يبقى الخبر اللبناني في إطار تداعيات اغتيال اللواء وسام الحسن، وما أنتجه من خلط للتحالفات، أهمها السجال العنيف بين وليد جنبلاط وسعد الحريري، خصوصًا أن جنبلاط يستقرئ موقفًا دوليًا يرفض الفراغ، ما لا يقنع الحريري ولا أعوانه.


تناولت الصحف اللبنانية اليوم المشهد السياسي الذي حافظ على ارتباكه بسبب تداعيات اغتيال اللواء وسام الحسن. فلا مفرّ من الاعتراف بما أنتجه هذا الاغتيال من إعادة رسم مبدئية لخريطة التحالفات السياسية في البلد، خصوصًا لجهة انفصال الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، من دون أن يصل الأمر إلى طلاق، أو لجهة حزب الكتائب الذي حافظ على مسافة سماح وتفكير مع قوى 14 آذار، فبدا أقرب إلى المقاربة الجنبلاطية منها إلى المقاربة الحريرية من مسألة إسقاط الحكومة.

وتعاود الحكومة نشاطها الرسمي اليوم، وتستعد لاستحقاق جلسة الأربعاء المقبل، والتي يتوقع أن تقر فيها بعض التشكيلات الدبلوماسية، مع استبعاد مناقشة بند سلسلة الرتب والرواتب.

أميركا و14 آذار: ثقة مفقودة

احتل الصراع المستجد حول مصير الحكومة الميقاتية حيزًا كبيرًا في محليات الصحف. وتعترف صحيفة السفير بأن فكرة حكومة حيادية هي الأكثر قبولًا الآن، لكنها تستدرك النقاش في هذا الصدد بنقاشات وتساؤلات أميركية quot;حول مدى قدرة الرئيس ميشال سليمان على الخروج بحكومة كهذه بالتراضي او بالتغاضي، وما اذا كان سيتمكن من الإمساك بالمفاصل الأمنية في الادارة اللبنانية، وهناك إشادة بمواقف سليمان الأخيرة، لا سيما خلال مراسم تشييع الحسن، والانظار موجهة إليه الآن لأخذ المبادرة، وبلورة حل مع الأطراف الداخلية ودفع الكرة الى الامام، وبالتالي الاعتقاد السائد ان أسهم حكومة نجيب ميقاتي تراجعت، لكن العلاقة الاميركية مع ميقاتي لا تزال على حالها، رغم التحفظ على عدم إعلانه مواقف واضحة تشبه مواقف سليمانquot;.

وفي السياق عينه، تلفت الصحيفة الى أن الكلام عن أزمة الثقة القائمة بين واشنطن و قوى 14 آذار ليس مفاجئًا. تضيف أن هذه الأزمة quot;هي أحد العوائق الرئيسة أمام أي حسم أميركي لمصير الحكومةquot;. وتتابع السفير: quot;كان هناك تحفظ اميركي على ما حصل حول السرايا الحكومية، باعتبار ان 14 آذار قامت بخطوة ارتدّت عليها سلبًا، وأدت الى تحجيم الحدث، وبالتالي يوجد شعور أميركي ان 14 آذار ليست جاهزة لتشكيل حكومة بديلة، وليس هذا توقيت حكومة كهذهquot;.

وفي رد على هذا التحليل، نقلت جريدة المستقبل قول النائب السابق مصطفى علوش عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، إن الحديث عن إجماع دولي داعم لهذه الحكومة quot;مضحك خصوصًا ان حزب الله يستجدي الإستكبار الذي يحاربه نظريًا لدعم حكومتهquot;. وشدد علوش على أن quot;الوقوف بمسؤولية يحتاج الى قرار رجل دولة، وهذا ما لا يملكه نجيب ميقاتيquot;، مؤكدًا أن quot;حركتنا غير مرتبطة بما يقوله رئيس الحكومة لأن لا علاقة له بالمصلحة الوطنية، ونحن مستمرون بشكل يومي لرفع صوتنا في المطالبة بإسقاط هذه الحكومة، بالإضافة الى خطوات تصعيدية على مستوى المؤسساتquot;.

مقاطعة تهور الحريري

تنسج صحيفة الأخبار على منوال السفير، فترى أن فريق 14 آذار يعيش المرحلة الأصعب في حياته القصيرة جدًا. تقول: quot;التجمع السياسي الذي ولد الأكبر في لبنان، انتهى مشهده أمس مع بضعة شبان يريدون قلب المعادلة. ويبقى المستقبل في واجهة الأزمة. ومشكلته اليوم ليست مع جمهوره فقط، بل أيضًا مع الرعاة في الخارج، حيث تكثر الطعنات، ويقلّ الدعمquot;. وعلى ذمة الأخبار نفسها، شهد الاسبوع الماضي quot;نشاطًا ملحوظًا للسفيرة الأميركية في لبنان، بغية إبلاغ وليد جنبلاط وسمير جعجع ضرورة مقاطعة تهوّر سعد الحريري، وإدارة الظهر لاتصالات بندر بن سلطان الهاتفية المطالبة بإسقاط حكومة نجيب ميقاتيquot;.

وبحسب الصحيفة، قالت مورا كونيللي، السفيرة الأميركية في لبنان، لرئيس اللجنة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع إن القطريين أكثر واقعية في سياساتهم من السعوديين، وبات يمكنهم أن يلعبوا دورًا في لبنان، وحتى في فلسطين، ويجب علينا جميعًا إدراك أنه محظور إسقاط حكومة ميقاتي في ظروف عدم توافر بديل لها.

المستقبل: لا سجال

وبموازاة الرغبة الأميركية في النأي بالنفس عن تهور الحريري، استمرت الاتصالات مقطوعة بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، ونقلت الأخبار عن الطرفين تأكيدهما quot;غياب أي وساطة لحل الخلاف بينهما، مع تأكيد كل منهما أن قراره يقضي بعدم التصعيد الكلاميquot;. ونقلت الصحيفة عن مصادر جنبلاط تهكمها: quot;بما أننا في المحور الإيراني ـ السوري، أتتنا التعليمات بعدم الردquot;.

في المقابل، نقلت صحيفة المستقبل عن نائب بارز في كتلة المستقبل النيابية قوله إن قرار الرئيس سعد الحريري يقضي بعدم التصعيد، وما جرى كان تبادل قصف موضعي على طريقة القصف التركي ndash; السوري.

لكن النائب محمد الحجار، عضو كتلة المستقبل، فقال للأخبار إن ما قاله جنبلاط لم يكن مناسبًا، وهو الأمر الذي استدعى ردًا مباشرًا من الرئيس الحريري، مؤكدًا أن كتلة المستقبل لا تريد أن تذهب بالأمور إلى أكثر من ذلك، مشيرًا إلى وجود quot;الكثير من المواقف التي نتفق فيها مع النائب جنبلاط، ولا سيما لجهة الموقف من الأحداث السورية، أما في ما يخص الموقف من الحكومة، لا نريد الدخول في سجالات مع أحد، فموقفنا معروف، ونرى أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستأخذ البلد إلى الفتنة، فيما يرى جنبلاط أنها الضامن الوحيد للاستقرارquot;.

من أقدر مني؟

من جانبه، ما أراد النائب وليد جنبلاط تصنيف سجاله مع الفريق الأزرق بالاشتباك. وقال للسفير : quot;أنا لا أريد أن أشتبك مع أي فريق، لا المستقبل ولا غيرهquot;. وتوجه عبر الصحيفة إلى فريق 14 آذار قائلًا :quot;أمّنوا التوافق على حكومة جديدة، وأنا معكمquot;.

كما أكد جنبلاط عدم جواز المجازفة quot;بتعريض البلاد للفوضى، وجرّ الجيش إلى مستنقع الفراغ في القرار السياسيquot;، مشددًا على أن لا تموضع في السياسة.

أضاف: quot;صحيح أنّ الانتخابات النيابية ستدقّ بابي قريبًا، ولا قدرة لي على طلاق الأصوات الزرقاء في اقليم الخروب، ولا رغبة لي في استفزاز أبناء الطائفة السنيّة في البقاع الغربي وبيروت... ولكن لكل حادث حديث. ومن أقدر منّي على ابتكار صيغة توافقية، لا بد وأن يحين وقتهاquot;.

وفي تماهٍ واضح مع موقف جنبلاط، نقلت النهار عن أوساط الرئيس ميشال سليمان ربطه التباحث في حكومة جديدة بطاولة الحوار المقررة جلستها في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتقول هذه الأوساط: quot;إذا لم يجلس المتحاورون إلى طاولة الحوار للتباحث في الشأن الوطني وكيفية تحصين الوضع الداخلي، كيف سيتم البحث في قيام حكومة جديدة؟ وبالتالي فالأمور مرهونة بالعودة إلى الحوارquot;.

خطأ التصويب

في هذا الإطار، تبرز جريدة الجمهورية، المعروفة بقربها من قوى 14 آذار، في موقف يحمّل هذه القوى ما يحصل على الساحة اليوم، بسبب خطئها في التصويب على الرئيس نجيب ميقاتي، quot;فيما المطلوب كان استمالته وتحييده لدفعه إلى الاستقالة لا حشره واستفزازه، وهذا تحديدًا ما أكده ميقاتي بأن استقالته كانت ممكنة قبل تحميله دم الشهيد وسام الحسنquot;.

لكن الجمهورية تستدرك أن الباطن غير الظاهر، فالمعارضة لا تستطيع الرهان على نوايا رئيس الحكومة الطيبة، فيما هي متأكدة بأنه لن يتجرّأ على الاستقالة، خصوصاً أن هذه الخطوة لا تتطلب تشاوراً بل إقداماً في لحظة مفصلية من حياة الوطن. ولو كان صحيحًا بأنه كان في وارد الاستقالة، quot;فقد جاء اغتيال الحسن ليمنحه الفرصة للخروج من تحت هيمنة حزب الله وفتح الباب أمام إعادة تصحيح الخلل في التوازن، ولكنه لم يكن ولا لحظة في هذا الوارد كونه لن يقدم على أي خطوة إلا بإذن من حارة حريك، لا وبل سيواصل الدور المكلّف به والمنسق مع الحزب عبر إظهار التمايز عنه في خطة مدروسة هدفها تظليل الحكومة بالشرعية الدولية التي تمكنها من الاستمراريةquot;.

وتقول الجمهورية إن quot;من لديه النية الفعلية للاستقالة لا يسأل عن موقف من هنا وهناك للتذرع بالعدول عن خطوته، إنما يُقدم على ما يتناسب مع قناعاته بمعزل عن محاولة استثمار هذا الفريق أو استياء الفريق الآخرquot;.

وترى الجمهورية أن المعارضة لا تستطيع السماح بتفويت اللحظة السياسية المتمثلة باغتيال الحسن، خصوصًا أن كل هدف الحكومة التي تغطي الاغتيالات امتصاص النقمة عبر الكلام الفارغ عن الإدانة الشكليّة وانتظار التحقيقات والتضامن الوطني وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن لبنان، وذلك من أجل إعادة الحياة إلى طبيعتها وكأنّ شيئاً لم يكن.

أقل الإيمان

ترى الجمهورية ما صدر عن 14 آذار من مواقف قبل التشييع وبعده أقل الإيمان، quot;خصوصًا أن القاصي والداني يعلمان أن الرأي العام الاستقلالي اعتبر أن قيادته متخاذلة في ظل الطروحات المطالبة بالتسلّح والأمن الذاتي لمواجهة آلة القتل التي لا يمكن مواجهتها، وفق قسم من هذا الرأي العام، بتشكيل حكومة وإجراء انتخاباتquot;.

وتخلص الجمهورية إلى أن الطريق الوحيد لإسقاط الحكومة، في ظل التمسك الأعمى لحزب الله بها، هو الضغط على رئيسها في الشارع وتحديداً في طرابلس، ومن منطلق الموقف السعودي والموقف الدولي. لذا، quot;لم تخطئ 14 آذار إطلاقًا بالتصويب على ميقاتي، فهو في نهاية المطاف جزء من عدة شغل حزب الله أو ماكينته، والدور الذي يقوم به ميقاتي أخطر من دور حزب الله نفسه، لأن هوية الحزب معروفة، فيما رئيس الحكومة يحاول الظهور شكلًا بمظهر يختلف عن جوهر وظيفته ودورهquot;.

الحكومة تجتمع بلا سلسلة

بعد أنباء عن اعتكاف، ثم عودة إلى السرايا، تعود الحكومة إلى الانعقاد يوم الأربعاء المقبل، من دون أن تكون سلسلة الرتب والرواتب بندًا مطروحًا في الجلسة، بحسب جريدة الأخبار، بسبب وجود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خارج لبنان. فمجلس الوزراء كان سيستمع إلى شرح سلامة عن تأثير السلسلة في الوضع النقدي والاقتصادي في البلاد، وبناءً على ذلك، سيستكمل مجلس الوزراء درس البنود الموجودة على جدول أعماله، التي لم ينجزها في جلساته السابقة. وهذا يعني عودة النقابات اللبنانية إلى نغمة الإضراب.

فقد ذكرت صحيفة النهار أن هيئة التنسيق النقابية ستعقد اجتماعًا اليوم الاثنين لتؤكد فيه موقفها من المطالب الحياتية وسلسلة الرتب والرواتب، معلنة تراجعها عن التحرك النقابي الذي كان مقررًا الاربعاء والخميس المقبلين، في انتظار الوعد الحكومي بإحالة السلسلة على مجلس النواب في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.

لكن لا قرار نهائيًا بعد، كما قال نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوظ للجمهورية، حول إذا ما كان يوم الاربعاء المقبل هو يوم اضراب في الادارات العامة والمدارس الخاصة والرسمية.