لندن: يرى مراقبون أن سبب امتناع إدارة الرئيس الأميركي أوباما عن انتقاد المجلس العسكري الحاكم في مصر لاستخدامه العنف في التعامل مع الموجة الأخيرة من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية أن العسكر كانوا منذ البداية الأوصياء المفضلين لدى واشنطن على إدارة مرحلة التغيير السياسي بعد سقوط مبارك.

وانتظرت وزارة الخارجية الأميركية حتى يوم الثلاثاء قبل أن تستنكر استخدام quot;القوة المفرطةquot; في تفريق المتظاهرين داعية الى quot;اقصى درجات ضبط النفسquot; من جانب السلطات.

ورغم التخبط الذي اتسم به موقف إدارة أوباما من الثورة التي أطاحت بحاكم مستبد كان من أوثق حلفاء الولايات المتحدة لسنوات طويلة فانها رحبت بما اسفرت عنه الثورة من نقل السلطة التنفيذية الى مجلس يضم جنرالات عينهم مبارك نفسه ولهم عموما باع طويل في ادامة علاقة صانت متطلبات أميركا واسرائيل الأمنية مقابل 3 مليارات دولار سنويا من المساعدات الأميركية، بحسب مجلة تايم، فان واشنطن اطمأنت الى تسلم العسكر مقاليد السلطة بدلا من انتقال مقاليدها الى تنظيم شعبي لكنه ليس مجرَّبا.

والأكثر من ذلك ان اعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعهدوا بالاشراف على الانتقال الى حكومة منتخبة، الأمر الذي ادى الى تهدئة الشارع وإعادة الاستقرار دون أي آثار سلبية آنية على المصالح الأميركية الاستراتيجية. والحق ان الانتقال من حكم مبارك جرى بهذا القدر أو ذاك في الاتجاه الذي اقترحته الإدارة الأميركية في ذروة الأزمة. فحين أصبح واضحاً في مطلع شباط/فبراير ان الأزمة لن تنتهي ببقاء مبارك دعت واشنطن الى quot;انتقال منتظمquot; باشراف اللواء عمر سليمان رئيس استخبارات مبارك فترة طويلة، الذي عُين نائبا للرئيس بقرار من مبارك في ايامه الأخيرة.

وصحيح ان سليمان لم يمارس صلاحياته بل أُبعد عن أي دور عام في النظام الجديد مثلما نُحي رئيسه من قبله لكنه فاجأ الجميع مؤخر بالظهور العلني لأول مرة محذرا قوى المعارضة من تحدي قيادة الجيش لعملية الانتقال.

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة فان quot;الانتقال المنتظمquot; بقيادة وزير دفاع مبارك المشير محمد حسين طنطاوي كان موضع ترحيب بالقدر نفسه، بل وأكثر ربما لأن طنطاوي، بخلاف سليمان، لم يتسلم مقاليد السلطة من مبارك مباشرة وبالتالي فان احتمالات استعداء المحتجين عليه كانت أقل.

وهكذا كان إلى أن اصبح واضحاً أن طنطاوي وقادة الجيش الآخرين يعتزمون ممارسة دور يتعدى الاشراف على الانتقال الى حكومة مدنية منتخبة، ومنح انفسهم عمليا حق الفيتو على قراراتها. وهذا ما اشعل الاحتجاجات التي بدأت الاسبوع الماضي، وتصاعدت برد السلطات العنيف عليها.

وأجهزت احداث الاسبوع الماضي على نموذج quot;الانتقال المنتظمquot; الذي اعتبره الجيش رسالة مشفرة تعني الاحتفاظ بسيطرته السلطوية والقمعية واملاء شروط مستقبل مصر السياسي، كما ترى مجلة تايم. ولم تعد المسألة تتعلق بما إذا كان الحكم العسكري بقيادة اللواء سليمان أو المشير طنطاوي بل ما إذا كان الجيش حقا يقود عملية انتقالية.

واعتبر مراقبون ان هذا الوضع يضع إدارة أوباما في مأزق فارضا عليها مرة أخرى ان تختار بين الاستقرار في ظل حكم سلطوي يقوده مجلس عسكري وديمقراطية يكتنف آفاقها الغموض. واشارت مجلة تايم الى ان احد مستشاري الإدارة الأميركية في مجموعة العمل الخاصة بمصر التي تضم اعضاء من الحزبين، دعا الإدارة الى الضغط على العسكر لتنفيذ وعدهم بالديمقراطية وربط المساعدات العسكرية الأميركية الى مصر بشرط قبول الجيش انسحابه من الحياة السياسية وخضوعه لسلطة حكومة مدنية منتخبة.

ولكن إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى تفرك يديها بقلق إزاء وضع سياسي يتغير بسرعة في مصر فان الدرس الأول لعام 2011 هو مدى انحسار نفوذ الولايات المتحدة وهامش حركتها في عموم الشرق الأوسط. فان مقترحات إدارة أوباما ومناشداتها وتهديداتها يتجاهلها الآن العدو والصديق، بمن فيهم العراق الذي رفض بقاء قوات أميركية بعد عام 2011، واسرائيل التي واصلت بناء المستوطنات فيما تجاهل الفلسطينيون جهود أوباما المحمومة لمنعهم من أخذ قضيتهم الى الأمم المتحدة. وتجاهلت ايران الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي. وتجاهل الرئيس السوري بشار الأسد مطالبة واشنطن بالتنحي. وابدت تركيا عدم اكتراث بجهود أوباما الرامية الى دفعها للمصالحة مع اسرائيل، وهكذا دواليك.

لعل تعامل الجيش المصري مع عملية الانتقال لا يروق لواشنطن ولكنها قد تنظر بتوجس ايضا الى انتخابات ديمقراطية تخرج منها جماعة الاخوان المسلمين أكبر قوة في الحكومة. وفي الشارع ما زالت الولايات المتحدة موضع ريبة يُنظر اليها كسند للعسكر رغم محاولاتها التواصل مع قوى هذا الشارع وكسب ودها. فان عقودا من الدعم لحكام مصر الاستبداديين لم تُبق قبولا يُذكر عبر الوان طيفها السياسي المصري لأي دور تقوم به الولايات المتحدة في بناء مستقبل البلاد.

وربما كانت إدارة أوباما مصيبة الآن في الحديث عن quot;قرن هادئquot; في اشارة نشر قوات في منطقة المحيط الهادئ وتحديدا في استراليا في وقت تواصل الولايات المتحدة انسحابها من العراق. فان عام 2011 سيُذكر بوصفه العام الذي اعلن فيه الشرق الأوسط استقلاله من النفوذ الأميركي، على حد تعبير مجلة تايم.