في وقت تشهد فيه المنطقة موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، نلحظ أن التغطيات الإعلامية لم تعد تهتم، كما كان من قبل، بالأخبار المتعلقة بالملف الفلسطيني- الإسرائيلي. فوسائل الإعلام والحكومة الأميركية تنظر الآن على سبيل المثال إلى هذا الملف على أنه مجرد حدث صغير مقارنةً بالأحداث الثورية الكبرى التي تجتاح المنطقة. وهو ما أكد عليه أحد الصحافيين الأميركيين البارزين مؤخراً، بقوله إنه لا يستطيع تغطية هذا الملف لبعده عن المشهد الإخباري الحالي.

وفي هذا الصدد، أكدت اليوم مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية أن تجاهل تغطية الأخبار المتعلقة بقطاع غزة مازال عرضاً مستمراً، حتى عشية التحضير لتلك المسيرة التي خطط لها 2000 شاب فلسطيني ومجموعة من منظمات المجتمع المدني في ميدان بقلب غزة، لمطالبة حركتي فتح وحماس بإنهاء انقساماتهما واستعادة الديمقراطية في فلسطين. ثم لفتت المجلة إلى أن الآلاف قد تجمعوا في الخامس عشر من الشهر الجاري للتظاهر في شوارع غزة، وكان من بينهم أنصار صغار في السن لحماس، ومجموعات صغيرة موالية لفتح، وفصائل فلسطينية أخرى صغيرة، بالإضافة لعدد من ناشطي فايسبوك. وفي رام الله، نظَّم نحو 8000 متظاهر ndash; أغلبهم من الشبان وطلبة الجامعة ndash; مسيرة في ميدان المنارة، مطالبين بالوحدة الوطنية. وكان يسعى سكان غزة لنقل تظاهراتهم إلى مدن في الضفة الغربية.

ورأت المجلة أن الأمر الأكثر أهمية، بالنظر إلى تغير المشهد السياسي في الجارة مصر، هو أن أهمية غزة الإستراتيجية قد تصبح أكثر حيوية بالنسبة للأمن الإقليمي. وقالت إن هناك مؤشرات ناشئة في دوائر سياسية تتحدث عن أن العلاقة بين مصر وغزة والآلية التي قد تتطور من خلالها تعتبر أمراً مقلقاً بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل بصورة تفوق ما هو معترف به على الملأ. وقد تم التأكيد من قبل على الأهمية التي تحظى بها غزة، كما اتضح في البرقية الدبلوماسية التي كشف عنها موقع ويكيليكس ويعود تاريخها إلى كانون أول/ ديسمبر عام 2007، وكان قد كتبها حينها السفير الأميركي السابق لدى مصر، فرنسيس ريتشاردوني.

ثم مضت المجلة تطرق إلى الوضع المعيشي الصعب الذي يواجهه معظم سكان قطاع غزة، خصوصاً فيما يتعلق بالقدرة على توفير قوت يومهم وقت أطفالهم. ولفتت إلى هذا التقرير الصادر حديثاً بشأن انعدام الأمن الغذائي والمائي في القطاع، حيث كشفت جمعية quot;أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيلquot; عن بعض الإحصاءات الملفتة بشأن الأضرار التي يعانيها السكان هناك. فقالت الجمعية مثلاً إن مستويات انعدام الأمن الغذائي ndash; المُعَرَّف من جانب برنامج الغذاء العالمي بـ ( نقص الحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية، تلبي الاحتياجات الغذائية.. من أجل حياة نشطة وصحية ) ndash; قد ارتفعت من 40% في 2003 إلى 61% قرب انتهاء عام 2010.

وأوضحت المجلة كذلك أن 75% على الأقل من الأسر في قطاع غزة تعتمد الآن على نفسها كي تحصل على احتياجاتها الأساسية في صورة من صور المساعدات الإنسانية من مانحين دوليين، جميعهم ( بما في ذلك عدة دول عربية ) متواطئين في تدمير غزة.

وتابعت المجلة الأميركية حديثها بالقول إن التنمية الاقتصادية قد أعيقت منذ فترة طويلة، وإن كان الواقع الذي تعيشه غزة الآن متعسر للغاية، ويتسم بالانهيار الفعلي لكيان اقتصادي كان يراعي من قبل الدخل المتوسط الأدنى، مع بلوغ معدل البطالة نسبة قدرها 45 % في 2011، وهي واحدة من أعلى النسب الموجودة في العالم.

ومع أن العرب الذين ينظمون الآن ثوراتهم قد لا يكونوا مكترثين بالاحتجاج على الأوضاع الفلسطينية، فإن قهرهم سيظل في صميم الخطاب، رغم تفضيلات صناع القرار والصحافيين الأميركيين. وقد يبدو الاحتلال الإسرائيلي أمراً استثنائياً بالنسبة للأحداث الجارية، لكن هذا لن يدوم، لأن الصراع من أجل الديمقراطية في العالم العربي لن يقف على حدود غزة أو حدود إسرائيل. وليس هناك من شك في أن نفس الشعوب العربية التي تناضل من أجل نيل حريتها في بلادها ستتحدى الموقف غير الأخلاقي في فلسطين، وخصوصاً في قطاع غزة. ورغم أن المطالب الشعبية المتعلقة بالمصالحة والديمقراطية وإنهاء الاحتلال ستعتمد من أجل نجاحها على وجود دعم من جانب حكومتي حماس وفياض، إلا أن دور المجتمع الدولي جوهري للغاية. وأكدت فورين بوليسي في ختام حديثها أن ميزان القوى في المنطقة يتحول ببطء لكن بصورة حتمية بشكل يتضح من خلاله أنه لا يؤيد الهيمنة الأميركية والإسرائيلية.