تكشف مشاهدات واستطلاعات ميدانية بين أوساط المجتمع العراقي عن ظاهرة تفشي التدخين، ليس بين الكبار فحسب، بل بين الفتيان وطلاب المدارس، وبين النساء أيضاً، يأتي هذا في وقتيسعى برلمانيون عراقيون في مجلس النواب إلى سن قانون يقضي بمنع التدخين في الأماكن العامة.


تبلغ حصة كل عراقي سنوياً 1200 سيجارة

بغداد: رغم أن العراقيين يشتركون مع الشعوب الأخرى في ظاهرة الإقبال على التدخين، إلا أن ما يميزها في العراق أنها كانت في وقت من الأوقات بعيدة عن اهتمامات الأسر والعوائل، كما أن نسب الإناث المدخنات في العراق قليلة جدًا، لكن تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2011 يحذر من ارتفاع نسبة المدخنين بين العراقيين حيث وصل الاستهلاك السنوي الى ما يقارب المليار علبة سجائر، تبلغ حصة كل فرد منها سنوياً 1200 سيجارة.

لكن الذي يحدث اليوم هو في اجتياح تيار التدخين المنازل والبيوت، بعدما كان مقتصراً على المقاهي و(الكافيهات) حتى صار تداول الشيشة (النارجيلة) بين أفراد الأسرة حدثاً يوميًا معتادًا. وبينما تحتل السيجارة المكان الأول في الاستهلاك في العراق بين منتجات التدخين، إلا أن أساليب تدخين أخرى بدأت تحتل موقعها في سلم اهتمام المدمن العراقي مثل (الشيشة) و(التبغ الممضوغ)، إضافة إلى السجائر المخلوطة بالمواد المخدرة.

ويقتل التدخين حوالى نحو خمسة ملايين شخص في العالم كل سنة، وبحسب استطلاعات منظمة الصحة العالمية فإن المتوقع أن يودي التدخين بحياة نحو ثمانية ملايين شخص سنوياً عام 2030.

من المقاهي إلى البيوت

ومنذ السبعينات تسلل الى المقاهي، نمط جديد من تعاطي التبغ وهو laquo;المضغةraquo; وهي مزيج من التبغ والعسل. وكما يقول سعيد جبار المدمن على quot;الشيشة quot; فان هذا النوع من التبغ انتشر على يد المصريين الذين قدموا للعمل في العراق منذ منتصف السبعينات.

ويتذكر جبار، أن التبغ الممضوغ كان في العراق منذ منتصف الستينات لاسيما في مقاهي بغداد، لكنها لم تكن متداولة بشكل كبير جدًا، ولاسيما أن المستوى الاقتصادي في العراق كان جيداً، وليست هناك حاجة كبيرة لاستهلاك المضغة الرخيصة الثمن بدلا من السجائر.

وتكلف النرجيلة المدخن العراقي حوالى 30 ألف دينار من ضمنها quot;القمجي وقطع السليفونquot; التي توضع فوق الحجر وتحافظ على نكهة المعسل.

فتيات مدخنات

وفي الكثير من الكازينوهات في العاصمة بغداد وإقليم كردستان (شمال العراق) ومدن الجنوب والوسط، لم يعد منظر الفتيات المدخنات للشيشة لافتاً، فقد أصبح جزءاً من منظر المقاهي اليومي.

وتقول هيفاء كريم، وهي طالبة جامعية، تقتني نارجيلة في البيت، كما أنها تقصد الكازينوهات في بعض الاحيان لتدخين الشيشة، إن الفتاة العراقية تفضل معسل النعناع والفراولة والمشمش.

ويقول الخبير في إعداد الشيشة أبو حسنين الذي يتقاضى مبلغ عشرين ألف دينار عراقي في اليوم من عمله في مقهى النجوم في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) إن الشائع في هذا الكازينو ويقبل عليها المدخنون لاسيما الشباب، نرجيلة اسمها quot;البابليةquot; حيث يوضع الثلج في راس quot;القمجيquot; لتبريد الدخان، كما يضاف عطر المعسل للحصول على المذاق الطيب.

لكن ثمة قلق يساور الناشطة النسوية احلام شاكر التي ترى في تدخين السيدات خطرًا أكبر من تدخين الرجال لتأثيراتهفي الجنين وصحة المواليد. وتشير أحلام إلى ظاهرة رصدتها عبر تجاربها الميدانية وهو أن المرأة العراقية المدخنة، غالبًا ما يكون لها أولاد مدخنون. وتؤكد أحلام ذلك عبر أبحاث تسعى إلى نشرها، أن اغلب الشباب من المدخنين لهم والدان يدمنان التدخين.

ويرجع زيد ثامر ( 22 سنة) تدخينه للشيشة إلى كونها مريحة للأعصاب، كما أن مصاحبتها تضفي إحساسًا بالرجولة. ويختار بعض الفتيان والشباب المقاهي للتواري عن أنظار الأهل أثناء تدخين الشيشة رغم أن تدخينها بدا أمرًا عاديًا لدى الكثير من الأسر والعوائل.

ويروي حميد الفتلاوي تجربته المرة مع التدخين عبر عقود، منذ تطوع في صفوف الجيش أوائل السبعينات، حين تعايش مع منظومة اجتماعية من مدمني الكحول والتدخين فلم يستطع مقاومتها، وكانت النتيجة إصابته بسرطان الرئة الذي أطفأ جذوة الأمل في حياته. وبسبب الألم الذي تركته السيجارة في نفسه حرص كثيرًا على عدم تعلم أطفاله التدخين.

ويقترح حميد رفع أسعار التبغ والضرائب على المدخنين، بغية الحد من الظاهرة، وتوفير علاجات لضحايا التدخين عبر تحصيل الضرائب من المدخنين وتجار الدخان.

ويروي الفتى ضرغام ( 15 سنة) كيف تعلم التدخين من والده، ويتابع : علبة السكائر في جيب أبي كانت تستهويني وعندما أشاهده يقذف الدخان من فمه أحب ان افعل مثله.

مصادر التبغ

ويقول تاجر التبغ في الشورجة علي حسين إن مصادر التبغ و السجائر في العراق، محلية وأجنبية، ففي شمال العراق يزرع التبغ من دون فرض قيود على ذلك. كما أن عشرات الأنواع من ماركات السجائر والتبغ العالمية الرديئة والجيدة على حد سواء، تدخل إلى العراق عبر الحدود من دون فرض ضريبة لتباع في الأسواق بسعر رخيص جداً يشجع المواطن على التدخين.

وفي مقاهي بغداد وفي مدن العراق الأخرى مثل الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد) يباع معسل quot;لوتتن فالتتنquot; وهي صنف من مخدرات مستوردة من إيران وسوريا. ويبلغ سعر النرجيلة المحتوية عليها نحو 5000 دينار، أما نرجيلة المعسل فسعرها 1500 دينار.

ولا تجد النساء الراغبات في تدخين النرجيلة صعوبة في تحقيق غايتهن في quot;كوفي شوبquot; المنتشرة في أنحاء كردستان وفي بغداد، وكذلك المطاعم الفخمة في باقي المدن والتي تقدم نفسها على أنها أماكن استراحة للعوائل، بل وأصبحت رائحة quot;التتن المعسلquot; ذي الروائح النفاذة جزءا من الجو الذي يحرص أصحاب المقاهي على توفيره كسبًا للزبائن من الرجال والنساء.

ويشير حسين إلى غياب قانون يردع الأطفال والفتيان المدخنين، حيث يمكن للفتيان وحتى الأطفال من شراء علبة سجائر من السوق بسهولة ولاسيما أن أثمانها بخسة.

قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة

وفي تموز (يوليو) 2011 سعى برلمانيون عراقيون في مجلس النواب إلى سن قانون يقضي بمنع التدخين في الأماكن العامة. وبحسب رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي لقاء آل ياسين فإن القانون ضمن القوانين المرحّلة إلى الدورة البرلمانية الحالية، وينص على منع التدخين في الأماكن المغلقة، خاصة دوائر الدولة والقطاعات العامة ووسائط النقل كافة، كما يمنع الترويج للتدخين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. كما ينص القانون على تحديد نوعية التبوغ التي تدخل إلى البلاد اعتمادًا على نسبة النيكوتين الموجودة فيها.

وكان العراق انضم عام 2007 إلى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة والخاصة بمكافحة التبغ ومشتقاته. لكن الناشط المجتمعي كريم فيصل يرى أن القطار قد فات، فقد أصبحت النرجيلة جزءًا من مقتنيات العائلة العراقية، فالرجال الذين ادخلوها الى البيوت يتحملون مسؤولية إدمان النساء والفتيان عليها، فلا غرابة أن يكون للنساء حصة لا يستهان بها بين مدمني الدخان والنرجيلة في المستقبل.