بعدما بدا في وقت ما أن حلم الدولة الفلسطينية ليس بعيد المنال، إلا أنّ إعلان واشنطن استخدام laquo;الفيتوraquo; لمنع إضفاء الشرعية عليها صعّد الأمور. مع ذلك فقد حقق محمود عباس نصرًا دبلوماسيًا استنادًا إلى تأييد يريطانيا وفرنسا، لكن هذا نفسه تبدد مع إعلان لندن أنها ستمتنع عن التصويت، نزولاً عند الرغبتين الإسرائيلية والأميركية في ما يبدو.


لا دولة فلسطينية إلا بإذن إسرائيل وأميركا

صلاح أحمد: أدرجت بريطانيا موقفها الرسمي من شرعية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، بعدما قال مندوبها للجنة الهئية الدولية المختصة بالموضوع إنها ستمتنع عن التصويت. وهي تنضم بهذا القرار إلى فرنسا، لتصبح الدولتان بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين، الذين سيمتنعون عن تأييد الفلسطينيين، إضافة إلى كولومبيا، التي تتمتع بعضوية المجلس حاليًا.

ورغم أن قرار بريطانيا أو فرنسا، أكان في مصلحة الدولة الفلسطينية أو ضدها، لا يؤثر على الناتج النهائي، بسبب القرار الأميركي المسبق باستخدام الفيتو (حق النقض) لمنع وضعه موضع التنفيذ، فإن له مضامين أخرى مهمة. ومن أبرزها أن دعمًا بريطانيًا و/أو فرنسيًا للمشروع سيعتبر انتصارًا دبلوماسيًا مدوّيًا للرئيس الفرنسي محمود عبّاس، وإن لم تقم دولته نفسها بسبب الفيتو الأميركي.

من هذه المضامين أيضًا أن تصويت بريطانيا لمصلحة الدولة الفلسطينية يعني منعطفًا حادًا في أسلوب تعامل لندن مع حكومة بنيامين نتنياهو والعلاقات المتوترة بين الطرفين منذ تولي حكومة ديفيد كامرون مقاليد الأمور في العام الماضي. ويذكر أن بريطانيا تعرّضت لضغوط هائلة من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وسط الجدل الساخن، الذي أعقب انسحاب عباس من المفاوضات مع إسرائيل احتجاجًا على مضيها في إقامة المستوطنات، ودعوته إلى إعلان الدولة من جانب واحد.

وربما كان معلومًا أن صوت وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، كان بين الأعلى التي أدانت السياسات الإسرائيلية، وليس آخرها عندما صادق نتنياهو على مزيد من المستوطنات، وعلّق تسليم إيصالات الضرائب للسلطة الفلسطينية عقابًا لها على نجاح مساعيها إلى المتمع بالعضوية الكاملة في هيئة اليونيسكو. ويذكر أنه بينما صوّتت فرنسا لمصلحة خيار العضوية، لم تقف بريطانيا ضده، واكتفت بعدم التصويت.

وقد أدلى وزير الخارجية البريطاني ببيان له، جاء فيه أن برنامج إقامة المستوطنات laquo;يفتقر الشرعية تحت مظلة القانون الدولي. ووصفه بأنه laquo;العمل الأخير في سلسلة استفزازية من القرارات المتعلقة بها، بما يعرقل المسيرة نحو السلام بين الطرفينraquo;.

ونقلت صحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية عن مسؤول دبلوماسي، لم تسمّه، تصريحًا جاء فيه أنه بينما تؤيّد بريطانيا laquo;مبدأraquo; الدولة الفلسطينية، وتقرّ بأن السلطة الفلسطينية أوفت بكل متطلبات laquo;القوى الخارجيةraquo; لاكتساب شرعية الدولة، فإن laquo;الواقعية السياسيةraquo; تعني أن وقت هذه الاعتراف بهذه الدولة لم يحن بعد. ويمضي هذا الدبلوماسي قائلاً: laquo;الرمزية وحدها لن تأتي حقًا بدولة فلسطينية لا تمت إلى الأمر الواقع بكثير صلة. بل إنها قد تصبح مضرّة، لأنها ستضع التطلعات والأماني على مستوى لا يمكن الوصول إليهraquo;.

عباس ونتنياهو

ويتوقع من وزير الخارجية البريطاني الآن أن يؤكد لنواب برلمان ويستمنستر يوم الأربعاء المقبل نية بلاده الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن لمصلحة إقامة الدولة الفلسطينية.

ووفقًا للمحللين الغربيين، فإن هذا سيشكل نكسة لمحمود عباس، الذي يعاني أصلًا هزيمة إعلامية ndash; على الأقل ndash; تلقاها على يد منافسته laquo;حماسraquo;، بعدمبادلتها أكثر من ألف فلسطيني في سجون إسرائيل مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

وسيجاهد عباس حتى من أجل تلقيه الأصوات التسعة (من مجموع 15 هي عدد أعضاء مجلس الأمن) اللازمة لاعتماد مشروعه في حال امتنع الستة الآخرون عن التصويت.

ويذكر أن هذا الوضع يتباين بشكل صارخ مع وضعه سابقًا عندما بدا في وقت ما أنه سيفوز بنصر مدوٍ في مسعاه.. لولا أن الموقف الأميركي الأخير قلب الأمور رأسًا على عقب.

وكان عباس يأمل ndash; على الأقل - في الحصول على دعم فرنسا، التي تدعو الآن إلى ما تسمّيه laquo;الحل الوسطraquo;، وهو ترقية المقام الفلسطيني من صفة laquo;مراقبraquo; في الأمم المتحدة إلى laquo;دولة غير عضوraquo;. لكن هذا رُفض جملة وتفصيلاً من جانب إسرائيل، بينما قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي نفسه إن هذا الحلّ لا يناسب التطلعات الفلسطينية.