عناصر من مجاهدي خلق يتظاهرون ضد ترحيلهم |
برغم الضغوط الدولية الكبيرة التي تواجهها الحكومة العراقيّة لتأجيل قرارها إغلاق معسكر quot;أشرفquot; للمعارضة الإيرانيّة في شمال بغداد عن الموعد الذي قررته لذلك في نهاية الشهر المقبل، فإنها مصرّة على تنفيذ القرار، ولكنها تدرس الآن خيارين لتنفيذ هذا الهدف على مرحلتين: الأولى بنقل سكانه إلى موضع آخر داخل العراق... والثانية نقلهم بعد ذلك إلى أربع دول غربية بصفة لاجئين.
أبلغ مسؤول عراقي كبير التقى بمسؤولين في الخارجية والبيت الأبيض الأميركيين في واشنطنأخيرًا quot;إيلافquot; اليوم أنه شعر بوجود ضغط هائل من الإدارة الأميركية على بغداد، التي أبلغتها بأن علاقاتها الدولية ستتضرر في حال تنفيذ عملية الترحيل في نهاية الشهر المقبل، وقبل إنجاز المتطلبات الإنسانية والقانونية لهذا الترحيل، الذي سيشمل جميع سكان المعسكر، البالغ عددهم 3250 فردًا، بينهم ألف من النساء والأطفال.
وأشار إلى أنّ هذه الضغوط مصدرها الولايات المتحدة ودول في منظومة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى منظمات دولية لحقوق الإنسان، وخاصة العفو الدولية. وأضاف المسؤول العراقي إن بغداد قد تم تحذيرها من أنها ستكون عرضة لمواقف مضادة من قبل هذه الهيئات، التي ستوجّه إليها اتهامات بخرق المواثيق الدولية بخصوص اللجوء وحقوق الإنسان.
وأوضح أنه في مقابل ذلك فإن السلطات الإيرانية تمارس ضغطًا هائلاً على الحكومة العراقية للالتزام بالموعد الذي حددته لنفسها للتخلص من المعسكر، حيث تشكو بغداد حاليًا من أنها قد منحت المنظمات الدولية ستة أشهر لتنظيم عملية الترحيل إلى بلدان ثالثة، والإعداد لذلك من خلال إجراء مقابلات مع سكان المعسكر، لكن شيئًا من ذلك لم يحصلحتى الآن.
وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن معظم الدول الغربية، التي كانت مرشحة لقبول سكان المعسكر كلاجئين، ترفض ذلك حاليًا لأسباب اقتصادية، ولأن المنظمة مازالت على لائحة الإرهاب في بعض الدول.
وقال إنه لكل هذه الأسباب فإن الحكومة العراقية تدرس خيارين الآن للتخلص من المعسكر الواقع في شمال شرق بغداد، الأول هو ترحيلهم إلى صحراء محافظة الأنبار الغربية (110 كم غرب بغداد) أو صحراء محافظة السماوة (220 كم جنوب بغداد) وإن كان هذا الخيار هو الأكبر.
وأضاف أن كلاً من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا قد أعطى موافقة على منح سكان المعسكر اللجوء السياسي أو الإنساني على أراضيها، وهي إجراءات تتطلب وقتًا، وتستوجب تمديد مهلة العراق بالغلق في نهاية الشهر المقبل.
وكانت منظمة مجاهدي خلق قد قبلتأخيرًا، وبعد رفض لسنوات، نقل سكان معسكر أشرف إلى بلدان أخرى، لكنها ترى أن الموعد الذي تصرّ عليه الحكومة العراقية عليه لإغلاق المعسكر غير كاف لاستكمال مستلزمات ترحيل هؤلاء إلى بلدان ثالثة.
إصرار عراقي على الإغلاق
على الصعيد نفسه، أكد وزير حقوق الإنسان العراقي شياع السوداني في التاسع من الشهر الحالي قائلاً quot;منظمة خلق منظمة إرهابية... الحكومة العراقية عازمة على إنهاء ملف معسكر أشرف نهاية العام الجاري... الحكومة العراقية تتعامل مع هذا الملف من خلال توفير خيارين، الأول يتعلق بالعودة الطوعية إلى بلدهم بضمانة الأمم المتحدة والجانب الإيراني الذي أبدى استعداده في هذا الخصوص، والخيار الثاني هو البحث عن بلد ثالثquot;.
من جهته، قال النائب عباس البياتي عن ائتلاف المالكي إن quot;قرار الحكومة بغلق معسكر أشرف لمجاهدي خلق لا رجعة عنه، وهو قرار نافذ، وسيتم تنفيذه، وتم إبلاغ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بذلكquot;.
وأضاف quot;هناك ثلاثة خيارات أمام مجاهدي خلق، إما العودة إلى بلدهم، والاستفادة من العفو، أو أن تستضيفهم دولة أوروبية ثالثة يذهبون إليها برغبتهم، وإما الحكومة العراقية فستفكك المعسكر وتوزعهم على المحافظات وتتعامل معهم كأفراد، وليس كمنظمةquot;.
أما جورج يعقوب باكوز المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فقد أكد خلال مؤتمر صحافي في بغداد في الأسبوع الماضي بعد اجتماع مع مسؤولين أوروبيين ومن الأمم المتحدة أن المطالبة بوقت من دون اتخاذ إجراءات عملية وسريعة لن يخدم المسألة، لكن إذا اتخذت إجراءات سريعة من أجل تحقيق هذا الهدف، فالحكومة العراقية سيكون لها قرار في هذا الاتجاه، رغم تأكيده أن قرار مغادرة سكان معسكر أشرف البلاد نهاية العام الحالي لا رجعة فيه.
من جهته، دعا ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر إلى حل القضية بشكل سلمي بعيدًا عن العنف والاستناد إلى الخيار الطوعي لسكان المعسكر. وقال إن كل من يقطن على الأراضي العراقية يجب أن يخضع لقوانين الحكومة العراقية. وأضاف quot;إذا وافقت الحكومة العراقية، فإننا مستعدون لأن نأخذ الموضوع على عاتقنا، وننسق مع بقية الأطراف وبأقصى سرعةquot;.
وquot;مجلس المقاومة الإيرانيةquot; يرد
من جانبه رد quot;المجلس الوطني للمقاومة الإيرانيةquot; على ذلك قائلاً quot;إن كل شيء يؤشر إلى أن النظام الإيراني وعناصره العراقية الصنيعة يخططون لمذبحة غير مسبوقة. إنهم وبأشكال العراقيل يمنعون المفوضية العليا للأمم المتحدة في شؤون اللاجئين من بدء أعمالها لإعادة تأكيد موقع اللجوء لسكان مخيم أشرف، حتى يزيحوا بذلك أي حاجز من أمام هذه المذبحةquot;، حسبما ورد في بيان تلقت quot;إيلافquot; نسخة عنه.
وأضاف البيان quot;إن المقاومة الإيرانية تحذر الرئيس الأميركي ووزيرةخارجيته والمسؤولين الأميركيين المعنيين الآخرين، وكذلك مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، من وقوع حمّام دم آخر في مخيم أشرف، يمكن توقعه، وتطالبهم باتخاذ خطوة عاجلة للإسراع في تفعيل الإجراءات، لإعادة التأكيدعلى أنسكان أشرف لاجئون، وللحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية جديدةquot;.
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية محمد محدثين إن quot;المنظمة قبلت برحيل سكان أشرف، لكن الموعد الذي حددته الحكومة العراقية لا يضمن إنتقالاً آمناً وسلمياً للسكان، إضافة إلى متطلبات مادية على بغداد الايفاء بها لتعويض المنظمةquot;.
واعتبر أن quot;تأكيدات بغداد بإغلاق مخيم أشرف في نهاية العام الحالي تمهيد لارتكاب ما أسماه بحمّام دم، تعدّ له سلطات طهران وبغداد ضد سكانه الذين وافقوا على نقلهم إلى بلدان أخرى، وترتيب وضعهم القانوني كلاجئين سياسيين، وحل أزمتهم سلميًاquot;.
وأوضح أن quot;المفوضية السامية للاجئين قد أكدت في 13 ايلول (سبتمبر) الماضي أن سكان أشرف يعتبرون طالبي لجوء سياسي محميين بالحمايات الدولية، فضلاً عن مطالبتها بتأجيل المهلة لإغلاق المخيم، إضافة إلى مطالبة الامين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن في السابع من تموز (يوليو) الماضي كل الأطراف بدعم حل سلمي دائم، يقبله العراق، ويكون مقبولاً من سكان أشرفquot;. وأوضح محدثين أن quot;سكان أشرف مقيمون في العراق في إطار القوانين الدولية، ولم يخرقوا أبدًا السيادة العراقية، ولم يحتلوا أي أرض في العراقquot;.
وكان المعسكر تعرّض في وقت سابق لهجمات عديدة من قبل قوّات الأمن العراقية تسبّبت بوفاة العشرات من سكانه، وإصابة آخرين بجروح. فقد اقتحمت قوّات عراقية المعسكر في الثامن من نيسان (أبريل) الماضي باستخدام قوة مفرطة وإطلاق الرصاص الحي على السكّان الذين حاولوا مقاومتهم. فقتل حوالى 36 ساكنًا، 8 منهم نساء، وأصيب أكثر من 300 آخرين بجروح.
وفي هجوم آخر سابق شنته قوّات الأمن العراقية يومي 28- 29 تموز (يوليو) عام 2009 قتل 9 على الأقل من سكّان المخيم، وجرح آخرون، واحتجز حوالى 36 من سكان المخيم لأكثر من شهرين، وتعرّضوا للتعذيب، على ما يقال، قبل أن يتم إطلاق سراحهم في 7 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2009.
وكان معسكر أشرف خاضعًا لحماية القوات الأميركية في العراق حتى حزيران (يونيو) عام 2009، ثم تحول إلى سيطرة الحكومة العراقية ومنذ ذلك الحين، حوصر المعسكر وسكّانه عمليًا من قبل القوّات العراقية، بينما تشدّد الحكومة ضغطها على السكّان لترك العراق.
سكان المعسكر متخوفون من الترحيل القسري
تأتي هذه المواقف في وقت كشف مندوب الأمم المتّحدة السامي للاجئين واللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، (وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) عن استلام العدد الكبير من طلبات اللجوء الفردي من سكّان المخيم، ودعا الحكومة العراقية إلى تمديد الموعد النهائي لإغلاق المعسكر وتوفير وسائل ضرورية والسماح بإجراء مقابلات اللجوء في موقع آمن ومحايد وسرّي بدلاً من المعسكر.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن المفاوضات ما زالت مستمرة بين اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) وبين الحكومة العراقية لتمييز موقع لإجراء مقابلات اللجوء.
من جهتهم أكّد سكّان المعسكر أنّ هذه المقابلات يجب أن تجري في المخيم أو في أماكن قريبة منه، لأنّ أمنهم وأمانهم في غير هذه الحالة قد لا يضمنان، كما إن خطر توقيفهم من القوات العراقية وإعادتهم القسرية إلى إيران سيكون احتمالاً وارداً، وهناك سيواجهون الخطر الجدّي من انتهاكات حقوق الإنسان.
وحثت منظمة العفو الدولية الحكومة العراقية أيضًا على تخصيص وقت كاف للنظر في طلبات لجوء سكّان المعسكر، وفحص الطلبات بدقّة وبشكل صحيح وآمن وسري من قبل اللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وعلى أرض محايدة وبأسلوب مناسب وآمن، ليكون أمن وسلامة سكّان المعسكر ذا أهمية بالغة، وإذا أجريت المقابلات خارجه في داخل العراق، يجب ضمان أمن وسلامة السكّان، في سفرهم وعودتهم إلى المعسكر.
يذكر أن سكّان المعسكر يعيشون في العراق منذ 25 سنة، لكن الحكومة العراقية الحالية أكدت رغبتها في تركهم البلاد، وأبلغت في عام 2009 السكّان بضرورة مغادرة العراق بحلول منتصف كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، وإلاّ سيتم نقلهم قسرًا داخل العراق، ولكن الضغوط الدولية حالت دون التنفيذ.
وكانت الحكومة العراقية قررت إغلاق المعسكر التابع لمنظمة مجاهدي خلق، والذي استضافه الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ذروة الحرب بين العراق وإيران بين عامي 1980و1988 بعدما اعتبرتها السلطات الإيرانية خارجة على القانون في 1981. وقد تم تجريد المعسكر من أسلحته بعد اجتياح الولايات المتحدة وحلفائها العراق عام 2003 وتولي الأميركيين آنذاك امن المعسكر قبل أن يسلموا العراقيين هذه المهمة في منتصف العام الماضي.
منذ ذلك الحين بات مجاهدو خلق، الذين ما زالوا معارضين شرسين للنظام الإيراني، موضوع خلاف بين بغداد وطهران، وفي نيسان الماضي شنّ الجيش العراقي هجومًا على المعسكر أسفر عن مقتل 34 شخصًا وأكثر من 300 جريح.
يذكر أن منظمة مجاهدي خلق (الشعب) تأسست في 1965 بهدف الإطاحة بنظام شاه إيران، وبعد الثورة الإسلامية في 1979 عارضت النظام الإسلامي، والتجأ كثير من عناصرها إلى العراق في الثمانينات خلال الحرب بين إيران والعراق، وتعتبر المنظمة جناحًا للمجلس الوطني للمقاومة في إيران، ومقره فرنسا، إلا أنها أعلنت عن تخليها عن العنف في حزيران (يونيو) عام 2001.
التعليقات