مزنة دريد ناشطة سورية كرّست نفسها لتعليم أبناء بلدها الذين غيبتهم الحرب عن مدارسهم، من خلال مدرسة أونلاين، في صفوف هي صفحات على فايسبوك، يتفاعل فيها المعلم والتلاميذ، ليستلحق هؤلاء ما فاتهم.


بكثير من الحماس وقليل من الكلام، وبدافع من حس المسؤولية لا يقل عنه لدى كثير من المناضلين في سبيل كبرى القضايا، خلقت الثورة السورية جيلًا من الناشطين الشباب، الذين لا يملك المرء وهو يحاورهم إلا أن يتأكد من تمسكهم بمفاهيم ثورية حقيقية، طالت كل شرائح المجتمع السوري فصنعت منه مجتمعًا خلاقًا وقادرًا على مواجهة أصعب الظروف.

مزنة دريد واحدة من هؤلاء الناشطين الشبان الذين لم يستكملوا بعد تعليمهم الجامعي، إلا أن حسّ المسؤولية والشعور بمعاناة شعبها دفعاها إلى المشاركة في مشروع مدرسة أونلاين، الذي نشأ لمواجهة حالة تخلف التلاميذ السوريين عن مواكبة المراحل التعليمية في سوريا، بعد أن حرموا من أبسط مقومات العيش، فضلًا عن كونها ناشطة في حملة لاجئات لا سبايا، التي تواجه محاولات تزويج القاصرات السوريات للخلاص من واقع اللجوء أو النزوح أو حتى الفاقة داخل البلاد.

كيف تنظرين إلى ما يحدث في سوريا؟ وما شعورك إزاء تصاعد العنف يوميًا؟

تُقتل الإنسانية يوميًا.. في سوريا ثورة من أعظم ثورات العالم، ليس لأنها بلدي، بل بسبب الظروف المعيشية الساحقة التي يعايشها كل سوري سواء في الداخل أو الخارج. دوامة العنف تبتلع كل شيء، من أرض وبشر وشجر، تجعلنا نعيد ترتيب ذواتنا بعيدًا عن الأسى اليومي، وأن لا نعجز أمام حزننا نحدق في شاشات التلفاز والكمبيوتر، وتطلب منا جهدًا مضاعفًا لتقليل الخسائر قدر الإمكان بجميع السبل الممكنة.

ثورة شباب

كيف تصفين إسهام الناشطين الشباب في الحراك الثوري في سوريا؟

دور الناشطين الشباب أساسي ومحوري، فالثورة بالأصل ثورة شباب، والفاعلون الحقيقيون هم الشباب. فهم الموجودون في الميدان كصحافيين وحقوقيين وأطباء وعاملين في مجال الإغاثة أو حتى افتراضيًا. لقد خلقت الثورة مفهومًا جديدًا لحب التعلم السريع لدى الشباب، لسد النقص الحاصل بسبب سوء الأوضاع، ولعدم توافر الإمكانيات اللازمة للقيام بكل مهام الثورة، فنجد الناشط نفسه يلعب أدوارًا متعددة. وخلقت خارج حدود الوطن وطنًا آخر وهميًا، ولكنه حقيقي في الوقت ذاته، يجمع شمل الجاليات السورية في أصقاع الأرض ليلتحموا جميعًا في تقديم المساعدة، مكونين منظمات وتجمعات شبابية مساهمة في دعم الحراك في الداخل السوري.

الصفّ.. صفحة فايسبوك

مدرسة أونلاين، مشروع يهدف إلى التخفيف عن مأساة اللجوء والنزوح بالنسبة للسوريين، ما أهدافه؟

مدرسة أونلاين مدرسة من الصف الأول إلى الصف التاسع، استبدلت الصف بصفحة على موقع فايسبوك، والسبورة بحائط الصفحة على فايسبوك، والمشاركة في الصف بالتعليق. ولدت الفكرة عندما انقطع عدد كبير من سوريي الداخل والخارج بشكل كامل عن العملية التعليمية. قد تكون لهذا الانقطاع تداعيات في المستقبل، بسبب فوات المراحل المدرسية، وبسبب تعطل عقل الطالب عن التفكير. كل أربعاء، في الساعة الخامسة، أدخل إلى صفي، أي صفحة الصف التاسع على فايسبوك والسكايب لنبدأ درس اللغة الفرنسية، ببوستات ولايكات وتعليقات ومكالمات مصورة وصور متبادلة.

ألاحظ الحماس والجديةلدى الطلاب، خصوصًا عندما تقهرهم ظروفهم وتمنعهم عن الحضور بسبب انقطاع الكهرباء أو الانترنت داخل سوريا، وتحديدًا تلك الطالبة التي تقطن في داريا، والتي تعتذر كثيرًا بجملتها المعتادة (آسفة آنسة بس عم يقطعوا الكهربا كتير) لتحضر الدرس في حصة الإعادة.

تُباع وتُشرى

ما موقفكم في حملة لاجئات لا سبايا من تزويج القاصرات السوريات في المخيمات؟

لا يمكننا السكوت على استغلال اللاجئة السورية حينما تنتشر الإعلانات، افتراضيًا أو صحفيًا، بحثًا عن العروس السورية كأنها سلعة تُباع وتُشرى، من دون الاكتراث لمعاناتها. فيغلف الرجال شهواتهم بالدين وبالزواج الشرعي، متذرعين بمساعدة الشعب السوري، وكأنما السبل المساعدة تقتصر على الزواج من قاصرات سوريات، وليس من خلال حفظهن ومراعاة ظروفهن وانتشالهن من واقعهن المرير من دون مقابل. أما سبل مكافحة هذه الظاهرة فهي بالمقام الأول انتشالهن من أوضاعهن المزرية، سواء في المخيمات أو خارجها، وبتأمين حاجياتهن أو توفير عمل كريم لهن. ولقد بادر الكثير لتقديم وظائف شاغرة أو مساعدات أو التبرع ببيوتهم للعائلات السورية لتجنيبهم الأوضاع المأساوية قدر المستطاع.

ما المطلوب لمواجهة أزمة اللجوء التي بات يعاني منها أكثر من نصف مليون لاجئ سوري؟

الضغط على الدول وإيصال الصورة المأساوية للعالم. هناك الكثير من الشعوب، وخصوصًا الشعوب العربية، لا تعلم أن أربعة أطفال قد فارقوا الحياة بسبب البرد في مخيم الزعتري من أيام. وهذه فاجعة لم نسمع بمثيلها في سوريا، على الرغم مما يحصل. فمن باب أولى للمخيمات التي تشرف عليها المنظمات العالمية والدول أن لا تتكرر فيها هذه الحادثة، التي تدل على الإهمال والاستهتار بالسوريين وبالإنسان ككل. وكلمتي الأخيرة لأبناء بلدي.. اعمل للثورة وكأنّ بشار لن يسقط أبدًا، وعش يومك وكأنّه سيسقط غدًا.