رغم أن دولة جنوب السودان الوليدة لا تزال تغرق في نشوة الاستقلال إلا أنها أيضًا باتت تعاني العديد من المشاكل القديمة والدخيلة، ومنها المخدرات والقادمين الأجانب واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.


احتفالات الجنوب بالاستقلال ما زالت مستمرة

بعد ثلاثة أشهر على إعلان دولة جنوب السودان، ما زالت العاصمة جوبا تعيش أفراح المناسبة ونشوتها. وتتبدى مظاهر البهجة بالاستقلال في ملصقات دعائية وإعلانات تجارية يظهر فيها مواطنون سعداء يقبلون على شراء سلع من كل صنف فضلاً عن تزايد عدد السيارات الجديدة في شوارع العاصمة.

وتعتبر هذه المظاهر شكلاً من أشكال التفاؤل المادي الذي اكتسب دلالات تكاد تكون تعبيراً عن الروح الوطنية بعد عقود من التضحيات والحرمان. ونقلت مجلة تايم عن عائشة جوري علي التي أنشأت أول شركة جنوب سودانية لتنظيم الفعاليات الاجتماعية وحفلات الزفاف quot;أن آباءنا عانوا كثيرا لإيصالنا إلى هذه المرحلةquot;. ولاحظت عائشة تزايد الزيجات في الأشهر التي سبقت الاستقلال مباشرة والأشهر اللاحقة. وقالت quot;إن أي مناسبة تجلب السعادة حدث كبيرquot;.

لاتجور جيمس مايول جنوب سوداني آخر ابتاع مقابل 90 ألف دولار سيارة ليموزين فارهة لتأجيرها في مثل هذه المناسبات. وهو يقول إنه لا يعرف إن كان مشروعه سيثبت جدواه التجارية، ولكنه يضيف quot;إذا كان الناس سعداء فاني اشعر بأنني ناجح في عمليquot;.

ويتوافد آخرون على جوبا بأمل استثمار الفرص المتاحة في العاصمة. ويقف فيلمون تسيغوي وسط ما يقول إنه سيكون أفخر فندق في المدينة. ويطمح تسيغوي الذي جاء من اريتريا بأن يكون اصغر صاحب فندق في جوبا، وهو يؤكد أن هناك اوغنديين ولبنانيين وكينيين وآخرين quot;جاؤوا من كل مكانquot;.

ومنذ وقّعت الخرطوم وجوبا اتفاق السلام الشامل في عام 2005 توافد على جنوب السودان رجال أعمال وحرفيون وعمال ماهرون وغير ماهرين من سائر أنحاء المنطقة للمساهمة في بناء جوبا من الصفر.

ورحّبت الحكومة بمجيء الأجانب وخاصة من أمثال تسيغوي الذين يأتون ومعهم رأسمال يعتزمون تشغيله للتخفيف من نقص الاستثمار والأيدي العاملة في بلد غالبية سكانه أمضوا سنوات حياتهم في محاولة البقاء على قيد الحياة وسط نزاع عنيف وليس في اكتساب المهارات المطلوبة لبناء الاقتصاد. وقال تسيغوي انه لم يكن يريد المجيء إلى جوبا، ولكنه يحب المدينة الآن.

الوافدون إلى جوبا ليسوا جميعهم يشاطرون تسيغوي تفاؤله. فإن سودانيين من ولايات دارفور وابيي وجنوب كردوفان والنيل الأزرق في الشمال توجهوا إلى جوبا في الأشهر الماضية هربا من القتال أو للبحث عن حياة أفضل في دولة يشعرون أنها متعاطفة مع قضاياهم في مواجهة حكومة الخرطوم.

وقال ادريس آدم ابراهام الذي هرب من دارفور إن هؤلاء الأشخاص اختاروا جنوب السودان quot;لأننا أصحاب أرض واحدة ولون بشرة واحد وثقافة واحدة ولدينا أعداء مشتركونquot;. وبعد استقلال الجنوب انتقل ابراهام مع زوجته الشابة وابنه ذي الخمس سنوات إلى جوبا بأمل الاستقرار فيها. ويقول أبراهام quot;إن أهل جنوب السودان يرحّبون بنا أحياناً، وكثيرين منهم يبدون تفهماً، ولكنهم يحملون آثار الحرب وعاشوا تجارب قاسيةquot;.

ورغم أجواء التفاؤل في جوبا فان كثيرين يشعرون بالقلق إزاء قدرة الحكومة على الاهتمام بمواطنيها ناهيكم عن تدفق اللاجئين والعمال الأجانب. وكان الجنوب تلقى نحو 10 مليارات دولار من عائدات النفط منذ عام 2005، ولكن الخدمات ما زالت شبه معدومة في أنحاء البلاد.

وحتى في العاصمة حيث معدل الفقر يقل بنسبة 50 في المئة عن معدلاته في الريف فان كثيرين يعيشون أوضاعا صعبة بسبب انشغال الحكومة في التعامل مع المشاكل المرتبطة بالبناء الحضري. وقال نائب وزير الداخلية الفريق سلفا ماتوك غينغديت لمجلة تايم إن quot;هناك تهديدات كثيرة من تبييض الأموال والتزوير، وتجارة المخدرات، وهي كلها جديدة عليناquot;.

وتعاني قوات الشرطة التي كان الكثير من أفرادها مقاتلين ليسوا مؤهلين لعمل الشرطة، من نقص الموارد والمعدات في مواجهة معدلات الجريمة المتصاعدة بتأثير ارتفاع غلاء المعيشة وغياب الفرص بعد عقود من الحرب.

ويحذر مراقبون من آثار الفوارق المتسعة بين الأغنياء والفقراء في جوبا على دولة قامت بدعوى معالجة اللامساواة في ظل سيطرة الخرطوم.

وباستثناء صناعة النفط التي توفر 98 في المئة من ميزانية الدولة فان قطاع البناء في جوبا هو الوحيد الذي يشهد نموًا. وفي الريف حيث يعيش 85 في المئة من سكان جنوب السودان تكون الصورة معكوسة. فالمدارس قليلة والخدمات الصحية تتوفر بالحدود الدنيا والنزاعات القبلية المزمنة تستنزف طاقات جيل بعد آخر في أعمال العنف المرتبطة بها.

وتقول ليز غراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في جنوب السودان إن هناك خطر انبثاق دولتين باسم جنوب السودان، دولة للأثرياء وأخرى للفقراء. ودعت غراندي الحكومة إلى توزيع الثروة النفطية بحيث لا تقتصر منافعها على النخبة من خلال برامج تنموية وأخرى لمساعدة العائلات الفقيرة.