اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في ميدان التحرير |
قرر المصريون عدم السكوت عن ممارسات القادة العسكريين، فعادوا إلى ميدان التحرير للتظاهر، حيث تعرضوا لأعمال عنف، في وقت يستعدون فيه لأول انتخابات منذ سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، من المرجّح أن تبدأ الانتخاباتيوم الاثنين، وستجري وسط أجواء متوترة يسودها الاضطراب ويكتنفها الغموض.
لندن: عاد المتظاهرون إلى ميدان التحرير لعدم قيام الجيش بنقل السلطة إلى الحكومة المدنية حتى إن ناشطين قالوا إنه نظام مبارك من دون الرئيس السابق حسني مبارك.
ولم يعد المصريون الذين تشجعوا بنجاح ثورتهم قبل تسعة اشهر،على استعدادللسكوت على ممارسات القادة العسكريين وخاصة بعد مقتل نحو 28 منهم وإصابة مئات خلال الأيام الثلاثة الماضية. ويبدو أن هذه الرسالة وصلت إلى وزراء الحكومة المدنيين الذين وضعوا استقالتهم تحت تصرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة مساء الاثنين. ولكن الرسالة ضاعت على ما يبدو في طريقها إلى العسكر أصحاب السلطة الحقيقية منذ رحيل مبارك في شباط/فبراير.
ويبدو أن الجنرالات حين اقترحوا استثناء الميزانية العسكرية من الرقابة البرلمانية ومنحهم حق الفيتو لدى كتابة الدستور الجديد في العام المقبل، كانوا يتوقعون ألا يردّ المصريون بأكثر من الشكوى والـتأفف المعهودين.
وإذا كانت هذه حساباتهم فهم وقعوا في خطأ فادح. إذ غصّ ميدان التحرير بالمتظاهرين، الذين عادوا إلى مكانٍ تآلفوا معه وأصبحوا يعرفون كل شبر فيه. وتصاعد الموقف برد العسكر. فبدلا من التعامل مع المتظاهرين بروح الحقبة الديمقراطية التي دشنتها الثورة، استخدمت قوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية قنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية. وتحدثت أنباء حتى عن استخدام الذخيرة الحية.
وألهبت السلطات بتخبطها غضب الجماهير دون أن تتمكن من استعادة ميدان التحرير الذي بقي تحت سيطرة المتظاهرين.
في هذه الأثناء يستعد المصريون لأول انتخابات منذ سقوط مبارك. ويُرجَّح الآن أن الانتخابات المقرر أن تبدأ يوم الاثنين ستجري في أجواء متوترة يسودها الاضطراب ويكتنفها الغموض.
والسبب هو بقاء التناقض الرئيس قائما. إذ تغير كل شيء في مصر ما عدا حكامها. صحيح ان الحاكم المستبد رحل ولكنه أقام نظاماً مع حلفائه السياسيين الذين رعاهم، وهم ما زالوا في مواقعهم. وما المجلس الأعلى للقوات المسلحة بنظر خصومه إلا استمرار نظام مبارك من دون مبارك. ولعل من المحتم أن ينصبّ الغضب الذي لاحق الحاكم المخلوع على من جاؤوا بعده.
ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن كايت نيفينز رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في معهد تشاتهام هاوس للأبحاث في لندن، أن الوضع يغلي منذ فترة وأن المصريين كانوا يحاولون ايجاد وسيلة للالتفاف حول قضية واحدة، فوجدوها في محاولة الجيش التدخل في كتابة الدستور الجديد.
والشخصية الرئيسة في هذه المحاولة هي المشير محمد حسين طنطاوي (76 عاما) رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي ينتمي بكل جدارة إلى حقبة مبارك. فهو انضم إلى الحلقة الداخلية الضيقة للنظام السابق حين اصبح وزير الدفاع ورئيس اركان الجيش في عام 1991. وكان يمثل النزعات السلطوية لرئيسه الذي خدمه عقدين تقريبا، بحسب الديلي تلغراف.
وينحدر أعضاء المجلس الآخرون من الأصول ذاتها. فاللواء مراد موافي، مدير المخابرات العامة، كان يُعد لهذا المنصب الحساس منذ عشر سنوات قبل أن يعينه مبارك فيه خلال أيامه الأخيرة.
وأظهرت الأشهر الماضية مما هو في الواقع حكم عسكري منذ قيام الثورة ان الجنرالات القدامى لا يجيدون مواكبة التطورات. فحين سقط مبارك كان المصريون يتوقعون إلغاء قوانين الطوارئ التي جثمت على صدورهم بتمديدات متكررة. ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدما وعد بإلغائها سارع إلى تمديد العمل بها حتى حزيران/يونيو المقبل.
ويفترَض ألا تتعدى مسؤولية المشير طنطاوي واعضاء المجلس الآخرين قيادة مصر عبر مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. وأُعدت خارطة طريق لتنازل الجيش عن السلطة. فعندما يلتئم البرلمان المنتخب العام المقبل ستكون مهمته الرئيسة كتابة دستور ديمقراطي جديد ثم تُجرى انتخابات رئاسية يسلّم بعدها العسكر مقاليد السلطة إلى الرئيس الجديد.
ولكن المشكلة أن الجدول الزمني لهذه الخطوات غامض غموض هيكل السلطة الحاكمة اليوم في مصر. وقالت الباحثة نيفينز أن لا احد يستطيع الوصول إلى المجلس الأعلى quot;ولا نعرف أين تكمن السلطةquot;.
في البداية قال المشير طنطاوي إن الجيش لن يحكم إلا ستة أشهر ولكن هذا التوقيت غير الواقعي طار من النافذة كما هو متوقع. وعلى افتراض أن العام المقبل كله سيكون مكرسا لإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية فان حكم العسكر يمكن أن يستمر حتى عام 2013. ويخشى كثير من المصريين أن الجيش لن يسلّم مقاليد السلطة حينذاك. ولعل هذه الشكوك كانت تُهمس في المجالس الخاصة سابقاً. ولكن الشعارات التي كُتبت بالإنكليزية على أحد الجدران في ميدان التحرير تعلن quot;حرية الفكرquot; بلا لبس. وانسجاما مع روح المرحلة فإن المصريين لن يكتفوا بالبوح بما يفكرون فيه بل سيعبرون عن مشاعرهم في الشوارع ايضا.
كيف ستنتهي الأزمة الجديدة؟ ستجري انتخابات الاسبوع المقبل في موعدها على الأرجح. وفي حين ان التظاهرات امتدت إلى مدن اخرى مثل الاسكندرية فان خبراء يرون أن الاحتجاجات لم تبلغ حجماً يهدد قبضة العسكر على الحكم. وقالت الباحثة نيفينز لصحيفة الديلي تلغراف: quot;محطات الإذاعة والتلفزيون ما زالت ملك الدولة، وما زالت هناك خطوط حمر حول ما يمكن ان تقوله عن المجلس الأعلى، وبالتالي فإن المصريين الذين يعيشون خارج المدن لا يتلقون بالضرورة صورة الأحداث نفسها التي يتلقاها أهل القاهرة. وأضافت أن ما يحدث quot;ليس بالضرورة قضية شعبيةquot;.
وسيعمل المشير طنطاوي على الالتزام بخطته في نقل السلطة تدريجياً. ولاحظ مراقبون انه خلال الأشهر التسعة الماضية ابدى جوانب براغماتية ابرزها السماح بمحاكمة رئيسه السابق في القاهرة. وعلى افتراض أن الانتخابات ستتمخض عن نتيجة ذات مصداقية فيمكن أن توفر صمام أمان لتنفيس الغضب الشعبي. وستخوض جماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركات المعارضة، الإنتخابات بصورة علنية للمرة الأولى من خلال حزب الحرية والعدالة الذي أوجدته لهذا الغرض.
ولكن سيتعين على المشير طنطاوي أن يطمئن المصريين إلى ان الجيش سيعود حقا إلى الثكنات حين تأتي قيادة منتخبة. ومن الخيارات المتاحة تحديد موعد ثابت ومؤكد تنتهي فيه مسؤولية المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن حكم مصر.
في غضون ذلك وجهت حشود المتظاهرين في ميدان التحرير رسالة لا بد أن تصل في النهاية، حتى إلى أشد الجنرالات عناداً، وهي أنه لم يعد بالإمكان الاستهانة بالرأي العام في مصر ما بعد الثورة.
التعليقات