البيض وسيلة للفرح بانتهاء الموسم الدراسي في تونس

يتذمّر أولياء أمور الطلبة في تونس، وكذلك المارة وأصحاب المحال التجارية من ظاهرة باتت تؤرق الجميع، وتتمثل بطريقة تعبير طلبة المدارس عن فرحتهم بانتهاء الموسم الدراسي، حيث يلجأون إلى التراشق بالبيض والدقيق.


يتدافعون بشكل جماعي نحو الشوارع المؤدية إلى المدارس الإعدادية والمعاهد والأزقة المتفرعة عنها في تونس، هم فتية وفتيات يتسابقون في ما بينهم للاحتفال بانتهاء السنة الدراسية بطريقتهم التي لا تخلو من quot;الثورةquot; وquot;الشيطنةquot; ، يتراشقون بالبيض والدقيق والمياه ولا يسلم من مزاحهم الثقيل حتى المارة وأولياء أمورهم.

يتفقون في ما بينهم ويعدون عدتهم باقتناء ما استطاعوا له سبيلا من البيض والدقيق وينطلق الاحتفال الذي يتواصل على امتداد الأسبوع الأخير لامتحانات نهاية السنة التي أصبحت تقليدا وموعدا رسميا، وبقدر ما ينعشهم بقدر ما يكون سببا في انزعاج الآخرين ومصدرا لغضب الأولياء وأصحاب المتاجر القريبة من المعاهد.

العادة السيئة

طالب تعرض للرشق بالبيض

ويقول حافظ بن قمرة صاحب متجر لبيع النظارات الشمسية والطبية القريبة من أحد معاهد العاصمة تونس إن هذه العادة السيئة التي ينتشي بها الأطفال هي مصدر إزعاج له ولزبائنه الذين يختفون عن المحل طيلة فترة الامتحانات خوفا من البيض الذي قد يصيب احدهم خاصة أن اغلبهم يقطن في مناطق بعيدة عن العاصمة.

ويشدد على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة وايجاد حل لها من قبل إدارة المدرسة وأولياء الأمور قبل انطلاق موعد امتحانات نهاية السنة .
ويرى أن هذه الظاهرة هي تعبير عن التسيب والانحلال الأخلاقي وعدم التوازن النفسي للتلميذ وانه يجب القطع معها نهائيا وتأمين نهاية سنة عادية لا علاقة لها بالتراشق بالبيض والانحلال .

ومن جهته يرى التلميذ حمزة (15 سنة ) أن هذه الممارسات هي تعبير بريء وتلقائي عن الانعتاق من السنة الدراسية والأوامر والنواهي وهي موعد للتعبير عن الفرح والسعادة والمزاح مع الآخرين ومراقبة ردة فعلهم الغريبة التي يبدونها عند ملامسة البيض لهم وهي أيضا نوع من مقاومة الشعور بالإذعان أو الاعتماد على الغير.

الظاهرة أزعجت الكثيرين في تونس لكنها مستمرة

ويقول إن التلميذ يعيش أنواعا شتى من الضغط النفسي طيلة سنة كاملة سواء كان هذا الضغط مسلطا من قبل العائلة أو من قبل المدرسة والمربين خاصة وهو ما يولد لديه انفعالات متفاوتة يعبر عنها بهذه العادة المضحكة وهي طريقة للتمرد على الوضع.

القمع و التعسف
ويرى منير الشابي والد أحد الطلبة، ان اصل الاداء يعود إلى البرامج التعليمية وطريقة تعامل المربين و الإدارة مع التلاميذ التي تتسم أحيانا بالقمع والتعسف و هو ما ينجر عنه هذه التصرفات وخاصة بعض المدرسين ممن يخلقون لدى التلميذ إحساسا بالكره والتمرد والعصيان وبالتالي الضغينة وتحين الفرصة المناسبة للتعبير عن الغضب وانتظار هذا الموعد للتراشق بالبيض والدقيق تعبيرا إما عن الغضب تجاه المعلمين والمسؤولين في الإدارة أو عن الضحك والمزاح مع الزملاء.

ويقول انه لتفادي هذه الظواهر يجب أن تبتعد الإدارة عن سياسة القوة الراسخة في أذهان البعض واحترام الطفل باعتباره كائنا فاعلا في المجتمع واعتماد سياسة الحوار معه وتدريبه على تحمل المسؤولية بعيدا عن سياسة القمع والتقزيم التي عادة ما تكون وراء هذه العادات والممارسات السيئة التي يلجأ إليها الأطفال.

أما الأبعاد النفسية لهذه الظاهرة فيقول عنها معتز بن عبد الله المختص في علم النفس إنها مرتبطة أساسا باللاشعور الذي يمثل واقعا يرتبط بالمحتويات النفسية المكبوتة، ويمكن أن يصبح معلوما ضمن تصرفات الطفل والممارسات اليومية التي تصدر عنه والتي يتمظهر من خلالها اللاشعور من ذلك هفوات الأفعال وزلات اللسان والأحلام وغيرها ومن أفعال تخطئ هدفها و قصدها و تعبر عن شيء آخر مخالف لها، وهذاما نراه من خلال ممارسات بعض الأطفال ممن يلجأون إلى تكسير الأشياء أو التراشق بالحجارة أو غيرها من الأدوات الأخرى .

التراشق بالبيض والدقيق حتى في الشوارع الرئيسة

ويقول إنهاأفعال يجب تناولها بجدّية وكشف معانيها و وظائفها، باعتبارها تظهر الأسرار التي يسعى الطفل إلى إخفائها.

وعن ظاهرة التراشق بالبيض التي انتشرت بشكل كبير يقول الأستاذ بن عبد الله إنها حالة انفعالية يعبّر بها الأبناء بطريقة غير سوية وغير اجتماعية، عن عدم رضاهم عن شيء أو وضع أو تصرف داخل الأسرة، أو خارجها في الحي أو المدرسة أو مجموعة من الأقران.
ويرى محدثنا أنها ترتبط بالثورة والانفجار الحركي غير الواعي يكون عادة مرفقا بالشتم والسباب والذم أو النقد اللاذع من دون انضباط يذكر لهذه التصرفات السلوكية وهو ما يخلف أحيانا آثارا سلبية مادية نتيجة تخريب أو تكسير الأشياء أو أذى جسمي بالضرب والمصادمة

وعن الطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه الظواهر يقول بن عبد الله إن الأسر مطالبة باتباع سلوكات معينة في التعامل مع الأطفال أهمها حل الخلافات من دون عنف واعتماد التعبير الإيجابي عن الاستياء والغضب واعتماد أساليبعقلانية ومدنية.
ويقول إنه من الأجدر توفير مواقف وأنشطة حركية للأبناء يمارسون ضمنها طاقاتهم وإثارتهم الجسمية حتى الإجهاد ، حيث تُستنْفذ بذلك قواهم الجسدية
إضافة إلى توفير الأسرة والمعلمين في المدرسة للأبناء مخارج إيجابية آمنة خالية من الإحراج والحيرة والاستسلام للواقع ،عن طريق الدعابة والمرح ما يُجنبهم تلقائياً عواقب الغضب من أنفسهم ومن الآخرين.

ويرى بن عبد الله ان مبدأ عقد اتفاقات مع الأطفال لضبط مشاعر وتصرفات الغضب لديهم مقابل مكافأة مهمة أمر ضروري من شأنه ان يؤدي إلى تكوين عادات ذاتية لدى الأطفال في التحكم بغضبهم واعتماد العقل في تصرفاتهم.