القاهرة: رغم حداثة نشأتها، إلا أن دولة جنوب السودان تواجه الآن بالفعل أزمة إنسانية، حيث يحتشد قرابة الألف شخص كل يوم إلى تلك العاصمة المغبرة التي تأن تحت وطأة أعداد السكان المتزايدة.

وقال غيوفاني بوسكو، رئيس مكتب الأمم المتحدة المعني بتنسيق الشؤون الإنسانية في جنوب السودان: quot;نشهد تسارعاً غير مسبوق في عدد الأشخاص العائدين إلى الجنوب. وقد شكَّل هذا العدد الضخم من الأشخاص عبئاً إضافياً على الموارد المحدودة والقدرة المحدودة للخدمات العامة في الجنوبquot;.

وبينما يعتبر جنوب السودان جزءً غنياً بالنفط وغيره من الموارد الطبيعية، فهو ما يزال واحداً من أفقر المناطق في العالم، حيث يعيش 90 % من سكانه بأقل من دولار يومياً. هذا فضلاً عن المشكلات الصحية بالغة الخطورة.

وأفادت في هذا السياق اليوم صحيفة واشنطن تايمز الأميركية بأن بعض المناطق هناك لا يوجد بها إلا طبيب واحد يخدم ما يقرب من نصف مليون شخص، كما ترتفع معدلات وفيات السيدات أثناء الولادة عن المعدلات التي يمكن أن تحدث في أي مكان آخر حول العالم.

ويُقدَّر عدد السكان هناك، وفقاً لإحصاء أجرى عام 2008، بـ 8 مليون نسمة، لكن الحكومة تشتبه في أن تلك الأرقام غير صحيحة. وأوضحت الصحيفة أنه ومنذ انتهاء عقدين من الحرب الأهلية بين الشمال العربي وبين الجنوب الذي يهيمن عليه الأفارقة السود عام 2005، عاد أكثر من 2 مليون نسمة للجنوب ممن سبق لهم الهروب من أعمال القتال.

ولفتت بيتي آشان أوغوارو، العضو بالجمعية التشريعية في جنوب السودان، إلى أن هذا التدفق السكاني يشكل خطراً شديداً بسبب انعدام فرص العمل هناك. وأضافت في هذا السياق بقولها :quot; لقد تحولت مصادر الرزق في الجنوب إلى مشكلة. فهؤلاء الأشخاص يعتمدون على المساعدات، لكن تلك المساعدات لن تستمر إلى الأبدquot;.

وقالت باري ووكلي، الدبلوماسية الأميركية البارزة في جوبا quot;المشكلة ليست في الأرقام، وإنما في الوتيرة التي يعودون من خلالها، ما يتسبب في خلق مشكلاتquot;. ومضت الصحيفة تقول إن كثير من العائدين إلى الجنوب جاؤوا وهم يأملون بالعثور على الكرامة، ذلك الشيء الذي استعصى عليهم خلال سنوات عمرهم في الشمال، الذي ما زال يعرف رسمياً بالسودان، حيث كانوا يعانون من التمييز الديني والعنصري.

وقال أحد العاملين بالمجال الإنساني quot; ما يحرك الجنوبيين هو الشعور بالنشوة تجاه البلد الجديد وعدم اليقين الذي يراودهم بشأن مسألة المواطنة في الشمال. كما يشعر البعض بأنه لم يعد مرحب بهم في الشمالquot;. وأشارت الصحيفة إلى أن اندلاع أعمال القتال في منطقة أبيي الغنية بالنفط أدى لتسريع وتيرة نزوح اللاجئين إلى الجنوب.

أما معظم المواطنين الجدد، الذين تعودوا على أنماط حياتية أفضل في الخرطوم، فيرفضون العودة لقراهم واحتشدوا بدلاً من ذلك في عواصم الولايات بطول الحدود التي تفصل الشمال عن الجنوب. وقد حدث انفجار سكاني في تلك المدن. وفي الولايات الغربية والوسطى والشرقية الاستوائية، يعيش معظم الأشخاص العائدين مع أسر مضيفة. ومع هذا، انتشرت مستوطنات جديدة في ولايات شمال بحر الغزال والوحدة وأعالي النيل.

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن التطورات الحاصلة في الجنوب لم تكن من أولويات الحكومة في الخرطوم، وأن جوبا لا تزال تعاني من الإهمال. ونقلت عن أنطوني لينو ماكانا، وزير الطرق والمواصلات في جنوب السودان، قوله: quot;كان يهدف أعداؤنا إلى تحويل جوبا لمدينة غبارquot;.

ولفتت الصحيفة إلى مشكلة اللغة التي سيواجهها أولئك الأشخاص العائدين إلى الجنوب، حيث يتحدثون العربية، كما تعلموا في الشمال، في حين أن اللغة الإنكليزية هي لغة التواصل الأساسية في الجنوب.