لهيب تونس يسقط الدكتاتور الصغير

ظهر تباين في الموقف السياسي العراقي من إعلان الحكومة التونسية بتشكيلتها التي ضمت وزراء سابقين بين أكبر كتلتين نيابيتين هما التحالف الوطني العراقي الحاكم والكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي حول ما اذا كانت تحاول بتشكيلتها الحالية الالتفاف على تطلعات الشعب التونسي وثورته وبين المطالبة بدعمها وتأييدها.


خلال جلسة لمجلس النواب العراقي اليوم اعتبر رئيس التحالف الوطني العراقي الحاكم ابراهيم الجعفري إعلان الحكومة التونسية الجديد بوزراء الوزارات السيادية السابقة التفافًا على مطالب التونسيين وثورتهم.

وقال إن ما حدث في تونس هو تراكم لممارسات دكتاتورية استمرت أكثر من 20 عامًا وجاء حرق المواطن البوعزيزي ليفجر الغضب التونسي بثورة تعصف بالنظام الدكتاتوري التعسفي الذي خضع لسياسات دولية معينة فرضها على المواطنين. وأشار الى انه نتيجة لذلك، فإن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قد سارع الى الهرب لكن مختلف الدول قد اغلقت ابوابها بوجهه.

وأشار الجعفري الى ان احداث تونس افرزت ثوابت تؤكد أن الشعوب اذا سكتت على حكامها لفترة معينة فأنها لن تصبر الى الابد على دكتاتورياتهم. وقال ان ما حصل في تونس هو نتيجة طبيعية للفساد والمحسوبية اللذين انتشرا في البلاد موضحًا ان ما حصل في تونس سيمتد الى مناطق اخرى، وان عواصف اخرى ستهب على تلك المناطق عندما تتشابه الظروف.

وحذر الجعفري من أن إعلان الحكومة التونسية الجديدة هو محاولة لاحتواء الثورة الشعبية المتصاعدة في البلاد من خلال إبقاء الوزراء السابقين للوزارات السيادية في مناصبهم في وقت ثار الشعب ضد السياسات العامة كلها ولا يمكن ان تختزل الثورة بهذه الحكومة.

ودعا الحكومات الديمقراطية المنتخبة الى الوقوف مع الشعب التونسي وقال quot;نحن مع امن الشعب التونسي واستقراره واقتصادهquot;. ودعا التونسيين الى مواصلة حركتهم الشعبية حتى يحصلوا على حقوقهم كاملة.

لكن الناطق باسم الكتلة العراقية حيدر الملا أشار الى الخيار الديمقراطي هو هدف استراتيجي للشعب التونسي. وقال ان العراق الذي عانى من تدخلات سلبية في شؤونه لا يريد التّدخل في الشؤون التونسية الداخلية.
وأضاف ان ارادة الشعب التونسي حرة والعراقيون يدعمون ويساندون خياراته وارادته هذه.

ودعا الحكومة العراقية الى تبني موقف مؤيد للحكومة التونسية انطلاقا من كون العراق دولة محورية ومهمة في المنطقة وعليه تسير العلاقة مع الدول العربية والاخرى في المنطقة. وأكد دعم خيار الشعب التونسي وانتفاضته من اجل حريته وخلاصه من الدكتاتورية.

أما حزب الدعوة الاسلامية بزعامة رئس الوزراء نوري المالكي فقد أشار الى ان الساحة العربية الاسلامية تشهد حاليا quot;تهاوي عروش الطغاة بفعل انتفاضة الشعوب التي اخذت تفرض ارادتها وتختار نظامها السياسي الذي يكفل لها حريتها ويضمن تمتعها بثرواتها وحقوقها الانسانية وممارسة الديمقراطية في تقرير مصيرها ومستقبلها السياسيquot;. وأكد دعمه وتأييده واحترامه quot;لخيار الشعب التونسي الشقيق في الاطاحة بالديكتاتورية المقيتة التي سلبت حقوقه ومارست بحقه صنوف القمع والاضطهاد وصادرت حرياته وكرامتهquot;.

ودعا القوى الاسلامية والوطنية في تونس الى التوحد والتضامن في مواجهة التحديات التي تنتج عن التغيير وجعل مصلحة تونس العليا في مقدمة كل المصالح سواء كانت حزبية ام فئوية... مثمنا عاليا الروح الوطنية للشعب التونسي مذكرا بضرورة الحفاظ على المنجز الذي أسسه بصبره وتضحياته.

وأشار الحزب الى تعاطف الشعب العراقي مع التطورات التي شهدتها تونس وافضت الى التغيير متمنيا ان يكون المستقبل زاهرًا للشعب التونسي وان تعم حالة الاستقرار كل مظاهر الحياة فيه.. مشددًا على ضرورة السعي لتوطيد العلاقات الاخوية بين الشعبين العراقي والتونسي بما يخدم مصلحة البلدين ويعزز حالة التواصل بينهما.

وعلى الصعيد نفسه، فقد حذر الحزب الطليعي الاشتراكي الناصري من محاولات الالتفاف على ارادة الشعب التونسي عبر اجهاض انتفاضته واهدافها الاجتماعية والسياسية. وقال في بيان صحافي ان هدف المعارضة العربية الجديدة ليس اعادة انتاج نظام جديد وزعيم جديد يضافان الى قائمة الانظمة العربية والزعماء العرب وبالتالي بدء دورة اقصاء وقمع وعنف جديدة، ابطالها ضحايا ومعارضو الامس.

وأشار الى ان الانتفاضة تم احتواؤها بسرعة قياسية من قبل بعض مفاصل النظام الاخرى التي تحركت باتجاه ملء الفراغ السياسي والامني عبر اعلان رئيس مؤقت وتشكيل حكومة تشارك بها رموز المعارضة.

وفي وقت سابق اليوم اعلن رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي ان وزراء نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذين تم الاحتفاظ بهم في حكومة الوحدة الوطنية quot;ايديهم نظيفةquot; وتصرفوا على الدوام quot;حفاظًا على المصلحة الوطنيةquot;. وقال quot;انهم احتفظوا بحقائبهم لأننا بحاجة اليهم في هذه المرحلةquot; من بناء الديمقراطية حيث يتم الاعداد لانتخابات في غضون ستة اشهر، مشددًا على quot;الرهان الامني الكبيرquot; في هذه المرحلة الانتقالية.

وشدّد ردًّا على انتقادات قسم من المعارضة ان هؤلاء الوزراء quot;جميعهم ايديهم نظيفة ويتمتعون بكفاءة كبيرة. انهم جديرون. فقد نجحوا بفضل تفانيهم في الحد من قدرة البعض على الاذية حيث ناوروا وراوغوا وكسبوا الوقت حفاظًا على المصلحة الوطنيةquot;.

وتظاهر مئات الناشطين العراقيون اما مقر السفارة التونسية في بغداد أمس معلنين تضامنهم مع انتفاضة الشعب التونسي. وشارك في التظاهرة صحافيون وأدباء وفنانون وأساتذة وطلبة ونساء مؤكدين تضامنهم quot;مع نضال الشعب التونسي وثورته الجبارة ضد النظام الاستبدادي المنهارquot;.

ورفع المشاركون صور جيفارا وشعارات: quot;إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدرquot; وquot;يا أهلنا الرائعين في تونس: أسقطتم الجلاد، فلا تتركوا أيتامه يقطفون زهرة انتفاضتكمquot; وquot;تحية إكبار من العراق الحر الجريح إلى تونس الياسمين والانتفاضةquot;.

كما قام الناشطون بتوزيع الحلوى وترديد نشيد quot;موطنيquot; وإطلاق هتافات تدعو أبناء تونس إلى عدم الاكتفاء بإسقاط رأس النظام quot;حتى لا تذهب ثمار الانتفاضة إلى أيتام النظام المتربصين والمؤلبين للوضع نهبًا وحرقًا وقتلاًquot; كما قال احد المشاركين.

وكان مجلس النواب العراقي قال إن إزاحة quot;دكتاتور تونسquot; زين العابدين بن علي هو مقدمة لاسقاط دكتاتوريات اخرى في المنطقة. وأضاف المجلس في بيان تلي في جلسته المنعقدة في بغداد اليوم quot; تحية اجلال واكبار للشعب التونسي الشقيق المجاهد الذي اطاح بالطاغوت بن علي بأقل الخسائر وبسرعة فائقةquot;.

وأشار في بيان الى quot;ان الشعب العراقي الذي اسقط نظام صدام الدكتاتوري يتابع مايحدث في تونس بعد ان تهاوى عرش الدكتاتور فيها على يد الشعب التونسي الابي.. وغدًا لاندري اي شعب سيثور ليسقط طاغونًا اخرquot;.

وحذر من ان ما حدث في تونس درس لكل حاكم مستبد.. فالشعوب الباحثة عن الحرية والتعددية والكرامة لن تسكت عنهمquot;. وقال في الختام quot; كل الاحترام لكم يا شعب تونس من كل عراقي عاش الظلم والطغيانquot;.

وعلى الصعيد نفسه، قال السفير الاميركي في العراق جيمس جيفري في مؤتمر صحافي في بغداد عن موقف الولايات المتحدة فيما اذا وقع في العراق ما حصل لتونس quot;اننا نأسف لخسارة الحياة في تونس.. لكن العراق يختلف عن تونس لانه بلد ديمقراطي يعمل ضمن سيادة القانون على الرّغم من المشاكل.. والعراق كبلد وشعب يفتخر بنفسه رغم العنف والاغتيالات التي تحصلquot;.

ومن جانبه أشار وزير الدولة الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ الى ان ما يحدث في تونس مسألة داخلية تخص الشعب التونسي والعراق لا يتدخل في شؤون الدول الاخرى ويحترم خيار الشعوب في المنطقة.