ارتفع عدد القتلى الذين سقطوا في الهجوم الذي وقع على المعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء أمس إلى 52 قتيلا وأكثر من 200 جريحا، في حين تزداد حالات الوفاة كل ساعة. وقال رئيس الفريق الطبي في المستشفى الميداني لـquot;إيلافquot; إن هناك 6 مصابين في حالة موت سريري.


صنعاء:كان جمال الشرعبي الصحافي الشاب يجول أمس في ساحة التغيير كعادته اليومية، التقينا في مكان ليس ببعيد من المستشفى الميداني وتحادثنا قليلا، وانصرفنا كل في إتجاه.. اليوم كنت أجول أيضًا، لكن وسط الجثث في المستشفى الميداني، ووجدت جمال، لكن ليس كما وجدته بالأمس.

كان رأس جمال مهشماً من جانبه الأيسر، وهو يرقد ملطخًا بدمائه في صف القتلى الذين تم وضعهم في مقدمة المسجد quot;المستشفى الميدانيquot;.. كان جمال قد أصيب بالغاز قبل أيام، وحينها أوصى أشقاءه بأطفاله الأربعة: نهى ومها ومصعب وصهيب.

ينام الآن جمال إلى جانب 51 قتيلا في ثلاجة مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، حيث لم يتوقف توافد القتلى حتى اللحظة.

يقول مدير الفريق الطبي في المستشفى الميداني لـquot;إيلافquot; إن هناك ست حالات في العناية المركزة، معتبرًا أنها قد تكون في عداد القتلى كون إصابتهم خطرة للغاية. لم تتوقف سيارات الإسعاف حتى الحادية عشرة من مساء أمس، حيث ظلت تنقل الجرحى من المستشفى الميداني إلى المستشفيات الخاصة خارج الساحة.

عند التاسعة مساءً كانت كل الجثث التي تجمعت في المستشفى الميداني قد نقلت إلى ثلاجات الوفيات في المستشفيات الخاصة، ولم يعلن بعد متى سيتم تشييع الجثث جماعيًا كما هو متفق عليه.

ورفض المعتصمون دخول سيارات الإسعاف الحكومية لنقل الجرحى وذلك بعدما تكشف اختفاء عدد من جرحى الهجوم في وقت سابق، وكذلك تعذيب بعضهم في بعض المستشفيات الحكومية وفقا لما أكده رئيس منظمة quot;سجينquot; عبدالرحمن برمان لـquot;إيلافquot;.

الرد الرسمي وحالة الطوارئ

كان الرد الرسمي متوقعا، وهو ما تروج له المؤسسات الإعلامية الرسمية منذ أسبوعين من أن المواجهات التي تتم دومًا تحدث بين المعتصمين والمواطنين، غير أن ما ظهر اليوم كان مختلفًا، وأظهر حرفية عالية في التصويب، حيث كانت كل حالات القتل بين الرأس والرقبة والقلب.

وقال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مؤتمر صحافي إن ما حصل في صنعاء هو quot;مواجهات بين مواطنين ومعتصمين إثر إقتحام المعتصمين لأحياء سكنية جديدة وهدم جدران بناها سكان تلك الأحياء لحمايتهاquot;، مشددا على ان quot;الشرطة لم تطلق أية رصاصة واحدة لكونها من قوات مكافحة وفض الشغب ولا تحمل أية أسلحةquot;.

وأضاف صالح إنه quot;كان هناك تواصل بين اليمن والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لإجراء وساطة لرأب الصدع بين أطراف العمل السياسي في اليمن، وما حدث اليوم أفشل هذه المساعي لرأب الصدع وحقن الدماء في الساحة اليمنيةquot;. وأعلن الرئيس عن حالة طوارئ في البلاد تستمر لمدة شهر.

ووصف القيادي في اللقاء المشترك الدكتور محمد القباطي تصريح رئيس الجمهورية حول الحادثة بأنه quot;قتل الناس مرتين بما ارتكبه جيشه وبتصريحه حول الحادثquot;. وحول إعلان الطوارئ قال إنه ليس من حق الرئيس دستوريًا إعلان الطوارئ، حيث لا يوجد قانون للطوارئ، كما قال، لكنه استدرك إن حالة الطوارئ أيضاً لا معنى لها الآن.

المجزرة التي وقعت في ساحة التغيير تسببت بحالة غضب وتضامن واسعة حيث تدفق آلاف الناس صوب الساحة التي شهدت أيضاً قدوم عشرات من الجنود الذين قدموا استقالاتهم ورموا أوسمتهم أمام المعتصمين.

استقالات بالجملة

أكبر ضربة للنظام الحاكم في اليمن كانت استقالة وزير السياحة نبيل الفقيه ورئيس دائرة العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم الدكتور محمد عبد المجيد قباطي، وهو سفير اليمن سابقا في لبنان.

ويعد وزير السياحة من القيادات الوزارية المقربة من نجل الرئيس ونجل شقيقه، بينما يعتبر قباطي من القيادات المهمة منذ التسعينيات في الحزب الحاكم، وهو صاحب مبادرة أطلقها قبل أسبوعين اقترح فيها على صالح إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لا يرشح نفسه فيها، لتهدئة المطالب المتصاعدة بإسقاط نظامه.

كما انضمت إليهما المستشارة في وزارة الخارجية والوزيرة المفوضة جميلة علي رجاء التي أعلنت استقالتها من عملها في وزارة الخارجية احتجاجاً على ما حدث.

كما قدم وزير الثقافة السابق وسفير اليمن في موسكو عبد الوهاب الروحاني ووزير الزراعة السابق جلال فقيرة استقالتهما من الحزب الحاكم.

وكان وزير الأوقاف حمود الهتار قد أعلن استقالته قبل أيام من الوزارة والحزب، إضافة إلى إستقالة أكثر من 20 نائبا في البرلمان.

المشترك يرفض التحقيق

في المواقف السياسية أعلنت أحزاب اللقاء المشترك رفضها المشاركة في لجنة تحقيق أعلن الرئيس تشكيلها، وأعلن عن ضم ثلاثة من المشترك إليها مستهجنًا إعلان ذلك في وسائل الإعلام.

الناطق الرسمي للمشترك محمد قحطان قال إن جريمة ساحة التغيير جريمة مشهودة وجسيمة وهي جريمة ضد الإنسانية، والمسؤول عنها الرئيس صالح وأولاده وأولاد أخيه.

في سياق متصل،دعا الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان، الرئيس صالح إلى حل الأزمة السياسية في اليمن بنقل صلاحياته إلى نائبه عبد ربه منصور هادي لإدارة الأمور في البلاد.

وتعدّ دعوة الشيخ الزنداني، الذي انتقل إلى مسقط رأسه في قرية زندان في منطقة أرحب، سقفًا عاليًا في خطابه مع الرئيس للمرة الأولى بعدما كان حليفه منذ أكثر من 15 عامًا.

وخاطب الزنداني صالح بالقول quot;يكفي ما وصل إليه الأمر إلى اليوم.. يكفي يكفيquot;، مؤكدًا أن الجهود التي بذلها العلماء والشيوخ وصلت إلى quot;طريق مسدودquot;، بعد رفض الرئيس صالح quot;للمطالبquot;، داعياً إياه إلى تقديم مصلحة الشعب اليمني قبل أي مصلحة أخرى.

إدانات دولية

دوليًا دان الرئيس الأميركي باراك أوباما بشدة ما وصفها بأعمال العنف التي وقعت في اليمن عقب صلاة الجمعة، داعياً إلى محاسبة ومساءلة المسؤولين عن الجريمة، داعياً الرئيس صالح إلى الالتزام بتعهده العام للسماح للتظاهرات أن تجرى بسلام.

وأكد أوباما في بيان له quot;أن الولايات المتحدة تدعم مجموعة الحقوق العالمية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع، فضلا عن مطالب التغيير السياسي التي تلبي تطلعات الشعب اليمنيquot;.

من جهته، دان السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون ما وصفه بـquot;القوة القاتلةquot; ضد المتظاهرين في اليمن، قائلا quot;لا يوجد بديل عن إجراء حوار شامل حولكل أنواع الإصلاحات الرامية إلى معالجة الأزمة السياسية في البلادquot;.

كما أعربت المنسقة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون عن quot;رعبهاquot; بعد تقارير تحدثت اليوم عن مقتل أكثر من 45 شخصا وسقوط مئات الجرحى خلال تظاهرات معارضة للحكومة في العاصمة اليمنية صنعاء. وقالت في بيان لها quot;لقد أفزعتني التقارير الواردة اليوم من اليمن. لقد أدنت بشكل متكرر وبصراحة استخدام العنف ضد المتظاهرين وفقدان الأرواح في صنعاء وبقية المدنquot;.

ترحيل صحافيين
من جهة أخرى، قررت الحكومة اليمنية ترحيل مراسلي الجزيرة أحمد زيدان وعبد الحق صداح، في حين لا يزال مراسل القناة أحمد الشلفي ملاحقاً، ولا يستطيع العودة إلى منزله مع عائلته.

وأعربت نقابة الصحافيين اليمنيين عن قلقها وخوفها الشديد من استمرار السلطات الأمنية في ترحيلمراسلي وسائل الإعلام الخارجي، العرب والأجانب.

ورأت النقابة في بيان لها أن quot;الثابت في الواقع أن هناك حملة ترحيل واسعة قامت بها السلطات الأمنية للصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام في توجه واضح لإخلاء الساحة من أي حضور إعلامي يوثق الأحداث الجارية في البلد، وما ترتكبه السلطات بحق الاحتجاجات السلمية على مختلف الساحات، وهو توجه بدأ بتضييق الخناق على الصحافيين اليمنيين، ومنهم الطواقم العاملة في مكاتب القنوات ومراسلي وسائل الإعلام الخارجية، حتى وصل هذا الأمر حد استهداف الصحافيين بالقتل. ونعت النقابة أول شهيد في الصحافة يسقط في ساحات التغيير هو الصحافي جمال الشرعبي.

أصل الحكاية

في العودة إلى تفاصيل ما حدث أمس وفقا لرواية عدد من المصابين لـquot;إيلافquot; إنه في بداية الأمر تم إحراق إطارات خلف جدار اسمنتي أقيم للحؤول دون توسع مساحة الاعتصامات وذلك خلف المستشفى الإيراني.

وتصاعدت الأدخنة من خلف الجدار الذي يرتفع أكثر من متر أو متر ونصفمتر،وحين توجه الناس صوب الحريق انهال الرصاص عليهم، بحيث لم يشاهدوا أولاً من شدة الدخان من أين تأتي الرصاص.

وقال أحد المصابين إن الرصاص توالى من قناصة من عدد من المنازل المجاورة، وقد ألقى عدد من المعتصمين القبض على عدد منهم.

ويقول الأطباء إن زاوية إطلاق النار غالباً كانت زاوية واحدة ما يؤكد أن الرصاص لم يطلق فقط من المنازل، وإنما من الشارع من خلف الجدار، حيث تبدو الزاوية موازية لصدور ورؤوس القتلى.

وقال رئيس إتحاد طلاب اليمن رضوان مسعود لـquot;إيلافquot; إن أكثر من 15 قتيلاً من بين من سقطوا اليوم هم من لجنة النظام التي تقوم بأعمال تفتيش الداخلين إلى ساحة التغيير.
صالح يرأس إجتماعًا لتقويم الأوضاع الراهنة
ترأس الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مساء اليوم اجتماعاً مشتركاً للجنة العامة الخاصة بحادث إطلاق النار وعدد من قيادات الدولة المدنية والعسكرية. وذكرت وكالة الانباء اليمنية انه تم خلال الاجتماع بحث تطورات الأوضاع الراهنة في الساحة اليمنية وفي مقدمتها الأحداث التي جرت أمس الجمعة في حي الجامعة في صنعاء، ونتج منها مقتل 25 شخصًا وإصابة أكثر من مائة آخرين.

وأكد المشاركون على مواصلة اللجنة التي وجّه مجلس الدفاع الوطني بتشكيلها يوم أمس من وزير العدل ووزيرة حقوق الإنسان والنائب العام والمحامي العام وثلاثة من جانب أحزاب اللقاء المشترك لعملها في التحقيق لكشف الحقيقة المرتبطة بحادث إطلاق النار وضبط أي شخص أو أشخاص متهمين في هذا الحادث مهما كانوا.

كما نوهوا بقرار الرئيس صالح باعتبار من سقطوا في هذا الحادث وغيره من الحوادث المماثلة، سواء في حي الجامعة في صنعاء أو تعز أو عدن أو غيرها من المحافظات اليمنية شهداء للديمقراطية وتعويض اسرهم، ومعالجة الجرحى على نفقة الدولة واعلان يوم غد الاحد يوم حداد وطني على الشهداء.

وتم ايضا خلال الاجتماع بحث الأوضاع الأمنية في ضوء اعلان حالة الطوارئ وما يتخذ من اجراءات في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد ووحدتها والسلم الاجتماعي.