بعد إنشاء إسرائيل، عمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تغيير أسماء الكثير من المدن والأماكن، وهو ما اعتبره الفلسطينيون محاولة لطمس الوجود العربي الفلسطيني التاريخي، في موازاة قيامها بعملية إلغاء الطابع الفلسطيني للحيز والمكان وتهويد الأرض في المدن الفلسطينية التاريخية والقرى التي هجرت اثر نكبة 1948.


طفل فلسطيني يحمل علم بلاده وإلى جانبه شعار حملة يدل على التشبث بالأرض

كشفت صحيفة quot;هآرتسquot; أخيرًا عن خطة لبلدية بئر السبع الإسرائيلية، تهدف إلى تحويل العقارات والمباني التي تعود إلى الحقبة العثمانية إلى مساكن للطلبة في البلدة القديمة، وذلك بموجب اتفاق وقعته البلدية وquot;مديرية أراضي إسرائيل-المنهالquot; لتحويل عشرات المباني إلى ملكية بلدية بئر السبع، والتي بموجبها سيتم تنظيم معارض ومتاحف ونشاطات ثقافية وتربوية وفنون بهدف إحياء البلدة القديمة.

إلا أن هدفها الرئيس يندرج ضمن المساعي الإسرائيلية إلى طمس المعالم العربية والفلسطينية عبر تهويدها بكل السبل، وفق ما يؤكده السكان العرب هناك.

ومنذ قيام دولة إسرائيل عام 1948 عملت السلطات الإسرائيلية على تهويد الحيز والمكان الفلسطيني، من خلال عملية مدروسة وممنهجة لتغيير وتهويد الأسماء، ومحو ماضي وحاضر الأرض وتحقيق هدف السيطرة على الأرض والحيز والمكان الفلسطيني وتغييره وتهويده، وما تقوم به بلدية بئر السبع هو حلقة من مسلسل تشويه الواقع وصراع البقاء الذي تقوم به إسرائيل.

شرعنه المصادرة لتمرير التشويه
استعملت المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة التخطيط كوسيلة لتنفيذ أهداف المشروع الصهيوني تهويد الأرض ومحو واقعها العربي الفلسطيني، وقامت بتشريع وشرعنة القوانين لتنفيذ سيطرتها على الأرض، لخلق طابع إسرائيلي مختلف عن تاريخ الأرض والمكان الفلسطيني وتغييره لمصلحة الغالبية اليهودية.

وقامت بإتباع مسارين في سياستها لطمس وشطب الحقيقة التاريخية والوجود العربي التاريخي، إضافة إلى مشروع يميز ضد من بقي في هذه المدن وقبل المواطنة. متجاهلة التاريخ الحيزي والمعماري، إضافة إلى تجاهل الاحتياجات الحيزيَة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأقلية الفلسطينية، وذلك بهدف تغيير المكان والحيز ومحوه من الواقع ومن الذاكرة، بهدف خلق حيز مشوّه، يرمي بالأساس إلى تضييق الخناق على الأقلية الفلسطينية، وتزييف الوعي الجماعي وتشويه التاريخ وتفريغ الذاكرة الحية وطمس الهوية الوطنية الفلسطينية.

بن غريون أمر بالتحريف
بدأت عملية تحريف وتزوير الأسماء العربيّة بقرار من حكومة بن غريون الأولى، وتحريفها لتسميات وردت في التوراة لإبراز رواية تاريخية، استغلتها الصهيونية، لتثبت أن لليهود حقًا تاريخيًا على هذه الأرض. ولتكريس الإدعاء الصهيوني بأن فلسطين كانت أرضًا بدون شعب، فمنذ النكبة تم تغير أسماء أكثر من 90% من القرى ومعالمها، وباتت تحمل أسماء عبرية، وعملت على quot;عبرنةquot; أكثر من ثمانية آلاف اسم لمواقع فلسطينية، منها 5000 موقعًا جغرافيًا، وبضع مئات من الأسماء التاريخية، و1000 اسم مستعمرة ومستوطنة، تم إقامتها على أنقاض قرى وبلدات ومدن الشعب الفلسطيني، بحيث تصبكل التسميات الجديدة للمواقع في خدمة المخطط الإسرائيلي لخلق مشهد جغرافي آخر متصل باليهود.

منصور: التحريف تم بصورة ممنهجة لاستهداف الذاكرة الجماعية
المؤرخ الفلسطيني جوني منصور قال لـquot;إيلافquot;: quot;قرار عبرنة الحيز والمكان الفلسطيني بادر إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دافيد بن غوريون، من خلال إقامة قسم خاص بديوانه مكون من 24 عضواً خبيراً في الجغرافيا والتاريخ والتوراة والآثار، وأوكل إليهم وضع تسميات عبرية للقرى والمدن الفلسطينية المهجرة، حيث وضعت 560 اسماً حتى العام 1953 بهدف إحداث تغيير الأسماء العربية، إن كانت فلسطينية أو عربية، وخصوصًا أسماء المواقع وذلك بهدف تشويه الأسماء، وإعطاء أسماء العبرية بدلاً منها.

وأضاف :quot;هناك مثلاً بعض الأسماء التي تم تحريفها بعبرنة الاسم، مثل شارع المأمون في حيفا الذيتحول إلى quot;إني مامينquot;، وشارع حسان بن ثابت أصبح quot;حوسنquot;، هذا إلى إتباع تغيير منهجي للأسماء، مثل مفترقات طرق رئيسة، استبدلت بأسماء عبرية وأسماء توراتية، كمفترق مسكنة في الجليل، الذي تحول إلى quot;غولانيquot; على اسم أبرز فرق النخب العسكرية في الجيش، ومفترق شوكة في النقب الذي تحول إلى quot;شوكتquot;، ومدينة صفد تحولت إلى quot;تسفاتquot; وبئر السبع إلى quot;بئير شيفعquot;، وهذا ليس الاسم العربي لها طبعًا.

وختم منصور بالقول: يمكن الاستنتاج أن عملية التحريف تمت بشكل منهجي، وتم استبدال الأسماء العربية بأسماء عبرية، بهدف تشويه الذات والثقافة الفلسطينية لدى فلسطينيي الـ48.