يرى خبراء سياسيون ومعارضون سوريون أن هناك مجموعة من الدلالات لسحب السفير الأميركي من دمشق، وأوضحوا لـquot;إيلافquot; أن أبرز تلك الدلالات هي: التحضير لعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، لاسيما في ظل نجاح التدخل العسكري في ليبيا، أو اندلاع حرب أهلية واسعة تكون الطوائف المكونة للمجتمع السوري والمنشقون عن الجيش والشبيحة وقودها، أو دعم إنقلاب عسكري ضد نظام عائلة الأسد.


متظاهرون يشنقون تمثالاًللرئيس الأسد

تتسارع وتتصاعد وتيرة الأحداث في سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد في منتصف شهر مارس الماضي، لاسيما مع تصاعد حدة قمع النظام للمحتجين السلميين باستخدام شتى أنواع الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة، واغتيال المعارضين. وارتكاب مجازر وأعمال قتل وتعذيب بشعة رصدتها ووثقتها منظمات حقوق الإنسان السورية والدولية وعلى رأسها منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتش ووتش.

إلا أن المجتمع الدولي منقسم بشأن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد النظام الحاكم، بسبب مساندة روسيا والصين له، فيما تتخذ الولايات المتحدة موقفاً متشدداً منه، يتصاعد رويداً رويداً، حتى انتهى إلى سحب سفيرها من دمشق، لأسباب قيل إنها أمنية، حيث أمنه الشخصي صار معرّضاً للخطر، وقيل إنه استدعاء للتشاور. لكنه إجراء في عالم السياسة له مؤشرات خطيرة.

تفسيرات عدة

ووفقاً للدكتور محمد عبد السلام الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فإن هذا الإجراء له عدة تفسيرات أو دلالات سياسية، منها التفسير الإستخباراتي والذي تم الإعلان عنه، أي أن الأمن الشخصي للسفير وكبار أعضاء السفارة صار في خطر، وهذا يستلزم سحب السفير والإكتفاء بصغار الموظفين لتسيير أعمال السفارة. وهذا التفسير أو التقييم له دلالة خطيرة وهو أن الحالة الأمنية في سوريا صارت حرجة، وأن الوضع مرشح للمزيد من التدهور وفقاً لتقديرات الإستخبارات الأميركية.

العمل عسكري غير مستبعد

وقال عبد السلام لـquot;إيلافquot; إن المعلومات الإستخباراتية الأميركية ربما تخشى من ردود فعل عنيفة ضد سفيرها في دمشق، لاسيما بعد تصاعد حملات التحريض الإعلام ضده، على أثر القيام بعدة جولات ميدانية في المناطق التي تشهد إحتجاجات.

مشيراً إلى أن هناك تفسيرا سياسيا آخر للسحب السفير يؤشر على أن واشنطن غاضبة جداً من طريقة تعامل النظام السوري مع الإحتجاجات المندلعة ضده منذ منتصف مارس الماضي، ويعتبر إجراء سحب السفير من الإجراءات الإحتجاجية في عالم الدبلوماسية الخطيرة، بما يعني أنها لا تتحمل أية تبعات أخلاقية لما يجري بشأن انتهاكات حقوق الإنسان هناك، لاسيما أن هناك العديد من التقارير الخاصة بمنظمات حقوقية تتحدث عن جرائم ضد الإنسانية يرتكبها النظام السوري.

ويستطرد عبد السلام في قراءة دلالات سحب السفير الأميركي من دمشق، قائلاً إن هذا الإجراء يعني في النهاية انتهاء الإتصالات السياسية المباشرة بين واشنطن ودمشق، وأن العلاقات الأميركية السورية وصلت إلى نقطة اللاعودة. متوقعاً اتخاذ الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سلسلة جديدة من الإجراءات الأعنف، قد يكون من ضمنها التحضير لعمل عسكري. وهذا سيناريو غير مستبعد.

الصبر الأميركي حيال بشار نفد

وحسب وجهة نظر السفير السابق محمد موسى، فإن الأوضاع في سورية صارت خطيرة، في الوقت الذي لا يبدي النظام الحاكم أية إستجابة أو ليونة ممكنة للسيطرة عليها، حيث يستمرّ في التصعيد العسكري والأمني ضد المحتجين السلميين بشكل غير مقبول من المجتمعين العربي والدولي، وقال مرسي لـquot;إيلافquot; إن إجراء سحب السفير الأميركي من سوريا يدل على أن صبر أميركا حيال النظام السوري قد نفد، ولم تعد هناك فائدة من مواصلة التعاون معه سياسياً.

لافتاً إلى أن هذا الإجراء يشير أيضاً إلى أن quot;طبخة ما تعدّ في الغرف المغلقةquot;، ولا يمكن قراءة هذا الإجراء بمعزل عن طلب أميركا من رعاياها مغادرة سوريا، أو التحذير الصادر من السفير الأميركي والأمم المتحدة بشأن احتمالات حرب أهلية وشيكة في سوريا، لاسيما في ظل تسليح العديد من الطوائف نفسها أو عن طريق النظام نفسه الذي يرى أن إشعال الحرب الأهلية سيضمن له البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

ولم يستبعد موسى اتخاذ إجراءات عسكرية ضد سوريا، لاسيما بعد نجاح التدخل العسكري من قبل الناتو في ليبيا، بموافقة من جامعة الدول العربية التي بدا واضحاً أن صبرها بدأ ينفد حيال بشار الأسد أيضاً، وظهر ذلك في تصعيد لغة الإنتقاد ضده من قبل دول مثل قطر والسعودية، وهما دولتان تتمتعان بنفوذ واضح في الجامعة في المرحلة الراهنة.

الثورة السلمية وصلت لطريق مسدود

لكن كيف تنظر المعارضة السورية لهذا الإجراء؟ وتأتي الإجابة على لسان المعارض السوري في القاهرة أحمد رياض غنام، الذي يقول لـquot;إيلافquot; إن خروج السفير الأميركي من دمشق يؤكد أن الأوضاع في سوريا خطيرة جداً، وأن الثورة السلمية وصلت إلى طريق مسدود، مشيراً إلى أن الشعب السوري وأميركا والمجتمع الدولي باتوا يدركون أن السوريين لن يستمروا طويلاً في تقديم المزيد من الشهداء والجرحى مجاناً، وأن الثورة السلمية وصلت إلى نقطة صار معها حمل السلاح أو التدخل العسكري أمراً لا مفر منه، لإسقاط النظام القمعي الوحشي، الذي يستمر في سفك دماء المتظاهرين السلميين في كل دقيقة، بل كل ثانية.

وأضاف غنام أن الإجراء الأميركي الجديد له ثلاث دلالات: الأول أن واشنطن لم تر أنه لا فائدة من الحوار مع النظام السوري، وأنه بدأ العد التنازلي بشأن اتخاذ إجراءات عسكرية ضده، تساهم في حقن دماء السوريين العزل الذين يسفكهذا النظامدماءهم، لاسيما أن التدخل العسكري في ليبيا أثمر عن إسقاط نظام القذافي وأبنائه، ويبدو أن هذا السيناريو غير بعيد عن الدراسة في أروقة السياسة الأميركية والغربية. لكن غنام شخصياً يستبعد أن تكون عمليات للناتو تلوح في الأفق.

حرب أهلية وشيكة

وأوضح غنام أن الدلالة الثانية تتمثل في أن هناك مؤشرات قوية لدى الإدارة الأميركية على أن حرباً أهلية وشيكة تلوح في الأفق، مشيراً إلى أن جميع معطيات تلك الحرب متوفرة، ومنها انشقاق العديد من قادة الجيش والآلاف من الجنود الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن المتظاهرين السلميين وقيادات المعارضة في الداخل، وكوّنوا الجيش السوري الحرّ، وهؤلاء يحملون السلاح ولديهن خبرة كبيرة بالعمل العسكري. وتابع غنام سرد معطيات الحرب الأهلية، قائلاً: انتشرت حمى التسلح بين العديد من الطوائف، كما أن النظام السوري نشر السلاح بأيدي الشبيحة بكثرة، مؤكداً أن كل هذا يؤشر على أن النظام يسعى إلى إشعال الحرب الأهلية بين السوريين ليضمن لنفسه الإستمرار في الحكم حتى ولو على أنقاض سوريا وعلى جثث السوريين.

إنقلاب عسكري

ونوه غنام بأن هناك سيناريو غير مستبعد أيضاً، وهو سيناريو الإنقلاب العسكري، تقوم به قيادات في الجيش من المنتمين للطائفة العلوية، مشيراً إلى أن هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، وسوف يكون قليل الكلفة للمجتمع الدولي، وسيحقن دماء السوريين، متوقعاً أن تنتهي أو تنتصر الثورة السورية بهذا الشكل.