كشف اليساري الاسرائيلي جرشون بيسكن ان القيادي الحمساوي احمد الجعبري كان قبل اغتياله بصدد التوقيع على اتفاق للتهدئة الدائمة مع اسرائيل، وان حكومة تل ابيب باركت مسودة اتفاق يحمل هذا المضمون، الا ان اغتياله جاء لخدمة مصالح انتخابية، وقطع آمال حقن الدماء بين حماس واسرائيل.

قبل ساعات من اغتياله في قطاع غزة، تلقى القيادي الحمساوي احمد الجعبري مسودة اتفاق لوقف اطلاق دائم للنار بين حركته واسرائيل، وتضمنت مسودة الاتفاق تفاصيل شاملة حول الاجهزة الامنية المسؤولة عن الحفاظ على وقف اطلاق النار، خاصة حال نشوب مواجهة بين الفصائل الفلسطينية الاخرى في قطاع غزة وإسرائيل.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية على لسان اليساري الاسرائيلي جرشون بيسكن، توسط الاخير في الوساطة بين حكومة تل ابيب والمسؤول الحمساوي، وكانت كافة الدوائر الرسمية في حكومة الليكود على علم بتلك الاتصالات، كما كانت اجهزة الاستخبارات المصرية على علم بالخطوات المبذولة لبلورة اتفاق وقف اطلاق النار.
محاكمة المسؤول
اليساري الاسرائيلي جرشون بيسكن، الذي سبق وشارك في جهود الوساطة بين حماس واسرائيل، للافراج عن الجندي الاسرائيلي المخطوف في قطاع غزة جلعاد شاليط، اعرب عن قناعته بضرورة محاكمة المسؤول عن قرار اغتيال الجعبري، واراقة دم الابرياء من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، مؤكداً ان خلفية القرار كانت انتخابية ومن اللازم ان يعي الناخب الاسرائيلي هذه الحقيقة، للحيلولة دون منح صوته لمن تسبب بإراقة الدماء، غير ان جرشون قال في الوقت نفسه: quot;للاسف سيجني المسؤول عن قرار اغتيال الجعبري كماً زاخراً من الاصوات الانتخابيةquot;.
ووفقاً لمعلومات الصحيفة الإسرائيلية، تعرّف بيسكن إلى الجعبري، حينما كان الاول مسؤولاً عن الوساطة بين quot;ديفيد ميدنquot; الممثل الاسرائيلي في صفقة الافراج عن جلعاد شاليط وبين حماس، إذ كان الجعبري صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في إبرام الصفقة، الا انه كان في الوقت ذاته يتلقى رسائل الجانب الاسرائيلي في هذا الصدد عبر طرف ثالث هو القيادي الحمساوي غازي حمد، الذي كان ينعت الجعبري دائماً بلقب quot;مستر جيquot;، وخلال أشهر طويلة نقل بيسكن العديد من الرسائل اليومية للجعبري بهدف التوصل الى صيغة مرضية لإطلاق سراح جلعاد شاليط، وبعد خروج الصفقة الى حيّز التنفيذ حافظ اليساري الاسرائيلي بيسكن على علاقته الدائمة بالحمساويين في قطاع غزة.
ويؤكد جرشون بيسكن ان الجعبري حرص خلال الاونة الاخيرة على تفادي الصدام مع اسرائيل، خاصة اذا كان ذلك لا يفيد حماس او الشعب الغزاوي في القطاع، لذلك أصرّ الجعبري على منع العديد من العمليات المسلحة واطلاق القذائف الصاروخية من القطاع باتجاه اسرائيل، واضاف جرشون: quot;عندما كان يضطر الجعبري للتجاوب مع المطالب الحمساوية بقصف اسرائيل، كان يحرص على توجيه القذائف لمواقع غير مأهولة بالسكان في اسرائيل.
الاستخبارات المصرية
وخلال الاشهر القليلة الماضية، عكف اليساري الاسرائيلي على توطيد علاقاته واتصالاته بكوادر حماس القيادية واجهزة الاستخبارات المصرية، فضلاً عن دوائر أمنية وسياسية رسمية رفيعة المستوى في تل ابيب، رفض الكشف عن اسمائها، الا انه قال: quot;قبل عدة اشهر عرضت مسودة اتفاق لوقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل على وزير الدفاع ايهود باراك، وعقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في اسرائيل اجتماعاً لتدارس المسودة وما جاء فيها من بنود، وكان من المقرر ان تكون تلك المسودة قاعدة لوقف اطلاق النار الدائم بين الدولة العبرية وحماس، للحيلولة دون تبادل الهجمات المسلحة شبه الدائمة بين الجانبين.
وتضمن الاتفاق بحسب اليساري الاسرائيلي امكانية إنشاء جهاز امني يحول دون الصدام المسلح بين اسرائيل وحماس، خاصة اذا بادرت فصائل فلسطينية غير حماس بالتحرش باسرائيل، واعتبر بيسكن في مسودته ان غالبية اعمال العنف الاخيرة التي نشبت بين اسرائيل وحماس، جاءت نتيجة لمحاولة اسرائيل منع عملية مسلحة، او اطلاق نار ضد اسرائيل، تقوم به بعض الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وحال الرد الاسرائيلي يتم اغتيال قيادات هذه الفصائل، الامر الذي يضطر حماس وتنظيمات اخرى في القطاع للرد على اسرائيل.
ضوء اخضر
وبحسب بيسكن قرر المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر عدم الرد بالسلب او الايجاب على مسودة الاتفاق، الا انه بعد عدة اسابيع بارك المجلس عينه المسودة، ومنح اليساري الاسرائيلي الضوء الاخضر لاجراء اتصالات مع حماس على ان تكون مصر وسيطاً مباشراً فيها، وبالفعل جرت الاتصالات وحل بيسكن الاسبوع الجاري ضيفاً على مصر، لبلورة الاتفاق الذي يدور الحديث عنه، حيث التقى عدداً من كوادر الاستخبارات المصرية، واستشعر ان ضغط المصريين على حماس لتمرير الاتفاق ووقف إطلاق النار كان جاداً.
وفي اعقاب عملية اغتيال القيادي الحمساوي قال جرشون بيسكن، ان من اعطى قراراً باغتيال الجعبري قرر اغتيال الفرصة الاخيرة لحقن دماء الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، كما اغتال قدرة الوسطاء المصريين على إقناع الحمساويين وسكان غزة، بشكل عام على وقف اطلاق النار، واضاف بيسكن: quot;المصريون كانوا على قناعة خلال الوساطة بضرورة وقف نزيف الدم بين اسرائيل وحماس، وكان رجال الاستخبارات المصرية يبذلون جهودهم في هذا الصدد تحت مظلة النظام، الذي يبارك بدوره هذه الخطوات وتلك الاتصالاتquot;.
وفي نهاية حديثه اعرب اليساري الاسرائيلي جرشون بيسكن عن غضبه البالغ من القرارات الاسرائيلية، التي وصفها بغير المسؤولة، والتي ستقطع دابر اي امل في التوصل الى سلام او على الاقل الى التهدئة بين الاطراف المتنازعة، واضاف: quot;لن تجني تلك القرارات سوى خلق جيل جديد من الطرفين، لا يعرف الا الكراهية والضغينةquot;.