بسط مقاتلو المعارضة السورية سيطرتهم على ست قرى علوية ويضعون الخطط للسيطرة على جبل العلويين والتقدم نحو اللاذقية جاعلين مشروع إقامة دولة توفر ملاذًا آمنًا للأسد أقرب إلى الحلم منه إلى الفكرة الواقعية.


قاد أبو ياسين الذي يسكن واحدة من عشرات القرى السنية في جبل الأكراد سيارته التي كانت الوحيدة على الطريق مارًا بهياكل دبابات محترقة وحواجز تفتيش انسحبت منها قوات النظام السوري، وصف تلو آخر من القرى المهجورة.

وعلى مبعدة كانت الحرب مستعرة حيث مروحيات النظام تحوم فوق البلدات الواقعة على خطوط القتال وتلقي براميل من المتفجرات على المباني بدوي يصم الآذان. وكان مقاتلو المعارضة يردون بمضادات جوية أخفوها وسط مبانٍ ضيقة أو قرب الأحراش التي تكسو سفوح الجبال.

ويرى مراقبون أنّه في هذه المنطقة الجبلية المتاخمة لشاطئ المتوسط في محافظة اللاذقية قد يراهن رئيس النظام بشار الأسد على خوض معركته الأخيرة.

حلم الأسد

وعلى امتداد قرون كانت هذه المنطقة موطن عائلته وطائفته العلوية. وهذا الجيب حيث تقع مدينتا اللاذقية وطرطوس الساحليتان والجبال الممتدة شرقًا هو الذي يعتبره الأسد وعلويون آخرون فرصتهم الأخيرة لإقامة دولة علوية منفصلة يأملون بأن تحميهم من المعارضة المسلحة ذات الأغلبية السنية.

لكنّ مقاتلي المعارضة بسطوا سيطرتهم على رقعة واسعة من الأرض في هذه المنطقة تحديدًا جاعلين مشروع اقامة دولة توفر ملاذًا آمنا للأسد ورهطه أو، على الأقل، ملاذاً يمكن الدفاع عنه، أقرب الى الحلم منه الى الفكرة الواقعية.

وفي هذه المنطقة خاض مقاتلو المعارضة الذين يتسللون من تركيا حربًا ظلت بعيدة عمليًا عن التغطية الاعلامية. ويسيطر مقاتلو المعارضة الذين تقدموا قرية تلو أخرى وبلدة بعد أخرى، على منطقتي جبل الأكراد وجبل التركمان اللتين تشكلان القسم الأعظم من شمال محافظة اللاذقية.

قرى مهجورة

ومع تقدم قوات المعارضة حزمت عائلات علوية متعلقاتها على عجل ونزحت. قال ابو ياسين لصحيفة الديلي تلغراف إن قوات المعارضة تسيطر الآن على ست قرى علوية quot;ولكن لم يبقَ فيها علويون. فهم يعتقدون بأنهم سيُقتلون إذا رحل بشار الأسد لذا هربوا الى مناطق يسيطر عليها النظامquot;.

ولاحظت صحيفة الديلي تلغراف أن القرى العلوية التي زارتها مهجورة ومقفرة الآن، وأن آثار النزوح بعجالة بادية على العديد منها أحذية وملابس وكتب متناثرة على الأرض، جدران البيوت مخرمة بآثار الرصاص والقصف، ومتاجر عديدة أُضرمت فيها النار على ما يبدو.

ونزحت غالبية العائلات العلوية الى اللاذقية وطرطوس أو الى جبل العلويين القريب حيث تقع القرداحة بلدة بشار الأسد. وبدأت عائلات علوية من انحاء سوريا ايضا تشيد منازل في هذه الملاذات الجبلية خشية أن تصبح ضحية اعتداءات طائفية سواء أكان افرادها مؤيدين للنظام أو غير مؤيدين. ولكن حتى هذه الملاذات تقع الآن في مرمى قوات المعارضة.

وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات من مواقع المعارضة يلوح جبل العلويين مرئيًا بوضوح من بلدة سلمى الواقعة على خط الجبهة. وتقصف مروحيات النظام وطائراته الحربية البلدة في النهار وفي الليل، واحال القصف الذي يكاد يكون متواصلاً غالبية مبانيها ركامًا وطرقها حفرًا. ولكن النظام لم يتمكن من وقف تقدم المعارضة، وقريبًا قد لا يجد الأسد مكانًا يلوذ به.

خطط للسيطرة على جبل العلويين

وقال ابو طاهر القائد العسكري في بلدة سلمى لصحيفة الديلي تلغراف: quot;نحن نخطط للسيطرة على جبل العلويين ونتقدم نحو اللاذقية. فإذا سمحنا للدولة العلوية أن تكون حقيقة قائمة ستقول سائر الأقليات quot;نحن ايضًا نريد دولتناquot; وسيتمزق البلد اشلاءquot;.

ويؤكد قادة عسكريون معتدلون مثل ابو طاهر أن العلويين الملطخة أيديهم بالدماء وحدهم الذين سيُعاقبون quot;على جرائمهمquot;. وإذا حاول أي جهاديين طائفيين متطرفين اندسوا في صفوف بعض الفصائل المسلحة أن يرتكبوا اعتداءات على العلويين فإن مقاتلي المعارضة المحليين سيردونهم على اعقابهم، بحسب ابو طاهر.

مخاوف من أعمال انتقامية

لكنّ هناك همسًا تشوبه مخاوف حتى في اوساط المعارضة السنية بأن منع انطلاق موجة من اعمال القتل الانتقامية سيكون صعبًا إذا انتصرت قوات المعارضة في هذه الجبال ثم في اللاذقية التي تقع تحتها. وكان السنة والعلويون تعايشوا جيرانًا في هذه المنطقة منذ زمن طويل ولكن الحرب أخذت تمزق هذا النسيج الاجتماعي وتؤجج نعرات طائفية خطيرة.

ورفض احمد بركات وزوجته البالغان 80 عامًا من العمر أن يرحلا عندما وصل مقاتلو المعارضة الى قريتهما العلوية عين العشرة. وتعهد مقاتلو المعارضة بقيادة الشيخ ايمن عثمان من اهالي المنطقة بألا يلحق بهما أذى. ولكن عندما قُتل الشيخ عثمان في معركة اقتحمت القرية ميليشيا طائفية وتحولت حياة اهلها الى كابوس يعيشونه كل يوم. وقال احمد بركات quot;إنهم سرقوا كل شيء، اخذوا السيارات واقتحموا بيوتنا. وبعد ذلك قال سكان القرية انهم سيُقتلون فهربوا الى اللاذقيةquot;.

وفيما كان بركات يتحدث كانت الدموع تنهمر من عيني زوجته: quot;قبل ثلاثة اشهر جاؤوا واعتقلوا ابني الذي لم يفعل شيئًاquot;. وتابع بركات quot;جاء رجل وطالب بفدية قدرها 1.5 مليون ليرة وأمهلوني ثلاثة ايام لجمع المال وإلا فإنهم سيقتلون ولدي. شحذت واقترضت من اصدقائي واقاربي وحين جاء ثانية في الليل أخذ المال ولكنهم لم يعيدوا لي ولديquot;.

تثقيف المعارضة

واتفق شيوخ جبل الأكراد ووجهاؤها على تنظيم حملة لتثقيف مقاتلي المعارضة بطرق السيطرة السلمية على المناطق العلوية. وقال الشيخ محمد رحيل: quot;نحن نحاول أن نمنع اعمال القتل الثأريةquot;.

وكان الشيخ خالد كمال أول رجل دين في مدينة اللاذقية تحدث ضد النظام عندما خرجت تظاهرات مناوئة للحكم في المدينة العام الماضي. وهو يقيم الآن في مناطق جبلية تقع تحت سيطرة المعارضة عاملاً على منع الثورة من الانزلاق الى فوضى طائفية. وقال الشيخ كمال لصحيفة الديلي تلغراف quot;أنا متأكد من أن مجازر ستُرتكب ضد العلويين وان اعمال قتل ثأرية ستقع عندما يصلون الى اللاذقية. فإن النظام السوري جعلنا اعداء خلال العامين الماضيينquot;.

واضاف الشيخ كمال quot;أنا والشيوخ الآخرون نحاول منع ذلك ولكننا لسنا واثقين من النجاح في محاولتناquot;.