الديمقراطية في تونس

يشغل النظام السياسي المقبل بال التونسيين من خبراء ومتخصصين وصحافيين، ويتبادلون أطراف الحديث حول ما هو أفضل لمستقبل تونس، وما هي نقاط الضعف في مختلف الأنظمة، أكانت ديمقراطية أم ديكتاتورية، معللين اهتمامهم بتحقيق كل ما يصبّ في مصلحة الدولة والشعب.


تونس: تشكل المجلس الوطني التأسيسي التونسي بعد عرس حقيقي للإنتخابات، سيكون نموذجًا لبلاد عربيةأخرى تجتاحها ثورات.. وفي انتظار بدء أشغال المجلس وانطلاق النقاشات حول ما سيتضمنه الدستور الثاني للجمهورية التونسية الثانية، بدأ البعض يتجاذب أطراف الأحاديث من هنا وهناك، مركزين على النظام السياسي الأفضل لمستقبل تونس، والقادر على حمايتها من الديكتاتورية، والقاطع نهائيًا مع عودة الإستبداد والقهر والظلم.

البعض يشيد بالنظام البرلماني، الذي نجح في عدد من البلدان الديمقراطية.. والبعض الآخر يخيّر بين النظام الرئاسي أو الرئاسوي، ويرى أنه الأفضل للمرحلة الراهنة، وشق ثالث لا يرى غير النظام المختلط سبيلاً لقطع الديكتاتورية وبدء مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية.

أما الخبير في القانون الدستوري قيس سعيد فقد تحدث قائلاً: quot;الإشكال ليس في شكل النظام الذي نريده، بل في طبيعة هذا النظام، برلمانيًا كان أم رئاسيًا معدلاً، دعوات مختلفة تظهر في الواقع رد فعل على النظام الرئاسي، الذي كان سائدًا في تونس أكثر من أن يكون تصوراً جديدًا لنظام سياسي جديد، وبالتالي لا بد أن يكون الإختيار بناء على واقع آخر بعيدًا عمّا يدور بين النخب السياسيةquot;.

أضاف قيس سعيد في حديث لـquot;إيلافquot;: quot;النظام الديمقراطي يجب أن يقوم على مبدأ تفريق السلطات، سواء كان النظام رئاسيًا أو برلمانيًا، لأن التوازن الذي يخلق الديمقراطية، ويجب ألا يختل هذا التوازن، أي أن تكون قوة واحدة تسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن ما حصل في تونس في دستور 1959 والإنحرافات والإختراقات سببها هيمنة حزب سياسي واحد على كل السلطات. وبالتالي لا بد من العمل أولاً على إيجاد التوازن بين مختلف السلطات في مختلف الفواصل المنظمة للنظام السياسيquot;.

وأشار الخبير قيس سعيد إلى أنّ البعض يرون أّن النظام الرئاسي يقوم على سيطرة رئيس الجمهورية، وهذا غير صحيح، كما هو الشأن في الولايات المتحدة، كما يرى البعض الآخر أنّ النظام البرلماني هو القادر على تحقيق التوازن المنشود، لأن هذا النظام يمكن رئيس الوزراء من اختصاصات عدة.

أما النظام البرلماني فهو نوع من أنواع الحكومات النيابية، ويعتمد على مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه، ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

السلطة التنفيذية في هذا النظام البرلماني تتكون من طرفين رئيسين، هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء، إلى جانب عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان. أما الحكومة فهي مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية، ومسؤولية الوزراء يمكن أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة إلى الأعمال التي يقومون بها.

وعن النظام السياسي الذي يجب أن يكون، قال قيس سعيد: quot;النظام السياسي الأفضل لبلادنا يجب أن يكون قائمًا على التوازن بين السلطات، ولا يكفي التنصيص على جملة من الآليات لتحقيق التوازنquot;.

من جهته، قال الخبير حسين الديماسي: quot;لا بد أن نرسي في تونس نظامًا سياسيًا يحول دون الإنفراد بالسلطة، ولكن وفي الوقت نفسهيضمن حدًّا أدنى من الإستمرارية في الحكم، لأن هناك قضايا مهمة جدًاوخطرة، ومنها المنظومة التربوية، ومنظومة المالية العمومية، ومنظومة الضمان الإجتماعي وغيرها، وهي تتطلب تركيزًا كبيرًا. وبالتالي يجبألا يسمح النظام السياسي بالإنفراد بالحكم، وفي الوقت نفسهلا بد من الإستقرار والإستمرارية في الحكمquot;.

وأضاف الديماسي لـquot;إيلافquot;: quot;النظام السياسي يمكن أن يجمع بين البرلماني والسياسي، ولكن بوضع بعض الشروط التي تفرمل هذا وذاك، ومثال ذلك ألا نسمح بأن نضع قانونًا يخوّل للبرلمان بنسبة 51% الإطاحة بالحكومة، وهذا خطر كبير، وبالتالي لا بد من وضع شروط، ومنها مثلاً أن نقول إنّ ثلثي البرلمان يمكن لها إسقاط الحكومة حتى يكون هناك استقرار، وفي الوقتنفسههناك رقابة، سواء على الحكومة أو على الرئيس، فلا لنظام رئاسي يمكن أن يواصل الدكترة، ولا لنظام برلماني يكون الوضع فيه هشًّا ويوصل إلى الفوضى وعدم الإستقرار، وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي يمكن لهم أن يوجدوا المخارج التوفيقية لهذا النظام، الذي يصلح لتونس المستقبلquot;.

الخبير والوزير السابق منصور معلّى، وفي حديث على القناة الوطنية التونسية، تحدث عن موضوع النظام السياسي قائلاً: quot;من الصعب على المرء أن يقبل العودة إلى النظام الذي بسببه كانت الثورة التونسية، ومن غير المعقول أن نقوم بثورة في كل عشريتين للتخلص من رئيس ديكتاتوري، وبالتالي لا بد من القطع نهائيًا مع النظام الرئاسي،والبعض يعيب على النظام البرلماني عدم الإستقرار، ودائمًا يتم الإستشهاد بالنظام الإيطالي، ولا يذكرون ألمانيا وأنكلترا.

ففي النظام البرلماني يمكن الإستقرار، ويجب معرفة فحواه، حيث لا سلطة لها القدرة على أن تطغى على سلطة أخرى، ورئيس الدولة ينتخبه البرلمان، وهو الذي يقيله إذا لم يقم بواجبه، كما إن البرلمان يراقب الحكومة، والنظام البرلماني يعطي الحق لرئيس الوزراء أن يحلّ البرلمان، وتتم العودة إلى الإنتخابات، وبالتالي فالبرلمان مراقب وكذلك الحكومة، كما إنّ النظام البرلماني مرتبط بالنظام الإنتخابي، وكان من الأفضل بالنسبة إلى تونس، وقبل الإنتخابات، أن يقع تحديد نسبة 10% مثلاً لدخول المجلس التأسيسي حتى لا نجد عشرات الأحزابquot;.

من ناحيته، دعا ياسين إبراهيم المدير التنفيذي لحزب quot;آفاق تونسquot;إلى القطع مع النظامين الرئاسي والبرلماني لفائدة نظام سياسي مختلط، يحدّ من سلطات رئيس الجمهورية، حتى لا تعود الدكتاتورية من جديد ومن أي باب.

ويقول نور الدين البحيري عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة لـquot;إيلافquot;: quot;نحن مع النظام البرلماني، الذي نرى أنه الأفضل لتونس، وقد أوردنا ذلك في البرنامج الإنتخابي للحركة، ولكن النقاش داخل المجلس الوطني التأسيسي لا يكون داخل المجلس فقط، بل من الضروري إشراك الجماهير وجمعيات المجتمع المدنيوالأحزاب غير الممثلة في المجلس التأسيسي، وبالتالي ليس لنا رأي نريد أن نفرضه على الجميع، بل نتشاور مع كل الأطراف، ونتفق على الخيار الأصلح لبلادنا.

وفي ذلك دور كبير للإعلام والجامعات والنخب، حتى تتحول تونسخلال تلك المرحلة إلى ورشات للنقاش حول ما يجب أن يتضمن الدستور، وما يتم الإتفاق والتوافق حوله هو الذي سيكون دستورًا لتونس، لأننا نعتبر أن رأينا صواب يحتمل الخطأورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ونحن منفتحون على كل الآراءquot;.

من جانبه، أشار الصحافي في جريدة الصباح التونسية مختار غزيل إلى أنه: quot;نظرًا إلى التصحر الكبير الممنهج الذي عاشته بلادنا حوالى ربع قرن، والذي مسّ كل القطاعات، جاء هذا الزخم من التجاوب السياسي والكمّ الهائل من الأحزاب، التي بدأ بعضها يسير نحو الزوال، بعد خوض غمار الإنتخابات، والآن وبعد انتخاب المجلس التأسيسي لصياغة دستور للبلاد، تتوزع آراء النخبة ومكونات المجتمع المدني حول النظام السياسي للبلاد، الذي يجب إقراره، لكن الجميع يتفقون أنّ ذلك مهمّة من يصوغون الدستور، والذين عليهم إما إقرار النظام البرلماني أو النظام المزدوج وعدم الإنطلاق إلى النظام الرئاسي.

لكن هناك شبه إجماع في الأوساط السياسية والمجتمعية حول النظام البرلماني الرئاسي المزدوج، الذي يحدد السلطات ويراقب الحكومة، وأهم مطالب الشعب حاليًا هي الإسراع في تكوين الحكومة وتوزيع مقاعدها، وأن يكون التوافق هو السائد، والإنكباب حالاً على حلّ المشاكل الإجتماعيةوالإقتصادية، التي تعيشها البلاد، ورفع المعاناة عن المواطن، الذي أصبح عاجزًا عن توفير معيشته، إلى جانب منح الأولوية لاستتباب الأمن والتشجيع على الإستثمارquot;.

أما الصحافي محسن الزغلامي (جريدة الصباح)، فقال: quot;لقد جرّبنا النظام الرئاسي، وآل إلى ما آل إليه من تكسد واستبداد، وهو ما جعلنا نصل إلى مرحلة الرئاسة مدى الحياة في العهدين الماضيين، وهي معلنة في عهد بورقيبة، وخفية في عهد المخلوع، وبالتالي في رأيي علينا أن نجرّب النظام البرلماني المعدل نسبيًا، والذي لا تتحول فيه السلطة المطلقة من رئيس الجمهورية إلى البرلمان، وبالتالي يجب أن يكون معدلاً، ووضع الإختيارات الكبرى الإقتصادية والإجتماعية بيد الحكومة المنتخبة فعلا، وبالتالي يكون النظام البرلماني المعدل أفضل لتونس، بعد التجربة المريرة طيلة نصف قرن من النظام الرئاسي، الذي أدى بنا إلى التخلف والديكتاتورية والرئاسة مدى الحياة.