بدأ العد التنازلي لحسم يفصل غزة عن مصير ينتظرها. فإما تدق طبول الحرب باجتياح بري كبير قد تنعكس نتائجه على الدول المحيطة، أو هدنة طويلة الأمد مشروطة بفتح المعابر ووقف الإغتيالات والمقاومة وإطلاق الصواريخ.

واشنطن: على الرغم من كل الجهود المبذولة برعاية مصرية لفرض التهدئة على الأطراف المتصارعة، ما زال القصف الإسرائيلي مستمرًا على غزة منذ خمسة أيام متواصلة من دون توقف. ويرى المراقبون أن عملية عامود السحاب لا تختلف في مضمونها عن عملية الرصاص المصبوب قبل أربع سنوات، فهي تحمل سيناريو التصعيد نفسه ، مع اختلاف في ظروف المنطقة بعد الثورات العربية وحكم نظام الإسلام السياسي. لكنها بالتأكيد تحمل في طياتها أهدافًا عدة، على الصعيد الفلسطيني والعربي والإقليمي.
فعلى الصعيد الفلسطيني، تبدو محاولة لاستعادة قوة الدرع الإسرائيلي. وعلى الصعيد العربي، هي اختبار للانظمة العربية الجديدة لمعرفة مدى معارضتها أو مساندتها لحكومة حماس في غزة، والتزامها بالإتفاقيات والمعاهدات. على الصعيد الإقليمي، تهدف هذه العملية إلى التعرف إلى فاعلية الأسلحة التي أرسلتها ايران للفصائل الفلسطينية، خصوصًا لحماس والجهاد الإسلامي.
كانت حكومة إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد استدعت ٧٥ ألف جندي إحتياطي للدخول في حرب لا يعرف مداها، والإستعداد لهجوم بري وشيك، بعد فشل جميع الجهود المصرية لوقف إطلاق النار. ما زاد التكهنات حول عملية عسكرية تفوق في ضخامتها ما حدث في العام ٢٠٠٨ في غزة وفي 2006 في لبنان.
أهداف عدة.. فشلت
كانت صحيفة غارديان البريطانية حذرت بريطانيا أمس الأول من أن الهجوم الإسرائيلي الجديد على غزة قد يكلف تل أبيب الدعم الدولي الذي تتمتع به، والذي تفقده في كل مرة تقوم بالاجتياح البري.
وفي اتصال هاتفي مع القيادي في حركة فتح سمير المشهرواي، قال لـ quot;إيلافquot;: quot;من الأهداف توجيه رسالة لكل فصائل المقاومة، بمن فيها الحكومة الفلسطينية، مفادها أننا ما زلنا نملك موازين القوة على قطاع غزة، وفي اعتقادي أنها فشلت أمام صواريخ المقاومة، والهدف الثاني سياسي، وهو فصل غزة عن الضفة، ودفعها باتجاه مصر، وانهاء المشروع الوطني الفلسطيني بتحقيق دولة على أراضي غزة والضفة حتى حدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس، ما يخلق معادلة جديدة في المنطقة العربية، ويبقى الهدف الأخير وهو استثمار الحرب في الإنتخابات الاسرائيليةquot;.
لن يكون سهلًا
يعتقد المشهرواي أن اختيار هذا التوقيت لشن الحرب quot;جاء لإفشال مشروع الدولة الفلسطينية برمتها، وعرقلة حصولها على عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة، وعدم الإعتراف بها كدولة ذات سيادةquot;.
اضاف: quot;هنالك معركتان، الأولى اجتياح غزة والثانية في الأمم المتحدةquot;، مطالبًا العرب والعالم بالالتفاف حول الفلسطينين ومؤازرتهم في الضغط على إسرائيل لمنع هذا الاجتياح، والتضامن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحصول على العضوية.
وحذر المشهرواي من أن الهجوم العسكري على غزة quot;لن يكون بالشيء السهل، وعلى إسرائيل أن تفكر ألف مرة قبل الدخول في هذه الحرب، لأنها لا بد أن تكون الخاسرة. فالمقاومة ستبقى مستمرة على جميع الأصعدة، تمتلك صواريخ يصل مداها للقدسquot;.
ردود الفعل العربية غير كافية على الإطلاق برأي المشهرواي، والتغيير الحاصل في الدول العربية شكلي لأن العبرة لا تقاس إلا بالنتائج. يقول: quot;لا نريد زيارات من هنا وهناك، ولا بيانات من الجامعه العربية، ولا نريد من يحارب عنا، بل نريد أدوات الدعم والسلاح فقط، والمطلوب عقد قمة عربية عاجلة لإيصال رسالة لأميركا مفادها أن مصالحها في الشرق الأوسط ستتضرر في حال استمرار الحربquot;.
مصر غير مستعدة
يرى بعض المراقبين أن ما يحدث اليوم في غزة ليس بمنأى عن مصر. فهي اليوم أمام تحد حقيقي يختلف عن سابقاته. فإما أن تستطيع فرض التهدئة المشروطة من قبل الجانب الفلسطيني أو تفرض على الجانب الفلسطيني القبول بالتهدئة وفق الشروط والمعايير المطروحة التي قد لا يقبل بها. وأمامها خيار ثالث، أن تقف بجانب الشعب الفلسطيني، وتساهم في تسليح الفصائل الفلسطينية المسلحة مع فتح المعابر وفك الحصار، أي أن تنجر إلى الصراع.
في هذا السياق، قال سمير غطاس، الخبير العسكري في الشؤون العربية والإسرائيلية، في برنامج تلفزيوني إن ما يحدث في غزة الآن، في حال تم اجتياح بري، quot;هو خطة إسرائيلية تسمى فك الإرتباط، لدفع الضفة الغربية نحو الأردن وتهجير الغزاويين إلى مصر، أو إقحام مصر في حرب مع اسرائيلquot;.وأكد أن مصر ليست مستعدة للدخول في حرب، وهي مرتبطة باتفاقيات ومعاهدات.
ورأى أن النظام المصري الحالي هو الخاسر الأكبر في هذه الحرب، quot;لأن يتجاهل واجبه الأول نحو شعبه وبلدهquot;، مؤكدًا أن ذلك quot;سيدفع بالحركات الجهادية الموجودة في سيناء إلى افتعال حرب مع إسرائيلquot;، ما قد يقود البلاد إلى حرب حقيقية غير مستعدة لها.
دور في المصالحة
لا يقصر المشهرواي الدور المصري على توفير الدعم لحماس، أو الدخول في أتون الحرب مع إسرائيل، لكنه يعتبر أن دولة بحجم مصر quot;تستطيع تحقيق المصالحة الفلسطينية، أيًا كان النظام السياسي الذي يحكمها، ومن هنا أهميتها في الصراعquot;.
يضيف: quot;لا بد من أن تغادر حماس مربع الشك والردع باتجاه الفتحاويين، وعلى فتح الدفاع عن غزة وعلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يكون في غزة، لأنه الرئيس الشرعي الممثل للشعب الفلسطيني في غزة والضفةquot;، واضعًا ذلك في عهدة مصر وقيادتها.