يبدي العديد من الجزائريين الكثير من القلق حول مصير بلدهم، على الرغم من الخطاب الأخير للرئيس الجزائري الذي تعهد فيه بإصلاحات مهمّة، وعلى رأسها تلك التي تهم الدستور، دون أن يتمكن حقيقة من إقناع كافة الفعاليات السياسية والناشطة في المجتمع المدني داخل البلد وخارجه.

المعارض الجزائري والقيادي في حركة رشاد، محمد زيتوت

الجزائر: بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات التي عادة ما كانت تجهض في مهدها من طرف السلطات الجزائرية، خرج الرئيس الجزائري عن صمته متعهّدًا بعدد من الإصلاحات، دون أن يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تعرفه البلاد، واكتفى بالإعلان عن إصلاحات دستورية وأخرى ستهم الأحزاب والانتخابات ثم الإعلام.

ويعتقد بعض المراقبين أن بوتفليقة لم يعد يمارس صلاحياته كرئيس بما تحمله الكلمة من معنى ودلالة، فالزعيم الجزائري ظهر في صورة رجل مريض يكابد لأجل إنهاء قراءة خطاب أعد لهذه المناسبة، وغابت عنه تلك القوة في القول المعهودة في خطبه، والمرفوقة عادة بحركات تعبيرية، وبالتالي quot;لم تعد له الطاقة الكافية لممارسة السلطةquot;، على حد قول المحلل السياسي أنطوان بسوس.

السؤال الذي يطرحه اليوم العديد من الملاحظين، قبل أي إصلاحات ممكنة في الجزائر، هو طبيعة مرحلة ما بعد بوتفليقة. ويقول بسوس في استجواب لصحيفة مجانية في باريس، إن الكثير من التعهدات quot;بقيت معلقةquot;، وما هذه الخرجة للرئيس الجزائري إلا quot;استراتيجية نظام لربح المزيد من الوقت لتنظيم نفسه حتى لا يتغير كل شيءquot;.

ويقر المتابعون للشأن الجزائري بأن التغيير في الجزائر يبدأ من تجديد النخبة الحاكمة في هذا البلد، بإدماج عنصر الشباب، فغالبية المسؤولين السياسيين في هذا البلد، اليوم، تجاوزت أعمارهم الـ 70 سنة، واحتفظ النظام في العمق بالأسلوب التقليدي نفسه في الحكم، ولو أنه حاول في مناسبات أن يجمّل الواجهة قصد التسويق الخارجي.

ولا يخفي هؤلاء المراقبون الدور المهم الذي ظلّ يقوم به الجيش في الحياة السياسية للبلد، وإن قلّ بنسبة معينة خلال حكم بوتفليقة، فلأنه بحسب ما يفسرونه، يعود إلى حمل أسماء شابة إلى القيادة العسكرية في الجزائر، تحمل تصوّرًا آخر عن اللعبة السياسية الجزائرية، ولا تتفق مع الدور الذي ظل يقوم به العسكر خلف الستار في توجيه الحياة السياسية.

quot;على بوتفليقة أن يرحل...quot;

المعارض الجزائري والقيادي في حركة رشاد، محمد زيتوت، يؤكد ذلك، مصرّحًا في حوار لإيلاف، أن quot;الكثير من الضباط في الجيش quot;لا يريدون توريط أنفسهم في مستنقعات الضباط الكبار الذين يجب محاكمتهمquot;، بحسب قوله، ولهم رؤية مغايرة quot;لرفاقquot; بوتفليقة بشأن جزائر الغد.

ولا يرى التغيير في الجزائر بالمنظار نفسه الذي ينظر به عدد من مواطنيه، على أن التغيير ممكن انطلاقًا من رزمة الإصلاحات التي أطلقها الرئيس الجزائري، ويعلق على ذلك بالقول إن بوتفليقة ما عليه اليوم إلا quot;الرحيلquot;، شأنه شأن العديد من quot;الجنرالات الذين يحكمون الجزائر بعقلية الأربعينات والخمسيناتquot;، على حد تعبيره.

ويقول قيادي حركة رشاد المعارضة عن الرئيس الجزائري، إنه quot;غيّر الدستور ليبقى على رأس السلطة مدى الحياة...quot;، مضيفا أنه quot;لا يرجى لا من بوتفليقة ولا من غيره أي تغيير، وما هو إلا موظف لدى كبار الجنرالات...quot;، ولا ينتظر من هؤلاء إلا quot;الرحيلquot; بحسب قوله.

وفي السياق نفسه، يستطرد الدبلوماسي السابق، أن quot;هؤلاء لا يفهمون أن ما يحدث حولهم، كما أن أغلبهم تجاوز سن السبعينات، بوتفليقة يبلغ من العمر 74 سنة، وهو مريض بالسرطان، يقولون له إن الأمور كلها بخير وإنها جميلة...والناس لا ترى إلا مزيدًا من الفقر، العطالة، التهرب الضريبي، فرار الشباب نحو الخارج، ومزيدا من الانتحارات...quot;

تغيير راديكالي بالطرق السلمية

وعن إمكانية حدوث ثورة في الجزائر على غرار ما حصل في بلدان عربية أخرى، يعتقد زيتوت، الذي قال عن حركته المعارضة إنها تنشط في الداخل والخارج، أن quot;الشعب الجزائري هوأولى بهذه الثورةquot;، معيبًا في الوقت نفسه، الطريقة التقليدية التي تسير بها البلاد.

وبدا زيتوت واثقًا من إمكانية نضج الحركة الاحتجاجية في الجزائر إلى مستوى quot;الثورةquot;، معبّرًا عن quot;يقينهquot; بتأججها في الأيام المقبلة بالقول: quot;أنا على يقين أن الثورة التي بدأت في الجزائر ستكتمل في الأسابيع القادمة...quot;، quot;ثورة تسحق نظامًا يحكم بالقوة...quot;، يفيد المعارض الجزائري.

ولم تعد أي إصلاحات في ظل النظام الحالي تجدي نفعا، باعتقاد زيتوت المقيم في لندن، لأن quot;هذا الأمر تجوز اليومquot;، برأيه، quot;وإن حصل ذلك قبل خمس سنوات أو ست، لكانت المسألة مقبولة، أما الآن، لقد دخلنا مرحلة تاريخية...quot;، موحيًا بأن الانتصار سيكون في الأخير للتغيير الجذري.

وتغيير كهذا الذي ترتضيه حركة رشاد ومعها قسم من المعارضة الجزائرية، يحث زيتوت على أن يكون quot;سلميًّا، شاملاً وعميقًا، وأن يأتي ببدائل راشدة يحقق بموجبها العدل والحرياتquot;، بحسب تصوره، كما أنه لا يؤمن بالتغيير من داخل المؤسسات، لأنه يعتبرها quot;فاسدة ووجودها كالجسد المعلول الذي أثقل كاهل صاحبه، ولا بد من إزاحتهاquot;، طبقًا لتحليله.

أما الجهات التي يعتمد عليها في أي تغيير ممكن في الجزائر، فيحدد المعارض الجزائري مواصفات محددة دون أن يتحدث عن مؤسسات حزبية أو منظمات بعينها، حيث أوضح أن كل من يقاسم حركته أهداف هذا التغيير، فهو يقاسمه ضمنيًا الخندق نفسه، ويؤكد أن quot;الجزائر لجميع الجزائريين مهما بلغت اختلافاتهم، باستثناء الذين أجرموا في حق الشعب الجزائري، يقدمون إلى المحاكمة عندما تنبثق حكومة عادلة وشريفة...quot;

رسالتان

ووجه محمد زيتوت رسالة إلى المعارضة الجزائرية يقول فيها quot;لا للعنف مهما كانت الظروف، أفضل أن أكون مقتولاً لا قاتلاً، حتى لا نعطي الفرصة، من جديد، للنظام ليوظف الإرهاب لصالحه...quot;.

ورسالته الوحيدة إلى المسؤولين في بلده هي دعوته لهم quot;للرحيلquot;.quot;عليهم أن يرحلوا قبل أن يرحلوا...حتى لا يحصل لهم ما حصل لبن علي ومبارك...quot;، يقول زيتوت مضيفًا، quot;ليس أمام هذه الحكومات إلا أن تتغير وإلا ستغير...quot;.

وحمّل زيتوت بشكل أو بآخر تشرذم المنطقة إلى الحكام في الجزائر، ودعاهم على خلفية ذلك، بموجب الرسالة ذاتها، إلى وقف ما أسماه quot;الإجرام في الجزائر وعلى حدود مع الجزائر، لأن المغرب الكبير...quot;، بحسبه، quot;لا بد أن يقوم يومًا ما ونحن شعب واحد...quot;.

وتجدر الإشارة إلى أن إيلاف وجّهت طلبًا إلى السفير الجزائري في العاصمة الفرنسية لسماع رأيه بخصوص أوراش الإصلاحات التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والردّ كذلك على انتقادات المعارضة الجزائرية في الخارج، إلا أنها لم تتلقَّ أي جواب على ذلك.