الرائد المنشق هيثم محمد

ينعكس الاقتتال القائم في سوريا على الأسر المختلطة كأسرة هيثم محمد السني الذي يواجه حالة أسرية قد تصل إلى الانفصال عن زوجته العلوية.


بيروت:هيثم محمد، ضابط برتبة رائد انشق مؤخراً عن الجيش السوري ليلتحق بصفوف quot;الجيش السوري الحرquot; الذي يسعى للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يعيش الرائد هيثم صراعاً وأزمة داخلية منذ أن قرر هجر أسرته والفرار من الجيش السوري ليلتحق بما بات يعرف بـ quot;الجيش السوري الحرquot; الذي يسعى مع المعارضة للإطاحة بنظام الأسد. وبعيدا عن منزل الأسرة، ينزوي الرائد هيثم الآن على الجانب اللبناني من الحدود في منزل صغير في عكار، وهي من المناطق التي باتت تشكل ملجأ ونقطة تجمع لسوريين آخرين غيره يلتقون فيها ليتعارفوا ويخططوا ويستعدوا للانقضاض على النظام السوري من هناك.

بينما كان الرائد هيثم محمد يستعد للعودة إلى سوريا من مخبأه في لبنان والقتال للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، اتصلت به زوجته مراراً على هاتفه الخليوي من داخل سوريا. لكنها لم تكن تتصل بزوجها لكي تحثه على القتال من أجل الحرية ضد نظام الأسد، أو حتى للاطمئنان عليه ولتوصيه أن يكون حذراً، بل كان الاتصال لسبب آخر مختلف كلياً.

في هذا السياق، اشارت صحيفة الـ quot;تليغرافquot; إلى أن الزوجة كانت تتصل بالرائد هيثم لتخبره أنه من المروع أن يقوم المتظاهرون quot;الإرهابيونquot;، كما تصفهم، بقتل الجنود العلويين.

الرائد هيثم من الطائفة السنية، وزوجته وأم أولاده من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وقد اتصلت الزوجة بزوجها، لكي تصب جام غضبها على quot;الجيش السوري الحرquot;المنشق الذي التحق به زوجها لتوه، ولتعبر له عن حسرتها على حقيقة أنه تخلى عن أسرته وتركها لتواجه الأزمة لوحدها.

الرائد هيثم (42 عاماً) متزوج من زوجته العلوية منذ 15 عاماً، منذ وقع في حبها منذ اللحظة التي التقاها فيها أثناء ركوبهما الحافلة معاً.

في مخبئه السري المنعزل في عكار اللبنانية، تعود إلى هيثم ذكريات الشباب يوم راح يغازل فتاته الحسناء، لينجح في نهاية المطاف بإقناعها بالزواج منه سراً، مخاطراً بذلك بحياتهما معاً، فاستشاط أفراد عائلتها غضباً عندما علموا أن ابنتهم على علاقة بشاب من خارج الطائفة.

quot;إلا أن الحب الحقيقي هو الذي تغلبquot;، يقول هيثم من وراء الكوفية الحمراء التي غطّت كامل رأسه تقريباً، وتكلل حبهما بزواج أثمر طفلين: صبي (14 عاماً) وفتاة (11 عاماً).

يستعيد هيثم سنوات زواجه الأولى فيقول: quot;لقد عشنا بسعادة وهناء في حي علوي في مدينة حمص لمدة أربعة أعوامquot;.

لكن اللحظات الحلوة في تلك العلاقة تحولت إلى خريف بدأ مع أولى نسمات الربيع العربي التي هبت على المنطقة ووصلت إلى سوريا، حيث كان لحمص منها النصيب الأكبر، مقارنة بالمحافظات السورية الأخرى.

الخلافات الدينية بين الزوجين بدأت تترك آثارها على الأسرة مع مرور الزمن، وأخذت تعصف بالعلاقة بينهما لتمزقها في نهاية المطاف وتتشتت معها أسرة كانت حتى الأمس القريب تعيش بسعادة وهناء، بعيداً عن السياسة والطائفية.

يخشى الرائد هيثم الآن من أنه قد لا يتمكن أبداً من رؤية أسرته مرة أخرى، وإن حدث والتقيا فلن يكون اللقاء لقاء الزوج والأب المحب لزوجته وبأبنائه.

ويضيف: quot;زوجتى تحب الجيش، وتحب بشار الأسد. هي تشاهد تلفزيون الدولة، وتشعر بالحزن والأسى عندما ترى الجنود وعناصر الأمن التابعين للدولة يقتلون كل يومquot;.

يقول الرائد هيثم إن زوجته، التي رفض الكشف عن اسمها quot;حماية لهاquot;، تصدق كل ما يقوله التلفزيون الرسمي السوري عن الأحداث في البلاد، وكذلك تفعل أسرتها والطائفة أيضاً.

أما هو، وعلى الرغم من أنه ضابط كان يحظى بظروف معيشية جيدة وبمركز اجتماعي مرموق مقارنة بغيره من السوريين، فقد اختلف معها في نظرته إلى ما تشهدها البلاد من تطورات وأحداث، لاسيما وأنه رأى واقعاً مختلفاً في الشارع.

ويتابع الرائد هيثم: quot;في كل يوم كنت أعود فيه إلى البيت لأشرح لها ما يحصل على نقاط التفتيش. كنت أقول لها إن الشبيحة يقتلون المتظاهرين. لكنها لم تكن تفهم ما الذي يعنيه مفهوم الشبيحة، ولم تكن تتفق معي، بل كانت ترتبك وتقول إنها ضد القتلquot;.

مع تصاعد حملة القمع العنيفة، بات هيثم أمام خيار من اثنين: اتباع الاوامر بإطلاق النار على المدنيين، أو التعرض للقتل. فاختار الانشقاق عن الجيش والإنضمام إلى مجموعة quot;الجيش السوري الحرquot; لكن زوجته، التي لا تزال مقتنعة بأن المتظاهرين هم مجموعة من الإرهابيين، رفضت مرافقته ولم تتبعه إلى عكار.

يقول هيثم: quot;حاولت أن أصطحب زوجتي وطفلي معي الى لبنان. قلت لزوجتي: أنا آسف، لا استطيع العيش هكذا، أرجوك تعالي معي. لكنها رفضت وقالت: نحن بأمان أكثر هناquot;.

ما بدأ قبل تسعة اشهر كاحتجاجات جماهيرية سلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، تحول اليوم في حمص إلى معركة دامية من الهجمات الطائفية والعمليات الانتقامية.
وقول الرائد: quot;إذا استمر هذا الوضع، ستكون البلاد بأسرها في حرب طائفية في غضون شهرينquot;.

ويصف هيثم المشاعر الطائفية المستعرة في المدينة، مشيراً إلى أن حمص فوق فوهة برهان وعلى شفير الانفجار. وأضاف: quot;عندما كنت في حمص، كان الجميع يظنون اني من الطائفة العلوية، نسبة إلى زوجتي. في أحد الأيام، ذهبت إلى أحد المطاعم لأحضر الطعام الجنود، فسألني صاحب المطعم أين تتمركز نقطة التفتيش العسكرية في ذلك اليوم، فأعطيته إسم منطقة سنية. أجابني: quot;جيد، اغتصبوا نساءهم واقتلوهم جميعاًquot;.

يؤكد الرائد أنه مصمم على متابعة النضال والقتال، على الرغم من أنه يعلم أن مواصلة السير في ذلك الطريق يعني الحرب الأهلية بالنسبة للبلاد برمتها. وبالتالي فإن ذلك يعني أيضاً خسارته لأسرته للأبد.

ويختم الرائد هيثم حديثه للصحيفة بالقول: quot;أشعر وكأني خسرتهم، أنا أخاف عليهم، وهذا الأمر يبكيني كل يومquot;.