تتنامى في قطاع غزة ظاهرة العنف المجتمعي والعائلي بشكل لافت، اذ وصلت إلى مستويات لم يشهدها القطاع من قبل، وبات الأخ يطعن أخاه بسبب خلاف حول لعبة، والأب يحرق إبنه لأنه رفض مساعدته في جني الزيتون، بينما تبقى العديد من النماذج مجهولة وغير ظاهرة للعيان.


رمضان طعن أخاه محمد بآلة حادة وأصابه بجروح

تغريد عطا الله من غزة: عاد رمضان 12 عاماً من مدرسته عصراً ملقياً حقيبته الحمراء في زاوية البيت، منطلقاً نحو الساحة الرملية المقابلة لبيته ليمارس مع أخيه محمد 14 عاماً لعبة quot; البنانيرquot; المعروفة في أحياء فلسطينية أخرى بلبعة quot; القلولquot;. تلك اللعبة التي تضم لاعبين أو أكثر وتعتمد على إصبع الإبهام لقذف كرات زجاجية ملونة في منطقة تسمىquot; البنور quot; أوquot; القلquot; حيث تجتمع فيها حاصل الكرات الزجاجية، ويتعيت على اساسها الرابح.

لكن تلك اللعبة البريئة فجأة توقفت على وقع صراخ رمضان حين طعنه أخوه محمد في ظهره بآلة حادة كان يقتنيها واستخدمها ليفرغ بها غضبه تجاه أخيه على خلفية عراك نجم بينهما بسبب اللعبة، حيث أصيب رمضان في الشق الايمن من ظهره بعمق 3سم.

أمّا محمد الذي ندم أشد الندم على فعلته وقام ببيع كل مقتنياته من quot;البنانيرquot; قال لـquot;إيلافquot;: لم أعد أحب هذه اللعبة، لا أريد أن أؤذي أخي مرة أخرى، أنا أحبه جداquot;. وكاد يبكي

هذه الحالة ليست المؤشر الوحيد الذي ظهر مؤخراً دالاً على احتدام الشجار وزيادة مستوى العنف بشكل عام وبشكل خاص في العائلات الفلسطينية.

فقد حدث مؤخراً في شمال قطاع غزة قيام الأب ع.م بحرق ابنه 14 عاماً حتى الموت لأنه رفض مساعدته في قطف الزيتون.

وحادث آخر نجم على خلفية مشاجرة عائلية لعائلة الأشرم تطورت إلى إطلاق نار، مما أدّى إلى قتل أحد أفراد العائلة فيما أصيب آخر بجراح خطرة .

غالبية ضحايا انتهاك الحياة من قطاع غزة

بدوره، رصد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عدد ضحايا انتهاك الحق في الحياة والسلامة الشخصية في الضفة والقطاع خلال عام 2010 حيث قتل أكثر من 242 شخصا جراء سوء استخدام السلاح، من بينهم 6 نساء و3 أطفال، كما أصيب 297 شخصا بجراح .

وأشار حمدي شقورة مدير وحدة تطوير الديمقراطية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أنّ غالبية الضحايا هم من قطاع غزة، منهم 30 شخصا قتل وأصيب 292 بجراح، مفيداً أنّ عدد القتلى والمصابين نجم عن سوء استخدام للسلاح وشجارات عائلية .

كما أشار إلى أنّ قتلى الشجارات العائلية وصل إلى 22 حالة منهم 12 في غزة و9 حالات في الضفة الغربية .

وقال حمدي شقورة لـquot;إيلافquot; : استخدام السلاح في الشجارات العائلية بكل وسائله المتاحة هو مشكلة قديمة حديثة نشأت قبل الانقسام وزادت حدّة بعد حادث الانقسام الفلسطينيquot;.

وأضاف: هذا شيء مقلق للمنظمة أن يستمر هذا الانتهاك للحق في الحياة، وأن المنظمة تقوم برصد الحالات بشكل منتظم ودائم في محاولة لضبط السلاح بكافة أنواعه وأساليبه.

كما أشار شقورة إلى دعم المنظمة لبرامج حكومة غزة نزع سلاح العائلات، مطالباً بدور أكثر جديّة في التعامل مع هذه القضية بإجراء تحقيقات ومحاسبة منفذّيها .

دعوة إلى التسامح ونبذ أسلوب quot; الصاع صاعينquot;

من جهته أفاد الأخصائي النفسي د. فضل أبو هين أن ألأجواء الحالية المحيطة بالمجتمع الفلسطيني بشكل عام تدفع إلى توترات ومشاحنات تنجم عنها حالات غريبة تشذ على الواقع الاجتماعي الطبيعي.

وأوضح لـquot;إيلافquot; أنّ انعكاس الوضع الخارجي الذي جعل العنف جزءا طبيعيا من الحياة العامة ينعكس بدوره تلقائياً على الوضع الداخلي للفرد داخل المجتمع وتحديداً الطفل النشء.

وتابع : ولادة عوامل العنف داخل الطفل النشء إضافة إلى وجود مشجعات العنف من ألعاب وأفلام تنتشر منذ فترة بشكل مكثّف في قطاع غزة، إضافة إلى وجود ثقافة التحريض والإساءة المضاعفة quot; الصاع صاعين quot; الناجمة عن أجواء الانقسام شحنت الطفل دون أن يدري بأساليب عدوانية للتفريغ أو للحصول على ما يريد .

وأوضح : نموذج الكبار ينتقل بشكل أتوماتيكي وتلقائي بدون أي تلقين للطفل، ويترك الطفل ضحية للأجواء السياسية الطاغية على المجتمع ويكون سبباً في خلق مؤشرات حادة لظاهرة العنف العائلي. وتابع: في حالة اللعب يصل اللاعبين إلى نقطة خلاف تستدعي تقبل الربح والخسارة، فإذا لم توجد هذه الأسس تتحول نقطة الخلاف إلى شجار يتم خلاله استخدام كل الوسائل المتاحة للتعبير عن التوتر،حيث يعتبر هذا الموقف عبارة عن امتصاص طبيعي للعالم المحيط.

كما وجّه أبو هين نداء لأولياء الأمور لضرورة توعية الأبناء لتجنب العنف واقتناء الأسلحة بكافة أنواعها، وخاطب ذوي العقول و كافة المؤسسات الإعلامية والتعليمية لزرع التسامح ونبذ العنف والعودة للوحدة الوطنية.