بيروت: أثارت مواقف بطريرك الطائفة المارونية بشارة الراعي الاخيرة حول التخوف من quot;مرحلة انتقالية في سوريا قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرقquot;، جدلا واسعا في لبنان بين من انتقد دفاعه عن نظام بشار الاسد الذي هو quot;في طور الانهيارquot; ومن ادرجه في سياق خوف الكنيسة على الاقليات المسيحية.
وكان الراعي ادلى بتصريحات خلال زيارة له الى فرنسا الاسبوع الماضي حذر فيها من خطر وصول الاصوليين السنة الى السلطة في سوريا، معتبرا انه كان يجب اعطاء الرئيس السوري quot;المزيد من الفرص لتنفيذ الاصلاحات السياسية التي بداهاquot;.
ويقول الكاتب السياسي الياس الزغبي quot;لقد ارتكب البطريرك الراعي خطأ كبيرا بذهابه الى فرنسا التي تربطها مع الموارنة علاقات من مئات السنين، ليقول احموا نظام الاسد في وقت ينهار فيه هذا النظام. هذا التصرف هو عكس السير وعكس التاريخquot;. وتساءل quot;بشار الاسد يغرق بحكم منطق التطور، فهل نغرق معه؟quot;.
وتابع الزغبي quot;ليس صحيحا ان الاستبداد يحمي الاقليات. قبل وصول آل الاسد الى الحكم في سوريا كان عدد المسيحيين هناك اكثر من مليونين بينهم اسماء لمعت في النهضة العربية. اليوم لم يبق سوى اقل من مليون ليس بينهم أي شخصية فكرية أو ثقافية أو سياسية لامعة، ما عدا داود راجحة (وزير الدفاع) الذي اتوا به ليستقووا بالمسيحيين على السنة في اراقة دماء السوريينquot;.
ورأى ان quot;افضل حل للمسيحيين في هذه المرحلة الانتقالية في العالم العربي هو الانخراط في حركة التغيير وترشيدهاquot;. وكان الراعي ابدى تخوفه من تحالف الاخوان المسلمين في حال وصولهم الى السلطة في سوريا مع السنة في لبنان، ما قد quot;يثير مشاكل مع الشيعةquot; ويشكل خطرا على المسيحيين.
وقال الزغبي ان quot;تحالف الاقليات خطر كبير على المسيحيين، علينا ان نسعى الى تحالف الاولوياتquot;. وازاء الانتقادات التي صدرت عن عدد كبير من شخصيات مسيحية وسنية من قوى 14 آذار المناهضة لسوريا، اضطر الراعي بعد عودته الى لبنان مساء الاحد الى quot;توضيحquot; بعض الكلام الذي نسب اليه. علما ان هذا الكلام لاقى ترحيبا من الزعيم المسيحي ميشال عون وحليفه الشيعي حزب الله.
ونقلت صحيفة quot;النهارquot; الاثنين عن الراعي قوله لمجموعة من الصحافيين ان quot;كلامي اجتزىء واخرج من اطاره ولذلك فهم على غير محله او تم تحويرهquot;. وقال انه ركز في محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين على quot;اننا مع الاصلاح في العالم العربي على كل المستويات (...) ومع مطالبة الناس بحقوقهم وبالحرياتquot;.
واضاف quot;لسنا مع العنف من اي جهة اتى... ولسنا مع اي نظام او ضد اي نظام ولا ندعم اي نظامquot;. الا انه جدد تخوفه من quot;الانتقال من الانظمة التي تتصف بالديكتاتورية الى انظمة متشددةquot;... ومن الوصول quot;الى حرب اهلية لان مجتمعاتنا مؤلفة من طوائف ومذاهب، ومن احتمالات التقسيم الى دويلات مذهبية يذهب ضحيتها المسيحيونquot;.
ويؤكد المحلل السياسي جان عزيز ان موقف البطريرك يندرج في اطار الموقف الفاتيكاني، ولا تمليه السياسات الضيقة. ويقول ان اختيار الراعي في آذار/مارس الماضي خلفا للبطريرك نصرالله صفير الذي عرف بمواقفه المتشددة من سوريا وحليفها في لبنان حزب الله، جاء من ضمن quot;مقاربة فاتيكانية شاملة للوضع في المنطقة ووضع المسيحيين فيهاquot;.
ويضيف quot;لا اعتقد ان البطريرك مغرم بنظام بشار الاسد ولا يجهل الاثمان الكبيرة التي وقعت في لبنان نتيجة وجود هذا النظام عسكريا على مدى ثلاثين سنة على الاراضي اللبنانية (1976-2005). هو لا يدافع عن النظام انما يقول اخشى ان تؤدي الاضطرابات الى حرب اهلية يتكرر فيها النموذج العراقي المسيحي في سوريا وفي لبنانquot;.
واكد ان quot;هذا الموقف لا علاقة له بالسياسة (المحلية) اليومية ولا بموازين القوى ولا بدعم طرف ضد طرفquot;. وعما اذا كان وصول انظمة اصولية الى الحكم في سوريا وغيرها من الدول حتميا، يقول عزيز quot;كلا، ليس حتميا. الاتجاه العام للتاريخ لا يخطىء وهو ذاهب نحو الحداثة ومزيد من الديموقراطيةquot;.
ويضيف quot;الا ان هذه الاتجاهات تمر دائما بمراحل انتقالية تتخللها مخاضات تطفو فيها على السطح المواقف الاكثر تطرفا، وبينها الموقف الاصولي، بدليل ما نراه في تونس ومصر وغيرهاquot;. الا انه يرى ان quot;حجم الاقليات في المنطقة لم يعد قادرا على احتمال حتى هذه المراحل الانتقاليةquot;.
واذا كان موقف الراعي يعكس راي فئة من المسيحيين السوريين الذين يخشون وصول الاخوان المسلمين المقموعين في ظل حكم حزب البعث، الى السلطة في حال سقوط نظام الاسد، غير ان الكثير من المعارضين السوريين المسيحيين يرفضون quot;اداة التخويفquot; هذه.
ويقول الناشط السوري عهد الهندي (مسيحي) من واشنطن ان quot;الحقيقة التي لا يفهمها الراعي وغيره من رجال الدين ان المسيحيين في سوريا ليسوا كتلة سياسية واحدة، كثيرون منهم مع الثورة وبعضهم مع النظام. (...) ولا يوجد حلف حقيقي بين اقلية مسيحية واقلية علويةquot;. ويتابع الهندي، عضو المكتب التنفيذي لمؤتمر انطاليا، ان quot;المسيحيين ليسوا ابناء جالية ولا غرباء في بلدهم. انهم جزء من الثورة، ويشاركون في التظاهرات في كل المدن السوريةquot;.
ويرى ان كلام الراعي quot;فيه دعوة الى تقوقع المسيحيين، بينما مصلحتهم تكمن في تحقيق الديموقراطيةquot;. ويؤكد ان quot;لا خوف على الوجود المسيحي في سوريا. لطالما عاش المسيحيون والمسلمون جنبا الى جنب. النظام هو من يستخدم اداة التخويف هذه، وبيت الاسد هو من اوجدها... لكنها غير صحيحةquot;.
التعليقات