تقارير إستخباراتية إسرائيلية تؤكد توجه صواريخ فجر 5 إيرانية جديدة وقوية إلى القطاع، من طريق قديم ومستمر، عبر السودان ومن خلال البدو في سيناء إلى حماس في غزة. لكن أطراف السلسلة جميعًا ينفون هذه المزاعم، إلا البدو الذين يساهمون فعلًا في تهريب السلاح عبر الأنفاق.


غادرت إيران يوم الأحد الماضي سفينة شحن محمّلة بصواريخ قصيرة وبعيدة المدى، متوجهة إلى غزة، كما افاد موقع ديبكا فايل الاستخباراتي العسكري الاسرائيلي، ناقلًا عن مصادر استخباراتية اسرائيلية أن الشحنة تضم 220 صاروخًا قصير المدى، و50 صاروخًا بعيد المدى من طراز فجر - 5 مسلحة برؤوس حربية زنتها 200 كلغم.

وكشفت مصادر أن أربعة مراكب شحن سودانية كبيرة أبحرت من ميناء بور سودان في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين، وهي تنتظر السفينة الإيرانية كارغو ستار لتفريغ شحنتها من الصواريخ في عرض البحر. بعد ذلك، ستحدد طهران للمراكب السودانية الطريق البحري الذي عليها أن تتخذه إلى ساحل شبه جزيرة سيناء، ومن هناك ستهرّب الصواريخ عبر أنفاق إلى غزة، بحسب الموقع الاسرائيلي.

طريق السلاح

يشك المسؤولون الأميركيون والاسرائيليون والمصريون منذ فترة طويلة في أن إيران تستخدم السودان لتهريب السلاح والمعدات إلى حماس، مستخدمة طريقًا جويًا دائريًا إلى الخرطوم، أو طريقًا بحريًا إلى ميناء بور سودان. تبدأ شحنات الأسلحة بعدها رحلة برية طويلة، مخترقة شرق السودان، فالحدود المصرية حتى شبه جزيرة سيناء، ومنها إلى غزة.

وقال مسؤول اسرائيلي لشبكة سي أن أن الأميركية إن الصواريخ ومكوناتها ما زالت تُنقل عبر الأنفاق من سيناء إلى غزة، وأن إيران توفر العتاد وصواريخ غراد وصواريخ مضادة للطائرات وأجهزة اتصالات وقدرات قيادة وسيطرة لحركة حماس.

وما قاله المسؤول الاسرائيلي كرره الشيخ ابراهيم المنيعي، الذي يعتبر من أقوى زعماء القبائل في جنوب سيناء، وتفيد تقارير بأنه يدير عدة انفاق تربط سيناء بقطاع غزة. قال المنيعي لشبكة سي أن أن ليل الاثنين إنّ الأسلحة التي تُهرّب إلى غزة quot;تأتي في الغالب من السودان، ومن ليبيا أيضًا، مستغلة الفراغ الأمني الذي أعقب الثورة في مصرquot;.

وتابع: quot;يتسلم البدو الذين يشاركون في عمليات التهريب الأسلحة من السودان، بحرًا على متن مراكب صيد صغيرة تأتي من البحر الأحمر، وبرًا عبر المنطقة الجبلية الوعرة التي لا يعرفها سواهم، ولا تعترضها قوى الأمن التي ليس لها سلطة على البدوquot;.

ورجّح المنيعي أن تكون صواريخ فجر 5 بعيدة المدى هُربت من الجانب المصري، بعد إخفائها بين بضائع تُحمَّل على شاحنات تمرّ عبر الأنفاق الكبيرة.

هل هذا ممنوع؟

كان دبلوماسي إيراني في الأمم المتحدة أكد أن اتهام إيران باستخدام السودان لإيصال السلاح إلى حماس quot;لا أساس له من الصحة على الاطلاق، ونحن نرفض بشدة هذه المزاعم التي لا سند لهاquot;. كما نفى السودان وجود أي علاقة بين الانتاج العسكري في السودان وجهات أجنبية، بحسب وزارة الخارجية السودانية.

لكن وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي قال في مقابلة اجرتها معه صحيفة قطرية في وقت سابق من هذا الشهر: quot;لنفترض أن إيران أقامت مصنعًا للسلاح في السودان، فهل هذا ممنوع؟ وفي اطار القانون الدولي، إذا اراد بلد شراء اسلحة منا، فنحن مستعدونquot;.

وكانت الولايات المتحدة اعتبرت أن معمل اليرموك يخضع أساسًا للسيطرة الإيرانية منذ نهاية العام 2006، وأصبح نتيجة ذلك مشمولا بالعقوبات الاميركية. وكانت الغارة الجوية التي نُفذت ليل 24 تشرين الأول (اكتوبر) على معمل اليرموك واحدة من اربع هجمات غامضة ضربت اهدافًا في السودان خلال السنوات الثلاث الماضية.

اضغطوا على القاهرة

تشير برقيات دبلوماسية اميركية، نُشرت على موقع ويكيليكس، إلى أن شحنات الأسلحة الإيرانية إلى غزة عن طريق السودان تحولت قضية منذ العام 2007. وفي اوائل العام 2009، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي لوفد من الكونغرس الاميركي quot;إن المصريين يعرفون أن قناة نقل السلاح تمر من إيران إلى السودان إلى مصر. ويمكن للمصريين أن يفعلوا أكثر مما يفعلونه لوقفها، لكنهم على الأقل يدركون الآن حجم التهديدquot;.

ودعا نائب رئيس اركان الجيش الاسرائيلي دان هاريل في الوقت نفسه الولايات المتحدة إلى الضغط على القاهرة لكي تفعل المزيد، وبسرعة لأن quot;حماس تتلقى أسلحة أكثر تطورا من إيران بينها صواريخ أبعد مدىquot;، بحسب هاريل.

وعلى الرغم من الضربات التي وُجهت إلى اهداف وقوافل سودانية، استمرت الشكوك في إيران واستخدامها السودان قناة لإيصال السلاح إلى غزة. وفي تموز (يوليو) 2009 ضغطت الولايات المتحدة على الاردن لمنع بعض الرحلات الجوية بين الخرطوم وإيران، بما فيها رحلات تسيّرها شركة طيران quot;بدرquot; الخاصة للشحن الجوي، ومقرها في العاصمة السودانية.

وعندما قُدمت الاتهامات المتعلقة برحلات شركة بدر للشحن الجوي إلى وزارة الخارجية السودانية قالت الوزارة للولايات المتحدة إن هذه الرحلات تقتصر quot;على نقل معدات زراعية ومعدات للتصنيع غير العسكريquot;.

الشريك الراغب

في السنوات الأخيرة من حكمه، كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك شديد العداء للنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. وبعد حرب اسرائيل على غزة قبل اربع سنوات، لاحظ مسؤولون إسرائيليون أن الحكومة المصرية قامت بدور ايجابي من خلال إبقاء معبر رفح مغلقًا، وبذلك قطعت الامدادات عن غزة المحاصرة برًا وبحرًا. وقال نتنياهو وقتذاك انه يتطلع إلى العمل مع مصر، للاستمرار في إضعاف قدرات حماس. وبدا في حينه أنه وجد في حسني مبارك شريكًا راغبًا.

بادرت السلطات المصرية إلى تكثيف الدوريات الأمنية برًا وجوًا على امتداد الحدود مع السودان. وقال مسؤولون استخباراتيون مصريون لدبلوماسيين اميركيين انهم منعوا إيران من تحويل اموال إلى غزة لدفع رواتب المقاتلين في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.

لكن برقية أُرسلت في نيسان (ابريل) 2009 من السفارة الاميركية في القاهرة تشير إلى أن عمر سليمان، رئيس الاستخبارات المصرية وقتذاك، أبلغ رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الاميرال مايك مولن أن إيران تحاول كسب قبائل بدوية في سيناء واستمالتها لكي تيسر عمليات تهريب السلاح إلى غزة. وقالت برقية أُرسلت من السفارة الاميركية في القاهرة بعد ثلاثة أشهر إن مبارك يرى quot;أن التهديد الآني لمصر يأتي من المؤامرات الإيرانية مع حماس لاثارة القلاقل في غزة، ولكنه قلق ايضًا من المكائد الإيرانية في السودانquot;.

مرسي لا يريد

أُسقط مبارك في اوائل 2011 وتسلمت جماعة الأخوان المسلمين مقاليد السلطة في مصر. ومنذ بدأ الهجوم الاسرائيلي الجديد على غزة يوم الأربعاء الماضي، قام رئيس الوزراء المصري بزيارة غزة تعبيرًا عن التضامن مع حماس. ويرى مراقبون أن شبه جزيرة سيناء تقع عمليًا خارج ولاية الدولة المصرية، التي اعترى الضعف مؤسساتها، بسبب المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر في أعقاب الثورة.

وقال الباحث ماثيو ليفيت، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن منظومات السلاح هذه تنقلها بالأساس عائلات اجرامية بدوية في سيناء، quot;فهذا هو عملها والتصدي لها أمر لا تريد أن تفعله الحكومة المركزية في مصر برئاسة مرسي، وقد لا تكون قادرة على أن تفعله في الوقت الحاضرquot;.

إلا أن المسؤول الأمني أسامة إمام أكد أن مصر تعمل جاهدة للحد من امدادات السلاح القادمة من ليبيا والسودان. واشار موقع ديبكا فايل الاسرائيلي، إلى وجود شحنات أسلحة تنقل من إيران إلى غزة، مروراً بالسودان، بهدف مساعدة حركة حماس، ما وجه أصابع الاتهام الى طهران باستغلال السودان لهذه الغاية.