كان من المفترض أن يُسدل الستار على النزاع في ليبيا بحسم معركة سرت لتكون إيذاناً بتوحيد البلاد تحت قيادة المجلس الانتقالي وانطلاق عملية التحضير لانتخاب حكومة جديدة. ولكن معركة سرت طالت وتحولت إلى واحدة من أشد الفصول مرارة في الثورة مهددة آفاق المصالحة مع تسرب أنباء جديدة عن أعمال عنف وثأر إلى مناطق البلاد الأخرى.


معركة سرت زادات الأمور تعقيداًفي ليبيا

يرى مراقبون أن اقتراب معركة سرت من نهايتها، أكد المشكلة التي تواجه المجلس الانتقالي في محاولته إعادة اللحمة إلى بلد تسببت الحرب بانقسامه مناطق وفصائل متنافسة، وبات يعاني الأعمال الانتقامية.

وكان على رأس المواضيع التي بحثتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال زيارتها المفاجئة يوم الثلاثاء، سبل إنهاء الانقسامات وحماية المدنيين من انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي ميليشيات تعمل بلا حسيب أو رقيب، ومساعدة الحكومة الانتقالية لبسط سيطرتها السياسية على البلاد. ومع استمرار القتال وبقاء العقيد طليقا، فإن هذه المهمات تبدو تحديات جسيمة. وفي هذا السياق، أعلنت كلينتون قبل اجتماعها مع قادة المجلس الانتقالي quot;أن العمل الصعب يبدأ الآنquot;.

ويبدو أن المشاكل تتناسل من يوم إلى آخر. فبعد أشهر من الهدوء النسبي في الشرق، فوجئ قادة الانتفاضة بعمق الانقسامات في غرب ليبيا حيث أسفرت سياسة القذافي في محاباة طرف على حساب آخر وتأجيج الصراعات بين المكونات المختلفة عن سلسلة من المواجهات الدموية.

وفجرت مسألة الولاء للنظام السابق نزاعات قبلية وعرقية وإتنية بين القرى العربية وقصبات البربر، بين الميليشيات التي نزلت من الجبال وتلك التي زحفت من المناطق الساحلية، وبين الليبيين ذوي البشرة الفاتحة وجيرانهم من ذوي البشرة الداكنة.

وشهدت السلطة الجديدة سياسات تقسيمية في صفوفها حيث عجزت عن كبح أعمال العنف والملاحقة ضد السود في المناطق الواقعة تحت سيطرتها أو ضبط ميليشياتها التي ارتكب بعضها أعمال نهب أو احرقوا بيوت موالين للنظام السابق ونبشوا أساليب النظام المباد بالاعتقالات الاعتباطية وتعذيب الموقوفين.

وأعرب المحامي فتحي طربيل الذي كان اعتقاله الشرارة التي أشعلت الانتفاضة في شباط/فبراير، عن شعوره بالإحباط إزاء الأنباء التي تتحدث عن ممارسة التعذيب. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن طربيل عضو المجلس الانتقالي حاليا quot;ان هذه الانتهاكات ستجعل الناس يكرهون الثورةquot;.

في غضون ذلك يبدو الانتقال الى الحكم المدني هدفا بعيدا. فان القتال اشاع اجواء حربية من مظاهرها انتشار رجال بملابس عسكرية وشعارات دينية وشكوك أثارتها ظروف الحرب.

وكان حي أبو سليم الشعبي في طرابلس ما زال يضمد جراحه بعد تعرضه إلى اجتياح ميليشيات مناوئة للقذافي قالت إن مسلحين موالين أطلقوا النار عليها بعد خروجهم في تظاهرة.

ولكنّ ليبيين من سكان الحي يحكون رواية مغايرة وقالوا إن مجموعة من نحو 20 شابا مسلحا تظاهروا تأييدا للقذافي وان المقاتلين المناوئين للزعيم المخلوع ردوا بإطلاق النار. ولم تكن هناك آثار مقاومة ضد المقاتلين المناوئين للقذافي الذين كانوا بلا قيادة واضحة وأخذوا يطلقون نيران أسلحتهم الثقيلة بصورة متكررة على العمارات السكنية. وقال ناصر صلاح من سكان المنطقة القدامى quot;إننا نريد حياة كريمة ولكن ليس بهذه الطريقةquot;.

وعاد المقاتلون في اليوم التالي إلى الحي السكني موجهين مدافعهم المضادة للطائرات صوب المباني فيما كان آخرون يقتحمون البيوت للتفتيش عن أسلحة. ولم يكن هناك تعاطف يُذكر للفكرة القائلة إن من حق الموالين للقذافي أن يتظاهروا. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن هشام الكريكشي نائب رئيس المجلس المحلي الذي يعمل مع الحكومة الانتقالية قوله quot;إن الدم ما زال يسيل والوقت مبكرquot;.

وتبدّت تركة الارتياب والشك بشكل صارخ على أطراف سرت مؤخرا حيث قال نازحون انهم كانوا خائفين من مغادرة المدينة بعدما ادخل أنصار النظام السابق في روعهم ان المقاتلين المناوئين ينتظرونهم لسرقة ممتلكاتهم أو القيام بما هو أسوأ. وفي الوقت نفسه كان المقاتلون يعاملون كل شخص تقريبا على انه عدو محتمل. وكان مقاتلون يطوفون على ردهات مستشفى سرت مستجوبين المرضى، بحسب نيويورك تايمز.

وفي شوارع المدينة المدمرة اكتسبت بعض الصراعات زخما جديدا. فان مقاتلي مصراتة الشغوفين بعبارات الفحولة في وصف مدينتهم مثل القول انها quot;مصنع الرجالquot;، اتهموا رفاقهم من مدينة بنغازي في الشرق بالميوعة. وكان مقاتلو بنغازي شكوا من تركهم في أحيان كثيرة يواجهون كتائب القذافي بمفردهم.

وفي غمرة الفوضى اطلق المقاتلون النار على بعضهم بعضا وراء خطوطهم ذاتها. ثم قُتل وأُصيب العديد منهم في معركة سرت التي تعهد قادتهم مرارا أنها ستنتهي سريعا.

وتجدد القتال في سرت منذ أسبوعين بعد جمود، عندما حاصرت قوات المجلس الانتقالي مجمعا ضخما للمؤتمرات استخدمته كتائب القذافي قاعدة لها.

وقال الثوار إنهم أوقفوا تقدمهم خشية إلحاق الأذى بالمدنيين المحاصرين من جراء القتال. ولكن لم يكن هناك ما ينم عن حرص على أرواح المدنيين حين قصفوا مركز المؤتمرات وعمارات سكنية قريبة والمناطق التي وراءها، كما تلاحظ صحيفة نيويورك تايمز ناقلة عن القائد العسكري المصراتي جمال تونالي quot;ان سرت تحترقquot; و quot;انه منظر رائعquot;.

وفي اليوم التالي قُتل جمال تونالي بقذيفة هاون وواصل نجله مصطفى القتال في الشوارع الضيقة وسط المدينة.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز ان الاختلاف صارخ بين المتحاربين مشيرة الى ان الموالين للقذافي منضبطون لكنهم محاصرون في زاوية تضيق شيئا فشيئا من المدينة حيث صدوا مئات من الأعداء بوابل متواصل من نيران القنص والضربات الدقيقة بقذائف الهاون والصواريخ.

وأقنع رفض الموالين الاستسلام قوات المجلس الانتقالي بأنهم يحمون العقيد القذافي أو احد ابنائه. ولعل جثث معدومين اكتشفها الثوار اثناء تقدمهم تؤكد أن الموالين يقاتلون باستماتة.

في غضون ذلك قاد تاجر ناجح من بنغازي رجاله الذين لم يعد بعضهم الى عائلته منذ اشهر، متقدمين بشجاعة وسط نيران القنص. وهاجموا مواقع الموالين للقذافي بقوة نارية ساحقة ولكن بقدر ضئيل من الانضباط، على حد تعبير نيويورك تايمز.