بعد أشهر على وقوع مناطق متعددة من محافظة حلب تحت سيطرة المعارضة ما زال الناشطون السوريون يتظاهرون يوميًا كما هي عادتهم منذ اندلاع الانتفاضة.

وفي يوم الجمعة الماضي تجمّع أكثر من 100 متظاهر في حي بستان القصر الذي يعتبر من الأحياء الهادئة نسبيًا في مدينة حلب للاحتجاج على نظام الأسد والمطالبة بتشديد الرقابة على مقاتلي الجيش السوري الحر. وقرر منظمو الاحتجاج تصوير التظاهرة وبثها على الهواء.

النظام يستهدف التجمعات

ومع اقتراب الاحتجاج من نهايته سقطت قذيفة هاون وسط الحشد وقتلت 14 منهم فيما أُصيب 21 آخرون بجروح مختلفة، فقوات النظام كثيرًا ما تستهدف مثل هذه التجمعات وتستطيع أن تفعل ذلك بسهولة حين يُبث مكان تنظيمها على الهواء اثناء حدوثها.

ويتساءل سوريون الآن عن مبرر الاستمرار بمثل هذه الاحتجاجات في مناطق تسيطر عليها المعارضة نظرًا للأخطار التي يتعرض إليها المشاركون فيها ومطالبتهم بالتغيير أمام جمهور هو منهم ومتفق معهم.

وقال ابو ناظر الذي يقود وحدة تابعة للجيش السوري الحر في حي بستان القصر quot;إن الاحتجاج الآن خطأ وهذه هي المرة الثانية التي تعرض فيها محتجون للقصف بهذا الشكل. وفي مكان حر مثل حلب لا داعي للاحتجاجquot;.

خيانة للقضية

ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن أبو ناظر قوله quot;نريد من الناشطين أن يتوقفوا عن الاحتجاج لأنهم مستهدفون بالقصف وبستان القصر مليء الآن باللاجئين لأنه منطقة يسودها السلام من مناطق حلب ولا نريدها أن تُقصفquot;.

لكنّ كثيرًا من الناشطين يرفضون هذه الدعوة قائلين إن إيقاف الاحتجاجات سيكون بمثابة خيانة للقضية وأن الاحتجاج يبقى أداة مهمة للتغيير حتى في اطار القيادة الانتقالية نفسها. وأكد أبو ناظر أن الجيش السوري الحر لن يمنع أحدًا من الاحتجاج ولكن إذا قرر الناشطون الاستمرار فعليهم ألا يبثوا تظاهراتهم على الهواء وألا يبقوا في مكان واحد فترة طويلة.

ويعترف محتجون بأن التظاهرات في المناطق المتحررة من حلب لم يعد لها الآن ذلك التأثير الذي كانت تمارسه في بداية الانتفاضة. ولكن المهم برأيهم إشاعة ثقافة العمل السياسي المدني الذي يأملون بأن يكون آلية رقابية على القادة الذين سيأتون بعد سقوط النظام.

رسائل إلى القادة الجدد

ويقول ناشطون إن الاحتجاجات كثيرًا ما تنطوي على رسائل إلى القادة الجدد بقدر ما تكون موجهة ضد نظام الأسد وإن قلة مستعدون للتخلي عن هذا الشكل من اشكال النضال الذي فجر الانتفاضة أصلاً ويراهنون عليه لمواصلتها حتى إسقاط الأسد ونظامه.

ولاحظ مراقبون أن هناك احباطًا متزايدًا إزاء أداء الجيش السوري الحر الذي يتولى الآن اعباء الحكم في المناطق الواقعة تحت سيطرته. وفي حين أن الجيش السوري الحر يحظى بالاحترام عمومًا بين السوريين فإن كثيرين من سكان حلب بدأوا يتذمرون قائلين إنه يضم في صفوفه مجرمين اعتياديين وكثيرًا ما يسيء استخدام سلطته.

quot;مال الثورة للشعبquot;

ورسم فنان على احد جدران بستان القصر كاريكاتيرًا سياسيًا يظهر فيه قاطع طريق ملثم يحمل اكياسًا من النقود فيما يحاول مقاتل ملثم ايضًا استعادة المال المسروق. ويقول التعليق الذي كتُب تحت الرسم: quot;مال الثورة للشعبquot;.

وقال الناشط ابو محمود من بستان القصر quot;إن الاحتجاجات ما زالت مهمة لأن بمقدور المواطنين ان يحتجوا على الجيش السوري الحر ايضًا إذا لم يكونوا راضين عنه. فنحن ندعم الجيش الحر في احتجاجاتنا، ولكن عندما نجد فاسدًا في صفوف الجيش الحر أو الائتلاف الجديد فاننا ننتقدهم على الفور بتنظيم احتجاجquot;.

كما تبقى الاحتجاجات وسيلة العمل الوحيدة المتاحة للشبان في الوقت الحاضر. فالجيش السوري الحر يعتمد في تسليح مقاتليه اعتمادًا يكاد يكون كاملاً على ما يغنمه من جيش الأسد أو ما يستطيع المنشقون أن يحملوه معهم. ويعني نقص السلاح أن كثيرًا من الشباب السوريين لا يستطيعون أن يتخذوا مواقعهم على الخطوط الأمامية للانتفاضة ضد قوات النظام.

وقال الناشط اسمر أبو غسان quot;إن كثيرين يريدون القتال ولكنهم لا يستطيعون الحصول على اسلحة فتكون الاحتجاجات وسيلتهم لإسماع صوتهمquot;. واعتبر ابو غسان quot;أن الاحتجاجات استراحة لتسليتنا وتذكيرنا بالأيام الأولى من الثورةquot;. ودعا ابو غسان الى مواصلة الاحتجاجات السلمية.

الأسلحة تتكلم!

وحتى الداعون الى وقف الاحتجاجات لأسباب تتعلق بسلامة المشاركين فيها يقولون إنها يجب ألا تتوقف تمامًا. ويرى غالبية هؤلاء أن على المتظاهرين أن يفكروا الآن في اعتماد استراتيجيات جديدة لتفادي سقوط ضحايا بلا مبرر، مثل الاحتجاجات الخاطفة التي لا تستمر أكثر من 10 دقائق أو التظاهرات التي تُنظم داخل أبنية ومجمعات كبيرة.

ولكن القائد الميداني للجيش السوري الحر في حي بستان القصر احمد بدوي قال لصحيفة كريستيان ساينس مونتر quot;برأيي أن لا جدوى من الاحتجاجات لأن أسلحتنا هي التي تتولى الكلام حاليًا. نحن الآن لا نحتاج الى الاحتجاج ولكن بمقدور المواطنين ان يحتجوا إذا أرادوا الاحتجاج. وفي المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام ما زالت الاحتجاجات ضرورية للدفاع عن حريتنا وكرامتناquot;.

يتساءل عدد من السوريين عن مبرر الاستمرار في الاحتجاج بمناطق حررتها المعارضة، مع خطر أن يستهدفهم النظام. لكنّ ناشطين يعتبرون أنّ وقف الاحتجاج خيانة للقضية، فهو أداة مهمة للتغيير حتى في إطار القيادة الجديدة.