يحاول أحمدي نجاد استغلال قضية السياح الأميركيين المحتجزين في طهران لتغيير الصورة المأخوذة عنه لدى الطبقات الوسطى في بلاده، وهو يريد إخبارهم بأنه ليس متشدداً كرجال الدين، بل إنه مثلهم،هذا في وقت أكد القضاء الإيراني أن سلطنة عمُان دفعت الكفالة للإفراج عن المعتقلين.


شين باور وجوشوا فتال أثناء جلسة المحكمة الأولى

واشنطن: رأت اليوم تقارير أميركية أن إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي عن عفوه عن اثنين من السياح الأميركيين الثلاثة المحتجزين في البلاد منذ قرابة العامين بتهمة التجسس، ومن ثم نقض هذا القرار في اليوم التالي من قِبل سلطته القضائية، قد تسبب له بحرج دولي في وقت يسعى إلى تحسين العلاقات مع الغرب.

غير أن محللين سياسيين إيرانيين أوضحوا أن تلك الحلقة ليست سوى خطوة سياسية جرى التخطيط لها بعناية، بهدف مساعدة نجاد داخلياً، عن طريق إظهار منافسيه في مؤسسة رجال الدين في الجمهورية الإسلامية على أنهم معاندون ورجعيون، وإظهاره هو على أنه شخص مسؤول، وفقاً لما نقلته عنهم صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

وكان القضاء الإيراني أعلن رسمياً الأربعاء قرار الإفراج عن المواطنين الأميركيين اللذين كانا معتقلين منذ سنتين في إيران بتهمة التجسس مقابل كفالة بقيمة quot;خمسة مليارات ريال (حوالى 400 ألف دولار)quot;. وقال بيان للسلطة القضائية نشر على موقع التلفزيون الرسمي في شبكة الانترنت quot;على أثر الطلب الذي قدمه محامي المواطنين الأميركيين، حولت الغرفة 36 في محكمة الاستئناف ... الحكم بالاعتقال الموقت كفالة تبلغ قيمتها خمسة مليارات ريال، وأخلت سبيل هذين الشخصين في انتظار صدور حكم نهائيquot;. من جهته أفاد محاميهما أن سلطنة عمان دفعت الكفالة عن المواطنين الأميركيين.

في هذه الأثناء، قال أمير محبيان، وهو خبير استراتيجي متخصص في الشؤون السياسية ويتمتع بعلاقات جيدة مع قادة إيران: quot;يحاول أحمدي نجاد تغيير الصورة المأخوذة عنه لدى الطبقات الوسطى في إيران. وهو يخبرهم بأنه ليس متشدداً كرجال الدين، بل إنه مثلهمquot;.

وترى الواشنطن بوست أن موجة الجدل القائمة حول هؤلاء السياح الثلاثة كانت بمثابة الخلفية المهيمنة على المشهد العام، مع توجه نجاد إلى نيويورك، أول أمس الاثنين، للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيلقي كلمته يوم غد.

وكان نجاد قد أخبر مندوبين عن صحيفة واشنطن بوست وشبكة إن بي سي نيوز الأميركية الأسبوع الماضي أن السائحين شين باور وجوشوا فتال، اللذين يبلغان من العمر كلاهما 29 عاماً، سيحصلان على عفو من جانب واحد وسيعودان لديارهما في غضون أيام. غير أن السلطة القضائية في البلاد، التي يقودها رجال دين شيعة كانوا يدعمون نجاد في السابق ويعارضونه الآن، تعاملت بصورة غاضبة في اليوم التالي مع قرار الرئيس، وأكدت أنه لا يمتلك السلطة التي تجيز له إطلاق سراح هذين الرجلين.

واتخذت السلطة القضائية في وقت سابق قراراً بإرجاء إطلاق سراحهما، وطلبت دفع مبلغ قدره مليون دولار ككفالة. وأرجئ إطلاق سراح الرجلين يوم الأحد الماضي مرة أخرى، لأن أحد القضاة الذي كان يجب أن يوقع على الأوراق الخاصة بالكفالة كان في إجازة. وللتأكيد على عدم رغبتها في التوصل إلى حل وسط في تلك الأزمة، كما قالت الواشنطن بوست، رفضت السلطة القضائية في إيران أيضاً السماح لوفد من الزعماء الدينيين الأميركيين والمسلمين الأميركيين بزيارة باور وفتال، على الرغم من دعوة أحمدي نجاد لهم كي يأتوا إلى إيران ويساعدوا في إعادة الرجلين إلى الولايات المتحدة.

وقد غادر هذا الوفد إيران أول أمس الاثنين بعد ستة أيام قضاها في مشاهدة معالم البلاد وعقد اجتماعات مع قيادات دينية وسياسية، لكن دون أن يتمكنوا من التواصل مع باور وفتال، الذين ألقي القبض عليهما، إلى جانب سارة شورد التي أفرج عنها العام الماضي لأسباب طبية، أثناء تجولهم بالقرب من الحدود الفاصلة بين العراق وإيران في تموز/ يوليو عام 2009. وقد أدين باور وفتال الشهر الماضي بتهمة التجسس، وصدر ضدهما حكم بالسجن لمدة ثمانية أعوام. وهو ما جعل أقرباء الرجلين وكذلك مسؤولي الحكومة الأميركية يصفون اتهامات التجسس هذه بالزائفة.

هذا وقد أشارت تقارير صحافية أميركية في السياق نفسه إلى أن الصراع الذي نشب في إيران بشأن قضية السياح الأميركيين الثلاثة أكد حقيقة تنامي وضعية أحمد نجاد باعتباره مسؤولاً متمرداً داخل القيادة الإيرانية. وأعقبت واشنطن بوست بنقلها عن مجموعة من المحللين تأكيدها أن مطالبة نجاد بإطلاق سراح السياح تعتبر جزءًا من جهد أوسع في النطاق لإعادة تشكيل صورته على الصعيد الداخلي باعتباره شخصية إصلاحية، لديه من الجرأة ما يجعله يتحدى أبرز قادة الجمهورية الإسلامية.

وبإقدامه على تلك الخطوة، أوضحت الصحيفة أن نجاد يأمل أن تُكَلَّل جهوده بالنجاح في ما يتعلق بمساعيه للظفر بدعم أفراد الطبقة المتوسطة الإيرانية - وكذلك دعم طبقات أخرى بدءًا من سائقي الحافلات وحتى الأطباء ndash; الذين يطالبون بمزيد من الحريات وتحسين العلاقات مع العالم الخارجي وتقليل تدخل الدولة في حياة الأفراد الخاصة.

علماً أن الانتخابات البرلمانية المقررة في آذار/ مارس المقبل سينظر إليها على أنها بروفة لانتخابات الرئاسة التي ستجرى بعد عام. وقال صادق زيباكلام، أستاذ العلوم السياسية المرتبط بجامعة طهران: quot;نعم، هو يحاول التواصل مع أفراد الطبقة المتوسطة من خلال مثل هذه التحركات. لكني أرى أن ذلك الجهد غير مُجدٍ، كما أن هؤلاء الأشخاص لم يعد لديهم ثقة في نجادquot;.