تخشى السلطات الألمانية من نزوج جماعي من القارة الأفريقية، التي تشهد ثورات شعبية منذ شهور عدة، هذا في وقت تعتبر إيطاليا بوابة الهجرة إلى القارة الأوروبية، التي تربط دولها اتفاقية شنغن.
ميونيخ:تعتبر ولاية بافاريا في جنوب ألمانيا، بوابة الهجرة الرئيسة الوافدة عبر إيطاليا إلى ألمانيا، ومنها إلى باقي شمال دول القارة الأوروبية، ورغم أن الأمور كانت تسير بشكل اعتيادي على الحدود الجنوبية بين ألمانيا والدول المجاورة منذ توقيع إتفاقيات تشنغن، إلا أن قيام الثورات العربية في شمال القارة الأفريقية، حمل معه الكثير من المخاوف لدي السلطات الألمانية من نزوح جماعي للشباب من تلك الدول.
ومع تزايد أعداد المهاجرين التونسيينتحديدًا إلى إيطاليا، وبعد القرار الأخير للحكومة الإيطالية بمنح تأشيرة شنغن المؤقتة للمهاجرين الوافدين خاصة بعد تكدسهم في جزيرة quot;لامبيدوزاquot; الإيطالية...أعرب المسؤولون في حكومة ولاية بافاريا عن انزعاجهم الشديد من ملابسات هذا القرار الذي يسمح للمهاجرين، الذين تصنف هجرتهم بغير الشرعية، إلى التوجه لبلدان القارة الأوروبية المختلفة، هذا ومن المعروف أن ألمانيا التي تتمتع باقتصاد قوي قد تصبح وجهة مثالية للذين يفكرون في الاستقرار في القارة.وكانت تقارير صحافية قد أشارت في وقت سابق الى أن غالبية الذين احتجزوا في جزيرةquot; لامبيدوزاquot; الإيطالية من المهاجرين غير الشرعيين يفكرون بالفعل في السفر إلى ألمانيا أو فرنسا.
جدير بالذكر أن ولاية بافاريا لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تلك الهجرة الى أراضيها وفق تصريحات وزير داخليتها quot;يواخيم هيرمانquot;، الذي انتقد القرار الإيطالي بمنح اللاجئين التونسين علي أراضيها تأشيرة شنغن. وقال: quot;إن خطورة هذا القرار تكمن في أنها تعد انتهاكًا صريحًا لروح معاهدة شنغن، الأمر الذي يستدعي معه العودة إلى فرض رقابة على حدود الولاية، حيث من السهل الوصول من إيطاليا إليها، وقد لا يستغرق وقت السفر في أصعب الحالات إلا بضع ساعاتquot;.
من جهة أخرى، يرى وزير الداخلية البافاري أن هذا حق مشروع لحكومة الولاية لحماية حدودها، كما يراه أيضاً حقاً مشروعًا لباقي الدول الأوروبية الموقعة علي اتفاقية شنغن. وفي محاولة منه لدرء ردود الأفعال حول العودة لفرض الرقابة على الحدود، والتي تعتبر إخلالاً بالاتفاقية، فإنه يقول إنها ستكون رقابة نسبية، وفي حالات الضرورة القصوى فقط، غير أن الرقابة عادة تتم بشكل سري، فالشرطة السرية تتجول في القطارات التي تدخل حدود الولاية والآتية من إيطاليا والنمسا، ويطلب ضباط الحدود الإطلاع على أوراق السفر وفي حالات الشك فإنهم يحتجزون المشتبه فيهم للتأكد من شرعية دخولهم الأراضي الألمانية.
كذلك انتقد الوزير quot;هيرمانquot; بشدة رئيس الوزراء الإيطالي، سيلفيو بيرلسكوني، وقال إن وجود الهجرة التونسية على الأراضي الإيطالية، شأن ايطالي، ولا يجب تمرير تلك المشكلة إلى باقي الأقطار الأوروبية. حقيقة الأمر أن الجانب الإيطالي مثقل بالفعل بمشكلة اللاجئين من الشمال الأفريقي، وإيطاليا بمنحها تأشيرة شنغن ستساعد في مرور الجزء الأكبر من المهاجرين على أراضيها إلى فرنسا وألمانيا تحديداً، خاصة وأن 80% من المهاجرين في إيطاليا يطمحون إلى الذهاب لهاتين الدولتين.
إن القلاقل السياسية التي تشهدها دول شمال أفريقيا، إضافة الى الثورة التونسية، دفعت بالشباب التواق إلى السفر لأوروبا، خاصة اللذين يحلمون بتحقيق حلم الثراء خارج الأوطان في استغلال هذا الوضع، الذي تقريبًا انعدمت فيه الرقابة علي سواحل المتوسط من الجانب الإفريقي في السفر غير الشرعي إلى بوابة ايطاليا الشهيرة في مجال الهجرة غير الشرعية.
لكن المراقبين يطرحون سؤلاً مهماً عن جدية دول أوروبا وولاية بافاريا تحديداً في حماية أراضيها من الهجرة التونسية غير شرعية والمرتقب وصولها إليهم، ولا تبدو هناك إجابة واضحةعن هذا التساؤل، غير أن البعض يرى ان اتخاذ أي خطوات بشان الرقابة الحدودية سيكون استفزازًا لإيطاليا، ويرى آخرون انه يتوجب علي ايطاليا أن تتفهم المخاوف الألمانية تحديدًا وأن هذا الأمر غير مقبول، ومن ثم عليها الإلتزم بنصوص معاهدة شنغن واحترامها وحلّ مشكلة اللاجئين اللذين لم تستطيع بعد إبعادهم عن أراضيها.
لم يعد الأمر مقتصراً بعد على ولاية بافاريا، التي تعتبر أغنى الولايات الألمانية، ومحل جذب للهجرة الوافدة إلى هذا البلد الأوروبي، فمن ناحيته انتقد أيضاً وزير الداخلية الألماني، هانز بيتر فريدريش، إيطاليا، وقال عليها وحدها حل المشكلة دون تدخل أطراف أوروبية أخرى، حدث ذلك في وقت تصاعدت فيه الإنقسامات الأوروبية حتى وصلت إلى البرلمان الأوروبي، الذي أجرى نقاشاً على خلفية هذه المشكلة، خاصة التي تتعلق بحق تنقل اللاجئين المرخص لهم بالإقامة لفترة محددة في البلد الذين دخلوه، وحتى يتسنى البت في أمرهم، لكن منح إيطاليا تأشيرات مرور لهمإلى باقي الاقطار هو انتهاك صريح لاتفاقية شنغن.
من جهة أخرى، استطلعت quot;إيلافquot; تباين ردود الأفعال الشعبية الألمانية حول هذا القرار، ففي الوقت الذي يرى فيه quot;ماركوس شيمدتquot; طالب جامعي أن من حق المهاجرين الوصول إلى البلد الذين يرغبون، ومن ثم تجري دراسة دقيقة لأوضاعهم ومن يحتاج المساعدة فعليه البقاء. أما من يشكل خطرًا على الدولة فيجب ترحيله علي الفور.
أما quot;كارو لنجquot;، التي تعمل في شركة سياحة، فتقول إن ألمانيا ليست بلداً للهجرة، ويجب فقط قبول الحالات الإنسانية ثم على هؤلاء الشباب أن يخدموا دولهم لتصبح دولاً قوية وغنية، خاصة وأن الثورات العربية لم تكن فقط لتغير الحكام، وإنما هي لتغير النظام ككل، فالكرامة الإنسانية يجب الأخذ بها في هذه المسيرة، فهناك قانون يجب تفعيلة ودراسات حالات الهجرة والبعد عن مناطق الخطر، وهذا حق انساني كفلته لهم القوانين والدساتير، ثم إن المنطق يقول إن من حق اللاجئين الإلتحاق بأقاربهم الموجودين في الدول الأوروبية المختلفة أو على الأقل توزيع هؤلاء اللاجئين على أقطار القارة.
يشار إلى أن تعداد سكان القارة الأوروبية يتعدى النصف مليار شخص، فكيف هذا الإنزعاج الأوروبي من بضعة آلاف من الشباب، دفعتهم القلاقل السياسية التي تحدث في بلدانهم إلى الهرب، في وقت يشهد العالم كله تلك الحقيقة؟.لقد رصدت التقارير عدد الفارين من جحيم الحرب في ليبيا إلى تونس ومصر بأكثر من 250 الف شخص، وهذا يثبت أن هذا مطلب إنساني، لا يبرر المخاوف الأوروبية من الهجرة، التي لها أسبابها.
التعليقات