متظاهرون أمام السفارة المصرية في بيروت

يتابع فريقا النزاع السياسي في لبنان التطورات الأمنية المتلاحقة في مصر مدركين أنها ستنعكس حتماً على الوضع اللبناني، مباشرة أو مداورة انطلاقاً من اقتناع بأن ما يحصل في المدن المصرية وبعض العواصم العربية التي تغلي بالتظاهرات وروح التغيير والدعوات إليه هو من التداعيات المتأخرة لإسقاط النظام العراقي السابق.


من السودان إلى تونس، ومن مصر إلى اليمن، وصولا إلى الأردن، يبدو مشهد التغييرات والتظاهرات من بيروت التي اعتادت التقلبات والتحركات الشعبية باعثاً على التأمل في أبعاد هذه الظواهر التي تحرك الشوارع الجديدة على العالم العربي بعدما quot;نامquot; مستقراً في أسوأ أحواله غالباً، سحابة أربعين عاماً بعد موجة تغييرات قادها عسكر بدبابات خرجت من الثكن وانطلقت إلى المقار الحكومية والإذاعات الرسمية لتعلن quot;البلاغ رقم واحدquot; وسلسلة الوعود التي لا يتحقق منها شيء.

من اللحظة الأولى لاندلاع هذه التطورات لم يقارن أي فريق أو يربط بينها وبين الحوادث التي عرفها لبنان أخيرا، باعتبار أن نزول المتظاهرين إلى الشارع في بيروت وطرابلس وأنحاء أخرى في البلاد كان احتجاجيا على إخراج تحالف قوى 14 آذار/ مارس ممثلا بأبرز أركانه سعد الحريري من رئاسة الحكومة بموجب ما يصفه هذا الفريق بأنه quot;إنقلابquot; مستتر قاده quot;حزب اللهquot; بضغط من سلاحه، مدعوما من دمشق وطهران وتحت واجهة دستورية وديموقراطية من خلال حمل مجموعة من النواب- في طليعتهم رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي كان الركن الأساس في صنع إنتفاضة ربيع 2005- فانتقل 11 نائباً من ضفة التحالف الذي ربحوا الإنتخابات النيابية في حزيران / يونيو 2009 بناء على مواقفه ومبادئه، إلى ضفة تحالف 8 آذار النقيض الذي يقوده quot;حزب اللهquot; بالتنسيق والتخطيط مع القيادة السورية.

عزز التحرك الشعبي المؤيد لرئيس حكومة تصريف الأعمال الحريري شعور لدى فئة واسعة من أبناء الطائفة الإسلامية السنية بالغبن وسلبها حقوقها، وبأن الأمين العام لـ quot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله صادر أصوات السنّة ومن حالفهم كما صادر إرادتهم عندما سمح لنفسه بأن يحدد ويختار من يكون رئيس الحكومة في لبنان.

ومع توجه فريق 14 آذار/ مارس نهائيا إلى خوض معارضة قاسية ضد quot;حكومة اللون الواحدquot; التي سيشكلها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مضطرا خلال أيام، لا يعدم الرئيس الحريري من يقول له من بين القريبين منه في quot;تيار المستقبلquot; إن المشاركة في الحكومة قد تكون لها فوائد من باب السياسة البرغماتية إذ تخفف من الخسائر التي مني بها quot;المستقبلquot; على حين غرة، إذ تحمي هذه المشاركة مواقعه ومصالحه في الإدارة الحكومية، فضلا عن أنها تقيه خطر الإنتقام منه والتشهير والتنكيل به، وهوخطر محتمل نظرا إلى ماضي بعض الوجوه التي تعتبر من رموز مرحلة quot;الوصاية السوريةquot; السابقة، وقد عادت بوضوح إلى مواقع القرار في السلطة، لا بل أنها تؤدي دورا بارزا في تأليف الحكومة فتقرب حظوظ هذا وتبعد حظوظ ذاك، مثل المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيّد.

ويقول أصحاب هذا الرأي للحريري إن ميقاتي في حاجة إليه حاليا لتوفير تغطية سنية ووطنية له، وإن ما هو متاح لقوى 14 آذار/ مارس حاليا لن يكون متاحا لاحقا، وإن مشاركة هذه القوى في الحكومة لا تعني تخليا عن المبادىء، ولا سيما منها التمسك بالمحكمة الدولية ورفض تحكم سلاح quot;حزب اللهquot; في الحياة السياسية للبنانيين جميعا.

لكن الحريري وحلفاءه باتوا في واد آخر ولميعد الموضوع واردا في حساباتهم، على قاعدةأن المشاركة في حكومة ميقاتي يعني اعترافا بنتيجة quot;الإنقلابquot; وقبولا بوضع quot;حزب اللهquot; وحليفيه إيران وسورية أيديها على الدولة اللبنانية، ويقلل هذا الفريق من خطورة انتقال السلطة إلى الفريق المناوىء له بالقول إن الوضوع لن يعود إلى ما قبل 2005 لأن الوصاية السورية كانت تتمتع بغطاء عربي وأقليمي ودولي ليس متوافرا حاليا لـ quot;المنقلبينquot;.

ويجب ألا يتطلع أحد في هذه المرحلة الدقيقة إلى المكاسب السلطوية بل إلى تحقيق الأهداف التي اقتربت كثيرا مع اقتراب موعد صدور القرار الإتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي سيظهر quot;حزب اللهquot; المهيمن على الدولة اللبنانية بقوة السلاح حزباً قاتلا لا يتورع عن ارتكاب جرائم كبرى في حق شعبه بينما يزعم إنه سلاح لمقاومة إسرائيل.

ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن الرئيس ميقاتي المكبل بشروط quot;حزب اللهquot;وإملاءاته لم يرد في أي حال ولن يرد على الأسئلة التي وجهتها إليه كتلة quot;المستقبلquot; خلال الإستشارات لتأليف الحكومة، وهي أسئلة تتعلق بموقفه من المحكمة الدولية التي يتطلع quot;حزب اللهquot; إلى إلغائها أو أقله وقف اعتراف لبنان بها والتعامل مع قراراتها.

لكن الفريق المتخوف من نتائج المعارضة في مواجهة خصم شرس في السلطة، يلفت إلى أن نجاح المعارضة في بيروت سينعكس على سورية نفسها نظرا إلى الترابط بين البلدين، وإلى هيمنة القيادة السورية من الآن فصاعدا على الحكم في لبنان، وأي خسارة يتعرض لها فريق نظام الرئيس بشار الأسد قد تجد أصداءها في الداخل السوري نظرا إلى حال الغليان المعدية بين العواصم العربية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تساند الأنظمة العربية الرئيس الأسد تحاشيا لتوسع لعبة الدومينو وإمكان وصولها إلى هذه الأنظمة، وذلك على رغم خلافاتها مع الرئيس السوري وسياساته القائمة على التحالف مع إيران؟

ويتابعون بالقول إن قرارا عربيا بالوقوف إلى جانب الأسد والدفاع عن نظامه وعدم إضعافه سيعني في لبنان تأييدا لنظام quot;حزب اللهquot; الحاكم. وفي هذه الحال على قوى 14 آذار/ مارس أن تتوقع الأسوأ خلال الأشهر وربما السنوات المقبلة. أما في حال العكس فإن معركة المعارضة الجديدة ستكون رابحة بالتأكيد وبوضوح، لأن القرار الإتهامي الآتي لا يزال يحمل معه صفته الزلزالية.