يبدو ان الشعوب العربية باتت ترفض ظاهرة توريث الحكم من الآباء للأبناء في الجمهوريات التي يحكمونها، وسط تساؤلات اذا ما كان بعض الرؤساء سيبحثون عن بلدان ينفون أنفسهم إليها في ظل موجة التظاهرات التي تشهدها عدة دول.


بات تفشي والفساد والفقر والبطالة وسط الشباب وارتفاع أسعار الغذاء والمعيشة والحكومات القمعية هي العوامل المشتركة التي تحرك الشارع العربي الآن في انتفاضات شعبية من مصر مرورًا بسوريا وإلى اليمن على غرار laquo;ثورة الياسمينraquo; التونسية التي لم تكتمل فصولها بعد.

على أن الأمر لا يقف عند هذه العوامل المشتركة، بل يتعداها - كما تلاحظ صحيفتا laquo;فاينانشيال تايمزraquo; وlaquo;غارديانraquo; البريطانيتان - الى رفض الشعوب العربية ظاهرة جديدة في المنطقة. وهذه الظاهرة هي اتجاه الحكّام نحو ثقافة laquo;الأسر الحاكمةraquo; بتوريث السلطة لأبنائهم أو أقاربهم الذكور وكأنهم ملوك في ممالكهم وليسوا رؤساء في جمهورياتهم.

وهذا، عدا عن كونه أمًرا بغيضًا لدى الشارع، فهو أيضًا يلقي بالكثير من الضوء على حقوق المرأة المسلوبة في العالم العربي. والشهر الحالي، في أعقاب الثورة التونسية الشعبية التي أطاحت بأسرة بن علي الساعية لحكم البلاد الى الأبد، فلا غرو أن laquo;الموعودين بالعرشraquo; ينظرون الآن بقلق الى أن أحلامهم بوراثة السلطة قد تتناثر حطامًا. وفي ما يلي أبرز هؤلاء الحالمين:

مصر

جمال مبارك
جمال مبارك
ظل الإحساس السائد في أوساط المصريين هو أن رئيسهم غير المحبوب، حسني مبارك (82 عاما) الذي تولى السلطة على غير توقع بعيد اغتيال أنور السادات في 1981، ينوي توريث السلطة لابنه جمال غير المحبوب بالقدر نفسه، على الرغم من أن كلاً من الأب والابن ينفي هذا الأمر.
وجمال، المصرفي الذي اكتسب خبرته المهنية في الغرب، يشغل منصب الأمين العام لحزب أبيه laquo; الوطني الديمقراطيraquo;. وهو يختلف عن والده في أنه من دون خلفية عسكرية ولم يشغل اي منصب عام، لكن الاثنين يتشابهان في افتقار كل منهما الى الشعبية.

ويبدو ان التقارير التي تحدثت أخيرًا عن أن جمال فرّ من مصر على متن طائرة خاصة محملة بمئة حقيبة كبيرة الى لندن كانت فقط من باب التمنّي. لكن في حقيقة أنها كانت من باب التمني نفسه تحذيرًا الى الرئيس مبارك من مغبة فرض ابنه على الشعب عبر الانتخابات الرئاسية (في سبتمبر / ايلول المقبل). فقد تصبح هذه المحاولة هي laquo;القشة التي قصمت ظهر فرعونraquo;.

سوريا

بشار الأسد
أضاع السوريون فرصتهم في نيل الحرية حينما رضخوا لتوريث رئيسهم حافظ الأسد السلطة لابنه طبيب العيون بشار في العام 2000. والواقع أن laquo;أسد دمشقraquo; كان ذا دور رئيس على خشبة مسرح الشرق الأوسط ومهابًا ومحل إعجاب من الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

على أن بشار أثبت أنه من غير معدن أبيه. فقد تاه به الطريق في مغامرته اللبنانية في 2005 - 2006، وتعرض مرارًا للمهانة على يد إسرائيل (التي قصفت موقعًا سوريًّا laquo;نوويًّاraquo; غامضًا في 2007)، وتقلّب بين القبول التام تارة والرفض التام تارة أخرى إزاء محاولات الرئيس باراك اوباما التصالحية مع نظامه.

باختصار فإن بشار هو تشخيص السبب في ان توريث الرئاسة فكرة غير جيدة. لكن هذا لا يعني أن الخلافة في سوريا لن تنتقل الى جيل ثالث. فلبشار وعقيلته البريطانية - السورية، أسماء، ابن في التاسعة من عمره الآن، أطلقا عليه اسم laquo;حافظraquo; تيمّنا بجده.

اليمن

أحمد علي عبدالله صالح

أحمد صالح، ابن الرئيس علي عبد الله صالح ورئيس الحرس الجمهوري، يبدو في الموقع المناسب لوراثة القصر الرئاسي في صنعاء من أبيه.
على أن الرياح ستأتي، على الأرجح، بما لا تشتهي السفن لأن الشعب اليمني لا تروق له فكرة التوريث هذه. وقد عبّر عن رأيه هذا في تظاهرات احتجاج واسعة النطاق تطالب باستقالة الحكومة. ويقول النائب البرلماني أحمد حاشد: laquo;لن نقبل الآن بما هو أقل من تنحي الرئيسraquo;.
وعلى ضوء ضيق الشارع اليمني، يصر الرئيس صالح على أن لا نوايا له لتوريث البلاد لابنه. وربما كان محقًا ولكن ليس على النحو الذي يقصد. ففي وجود حركة انفصالية في الجنوب ومعارك قبلية في الشمال وأنشطة القاعدة بلا كابح وتدخل القريب والبعيد، بما في هذا ايران والولايات المتحدة، فقد لا تبقى بلاد يستطيع صالح توريثها لابنه في المقام الأول.

تونس

شاكر المطيري

بدا أن ثورة تونس، التي فتحت بوابة الطوفان، اشتعلت في جزء منها بسبب المقت الشعبي إزاء نهب عائلة زين العابدين بن علي ثروات البلاد وخاصة ممارسات شاكر المطيري زوج نجلته نسرين.

وقد قدمت برقيات السفير الأميركي لدى تونس، التي سربها موقع laquo;ويكيليكسraquo; ضمن مسلسله المدمر في مختلف أنحاء العالم، وصفًا دقيقًا لما اسمته laquo;التجاوزات المالية الهائلة التي يقترفها المطيريraquo; مشخَّصة، على سبيل المثال، في وجود نمر كبير في قفص بقصره في العاصمة أطلق عليه اسم laquo;باشاraquo;.

ونوع البذخ الذي عاش فيه المطيري وزوجته نسرين وسلوكهما هما ما حدا بالتونسيين لكراهية بيت آل بن علي عموما. وعلى غرار منظومة laquo;التوريث العربيraquo; وتبعًا للبرقيات الدبلوماسية، كان متوقعًا أن يخلف الصهر حماه لولا أن ثورة الياسمين ألقت بالأخير في السعودية والأول في دبي... على الرّغم من أن مصير laquo;باشاraquo; يبقى مجهولاً.