لا تخلو قصص الثورة السورية من أبطال تحولوا خلال أكثر من عام ونصف إلى أمثلة عليا يقتدي بها الثوار. من هؤلاء إمام المسجد العمري في درعا وخطيبه الذي جاهر بمعارضته منذ سنوات، الشيخ الكفيف أحمد الصياصنة الذي كان عين الثورة على الحق في الوطن.


دمشق: ولد الشيخ أحمد عيد الصياصنة في مدينة درعا البلد، في العاشر من نيسان (أبريل) 1945 لأسرة فقيرة وبسيطة. أصيب في الأشهر الأولى من ولادته بالرمد، ما أدى لفقدانه نعمة البصر بسبب الجهل واللجوء إلى طرق العلاج البدائية، لكن الله عوضه عن مصابه بنعمة البصيرة.
بعد أن حصل على الشهادتين الاعدادية والثانوية، ذهب في بعثة على نفقة الجامعة العربية إلى مصر في العام 1967، ليتعلم كيفية تعليم المكفوفين وتأهيلهم. وفي العام 1970، تم قبوله في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، حيث أتم حفظ القرآن الكريم كاملًا عن ظهر قلب. وفي العام 1973، حصل على شهادة الليسانس من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بتقدير جيد جدًا.

في العام 1975، عُيّن إمامًا في مدينة ازرع، وبعدها مدرسًا دينيًا في مدينة بصرى الشام. وفي العام 1978صار خطيبًا في الجامع العمري، فأصبح المسجد يغص بالمصلين في خطبة الجمعة، وفي اراويح وقيام ليل رمضان الكريم.
تم إيقافه و منعه من الخطابة في المسجد العمري أكثر من مرة، كان آخرها في العام 2008، وظل موقوفًا عن الخطابة حتى الثامن عشر من آذار (مارس) 2011 إذ أعيد بناءً على طلب المحتجين.

لسان درعا

عرف عن الشيخ مواقفه المعارضة للنظام القائم في سوريا منذ سنوات، ولم يتورع عن نقد الأخطاء والفساد من على منبر المسجد العمري. كما عرف عن الشيخ عدم انتمائه لأي تيار أو جماعة أو حزب سياسي، بل كان يتمتع باستقلاليته وقربه من جميع الناس من مختلف التيارات.
حين انطلقت الثورة السورية من درعا البلد في الثامن عشر من آذار (مارس) 2011، وكان أول من باركها، والتف حوله الشباب ونصبوه قائدًا للثورة وملهمًا، ولا يزال.

إختاره الشباب لمحاورة النظام ومفاوضته حول مطالبهم في بداية الثورة، فحاور مختلف قياداته الأمنية والسياسية ومن بينهم الرئيس بشار الأسد، من دون جدوى أو نتيجة. فطاردته الأجهزة الأمنية السورية بعدها وحاولت تشويه صورته وسمعته واتهمته بالعمالة والارهاب، كما حاولت اغتياله اكثر من مرة وفشلت. لكنها استطاعت قتل ابنه أسامة (24 سنة) في اقتحام درعا، واعتقال بعض أولاده، وفرضت عليه الإقامة الجبرية لأشهر.

ثلاثاء الوفاء للشيخ احمد

حين أجبرته القناة السورية على إجراء لقاء يتحدث فيه بما يحلو لها، و بعد أن عاد من التحقيق الذي اجراه معه الشبيح الإعلامي علاء الدين الأيوبي، اعتزل الناس في بيته. قدم أهل الحي ليتفقدوا الشيخ وسبب غيابه، فأخبر البعض بخجله من مقابلة أهل الحي بعدما اجبروه على قول ما قاله على شاشة التلفاز، بعد تهديده بقتل ولديه علاء وإسلام اللذين يخدمان الخدمة الإلزامية. فما كان من اهل الحي إلا أن قبّلوا رأسه وحملوه على الأكتاف وخرجوا في تظاهرة صاخبة.
وقام شباب الثورة بتخصيص quot;ثلاثاء الوفاء للشيخ احمدquot; في عرفان منهم لإمام الجامع العمري في درعا، الذي شهد انطلاق أول الاحتجاجات والتحركات الشعبية في سوريا، وشكل فتيلًا أشعل المظاهرات في مختلف المناطق السورية.

بعد ذلك، نجح في الخروج إلى الأردن مع أفراد عائلته ليقيم هناك ويستمر في مساندة الثورة السورية. ولا يزال يمثل لشريحة واسعة من السوريين صوت الحق ولسانه الذي عجز كثير من المشايخ والعلماء في سوريا عن الصدح أو الجهر به.