 15 قتيلاً بينهم 11 جنديًّا. وقبل تلك المواجهات استهدف ضباط في الأمن السياسي فقتل من قتل ونجا من نجا.

بعد ذلكقتل خمسة من عناصر القاعدة، واستسلم خمسة آخرين، في حين كان قد أعلن عن استسلام القيادي في التنظيم حزام مجلي، وبعده القيادي حسين التيس، وقبلهما زعيم التنظيم في محافظة الجوف جمعان صفيان.

هذا التسارع في الأحداث خصوصًا في مديريّة quot;لودرquot; في أبين أخذ طابعًا غير مألوف، حيث تزامنت هذه الأحداث مع أحداث أخرى تأتي في السياق ذاته منها اعتقال الصحافي عبد الإله حيدر الذي تربطه بتنظيم القاعدة علاقات بدت في البداية أنها صحافية، ثم استمرّ تواصله بقيادات التنظيم وظهر في حوارات وصور مع أبرز القيادات منهم أنور العولقي المطلوب من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهو الأمر الذي يعتقد أنه اعتقل بسببه.

أحداث السلطات الأمنية مع القاعدة خلقت جوًّا من القلق لدى الشارع العام حيث اضطرت الحكومة لإجراء تشديدات أمنية في 6 محافظات يمنيّة وفقًا لمصادر خاصة، لكنّ المخاوف تدور حاليًّاحول أن تكون العمليات التي تقوم بها القاعدة تحت ما يسمى quot;نفي الخبثquot; قد تهدف إلى تحويل أنظار الأمن إلى تلك المناطق ريثما يتسنّى لها القيام بعمليات نوعية في مناطق تغفل عنها الأجهزة الأمنيّة.

الغريب في الأمر أنّ التركيز في هذه المرحلة يتمّ على محافظة أبين الجنوبية وهي إحدى محافظات الجنوب المشتعلة بما يسمّى الحراك الجنوبي، وظهر أنّ السيطرة عليها صعب إلى حد ما على الرغم من قربها من مدينة عدن التي تحظى بقسط وافر من الأمن.

وتزداد المخاوف يومًا بعد يوم، خصوصًا مع اقتراب موعد بطولة quot;خليجي 20quot; الرياضيّة التي يفترض أن تقام في محافظتي عدن وأبين، حيث لم يتبقَّ سوى أقلّ من 3 أشهر وهو الأمر الذي يتطلّب كثيرًا من الحزم الأمني.

أبين تاريخ جهادي

حول هذه القضايا يتحدّث الباحث في مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية محمد سيف حيدر لـquot;إيلافquot; مشيرًا إلى أن عددًا من الاعتبارات تكمن وراء تركّز القاعدة في محافظة أبين، quot;بحكم تاريخها الجهادي القديم، فالتنظيم لم يغب عنها طويلاً، لكنّ الأمر المزعج لهم كان قيام السلطات الأمنية بضربة موجعة وقتل أمير التنظيم في محافظة أبين ومرافقه، ثم أعاد التنظيم ترتيب خلاياه، وتشكيل خلية باسم سرايا قائدهم المغتال العنبري، ورفيقه الصنعانيquot;.

ويضيف حيدر وهو مدير تحرير مجلة quot;مدارات استراتيجيةquot; أن quot;إعادة تشكيل مثل هذه الخلايا يتمّ بالاعتماد على حالة الفقر إضافة إلى حالة الانفلات الأمني وتوتر الأوضاع الأمنية والسياسية هناكquot;.

ورأى أنّ أبين لها خصوصيّة تاريخيّة من خلال القيادات التي احتضنتها منذ التسعينات، موردًا أنه يدور الحديث حاليًّا عن موجة تديّن واسعة في هذه المحافظة. كما تعتبر أبين على مقربة من مناطق يتحرك فيها عناصر وقيادات مهمة في تنظيم القاعدة، مثل الوحيشي وربما أبو هريرة الصنعاني المسؤول العسكري للتنظيم، وكذلك مسؤولين عسكريين، إضافة إلى أنها محاذية لجبال الكور في محافظة شبوة والمناطق التي يختبئ فيها الشيخ أنور العولقي محتميًا ببعض القبائل هناك.

ويضيف أنّ quot;أبين أيضًا لها دلالة معيّنة والوجود الأمني فيها ليس بتلك القوة والمتانة مثل عدد من المحافظات مثل مدينة عدن المجاورة، إضافة إلى أن مدينة أبين التي ستكون إحدى مدن استضافة خليجي 20 والتي لن تنجح إلا إذا أقيمت في عدن وأبين معًاquot;.

وقال حيدر إن تنظيم القاعدة quot;يفكر بكل هذه الأمور مجتمعة ويقوم بإعادة ترتيب أوراقه لشنّ عملياتمثل ما يحدث حاليًّا في سياق ما أطلقت عليها quot;عملية نفي الخبثquot;.
أما حول التركيز الشديد خلال هذه الفترة وتسارع الأحداث فإنّ حيدر يعتقد أنّ quot;ما يحصل هو زيادة الضغط على صنّاع السياسة في اليمن من خلال ضخ الأموال لمكافحة الإرهاب، كي تقوم الحكومة بتحويل الأموال إلى خطوات عملية وتزيد من التشديد وتمعن في محاربة القاعدة بشكل أوسع، حيث زادت المنح الأجنبيّة لمكافحة الإرهاب في اليمن من 150 إلى 350 مليون دولار.

ويصف حيدر ما يحدث بأنّه quot;ضغط ناعمquot; معتبرًا أنه في الوقت نفسه quot;يظهر تنظيم القاعدة أنّه أكثر نشاطًا، لكنّ نشاطه ليس بتلك الخطورة، ولا يمثل تحوّلاً، كونه ينشط في مناطق رخوة أمنيًّا، وجود السلطات الأمنية فيها ضعيف وهي تحارب على جبهتين في الوقت نفسه هناك، حيث تقوم بمواجهة الحراك الجنوبي، وأيضًا عناصر القاعدة الذين يعملون بطابع فوضوي ويستخدمون معدات بسيطة مثل الدراجات الناريةquot;.

فعل وردّ فعل

يقول محمد سيف حيدر وهو باحث مهتمّ في قضايا الإرهاب إنّ quot;هناك سخونة في الفعل وردّ الفعل فتنظيم القاعدة لن يكون قادرًا على إبراز نفسه وعضلاته إلاّ إذا قام بعمليّات مهمّة وأساسيّة أبرزها التي تستهدف عناصر أجنبيّة ومن هذه العمليّات يستمد قوته ويستمد شرعية خطابه الذي يقول فيه إنه يحاول إخراج الكفار من جزيرة العرب، والحرب مع سلطات الأمن ليس سوى جزء من هذه المعركة الكبيرة، والتي يحرص التنظيم على أن يخوض غمارهاquot;.

ويعتبر أنّ ما يحدث يأتي أيضًا في سياق ما يتعلّق بالحرب الإقليميّة والدولية على الإرهاب، quot;السلطات السعودية أعلنتأخيرًا عن تعرض الأمير محمد بن نايف لمحاولة اغتيال رابعة وعادة ما تربط هذه العمليات بنشاط فرع تنظيم القاعدة في اليمن، أو التنظيم الجديد الذي نشأ باندماج فرعي القاعدة في السعودية واليمنquot;.

ويلمح حيدر إلى أن هناك مزيدًا من الضغوط الدولية على اليمن تتجلى بزيادة الدعم المالي ووصول مدربين وخبراء أميركيين في مكافحة الإرهاب، في حين زاد نشاط طائرات الاستطلاع الأميركيّة التي تعمل ربما بتنسيق مع الحكومة اليمنيّة، لرصد نشاطات عناصر تنظيم القاعدة في أبين ومأرب وشبوة وغيرها.

حيدر يعتقد أنّه لا يمكن الفصل بين كلّ هذه الأمور والاحتقان الأمني السائد سواءً الحراك الجنوبي والمشاكل القبلية وغيرها، وأيضًا الاحتقان السياسي الناتج عن انسداد أفق الحوار والتطورات التي حدثت في الآونة الأخيرة.

مجمل هذه التطورات تشير إلى أنّ اليمن على فوهة بركان وفقًا لرأي حيدر الذي أشار إلى أنّ quot;هناك تباشير لحلحلة معينة قد تكون واردة في الأفق، سواءً في البعد السياسي أو البعد الأمني، حيث سنشهد مرحلة استرخاء خصوصًا مع نجاح السلطات الأمنية بإلقاء القبض على عناصر لتنظيم القاعدة بما لديهم من معلومات ثمينة، وكذلك ضغطها على عناصر التنظيم وإن كان تنظيم القاعدة هو الذي يمارس الضغط من خلال هجماته العشوائيّة والتي تتميّز بطابع اللا تماثل وما يشبه حرب عصابات، فرّ وكرّ، واضرب واهربquot;.

ويتابع: quot;هناك ملاحظات أساسية تدور في الذهن، نستنبطها من آلية عمل تنظيم معقد له خبرة في العمل الحركي والعسكري والأمني كتنظيم القاعدة، العمليات في الجنوب والتي أطلق عليها تنظيم القاعدة في الجنوب (نفي الخبث)، موجّهة ضدّ عناصر أمنيّة وهدفها حصد أكبر عدد من الرؤوس الأمنية والمقرات العسكرية، وتبدوا كأنّها ردة فعل على ما حصل في مأرب، والملاحقات التي تتم لعناصر التنظيم لكنها في الوقت نفسهقد تضمر أن التنظيم قد يستخدم هذه العمليات كغطاء يسهل على التنظيم القيام بعمليات نوعية هنا وهناك سواءً تستهدف مصالح أمنية محلية أو مصالح أجنبية، وربما هذه التحركات تأتي لخداع الأمن وإيجاد حالة من الاسترخاء الأمني، في بعض المناطق ليتمكّن التنظيم من القيام بعمليات في أماكن أخرى ويكون لها صدى إعلاميًّا وعملانيًّا واسعًاquot;.

آفاق جديدة تفتح أمام الأزمات التي يمرّ بها اليمن، في حين لا تبرز مؤشّرات حقيقية لإغلاق أي من الملفات خلال المرحلة الراهنة، خصوصًا مع تكشير القاعدة لأنيابها في هذا الوقت الحرج حيث تحتاج السلطات للملمة أوراقها لمواجهة الحراك الجنوبي وإطفاء النار المخبأة تحت الرماد في صعدة.