رغم إدلاء اليمنيين يوم أمس بأصواتهم في انتخابات رئاسية كانت مقررة سلفاً خاضها مرشح واحد فقط على منصب الرئيس، إلا أن نقص الخيارات لم يكن له تأثير يذكر في ما يتعلق بالتعتيم على الفرحة الواضحة في شوارع العاصمة، صنعاء، حيث كانت الانتخابات بمثابة الإعلان عن إسدال الستار رسمياً على حكم استبدادي وفرصة للمضي قدماً بعيداً عن الأزمة السياسية العنيفة التي استمرت على مدار عام.
القاهرة: في معرض تعليق لها على تلك الانتخابات التاريخية في اليمن، قالت اليوم صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن تلك الممارسة الانتخابية التي شهدها اليمن يوم أمس تعني أن علي عبد الله صالح لن يعود رئيساً للبلاد بعد أكثر من ثلاثة عقود له في السلطة.
ومن المنتظر أن يحلّ محله نائبه المقرب منه، عبدربه منصور هادي، من خلال عملية نقل سلمية للسلطة، تمّ التنظيم لها تحت وطأة ضغوطات من جانب جيران اليمن في منطقة الخليج ودول غربية. وقد وافق صالح، الذي يخضع خلال الآونة الأخيرة للعلاج في نيويورك بعد محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها العام الماضي، على التنحي فقط بعد أن أطلق قواته الأمنية على متظاهرين عزل يطالبون بالديمقراطية، ليقتل العشرات ويدفع بالبعض داخل الجيش للانضمام إلى صفوف المعارضة.
وتابعت الصحيفة بلفتها إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد المحلي نتيجة لهذا الصراع الدموي، فضلاً عن الفرصة التي يحصل عليها تنظيم القاعدة كي يزيد من نفوذه، وهو ما جعلها تمضي لتؤكد أهمية انتخابات الأمس باعتبارها خطوة للأمام.
ثم رصدت النيويورك تايمز أجواء المشاركة، ولفتت إلى اهتمام السيدات المنتقبات بالمشاركة، رغم الزحام، حتى مجيء دورهن. ونقلت عن إحداهن وتدعى أم عبد الله، قولها :quot; اتفقنا جميعاً على عبدربه. فهو يكفينا. ونحن نرغب في إنهاء تلك الأزمةquot;. في حين كان يغني بعض الرجال أمام مركز الاقتراع بعض الأغنيات الوطنية.
وأبرزت الصحيفة كذلك حقيقة تزايد الإقبال على مراكز التصويت في العاصمة، حيث تكونت طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع في المدارس وخارج المساجد، فضلاً عن عمليات إطلاق النار المتفرقة التي تمت على مدار اليوم في أحياء عدة في مدينة عدن الساحلية، وفقاً لما ذكره سكان محليون في هذا السياق. فما أفادت تقارير إخبارية محلية بأن 7 أشخاص قتلوا جراء إطلاق النار، منهم 3 جنود حكوميين.
كما أدلى مؤيدو الرئيس بأصواتهم نظراً لموافقة الرئيس صالح على إجراء الانتخابات، في حين صوت أنصار المعارضة لضمان رحيل صالح من السلطة. وبغض النظر عن الدافع الذي توجّه من خلاله اليمنيون صوب مراكز الاقتراع، فإن الروح الشعبية كانت متفائلة للمرة الأولىمنذ أكثر من عام، في تلك العاصمة المبتلية بالصراع.
كما أن الانتفاضة في اليمن لم تكن سريعة ومنتصرة كما حدث في ثورتي تونس ومصر، ولم تكن حربا شاملة كما حدث في ليبيا أو سوريا، بل كانت عبارة عن ثورة بطيئة من الاعتصامات والمفاوضات والضغوطات الدولية، وقد نجحت في تلك الصيغة في إخراج صالح من السلطة، ليصبح بذلك رابع رئيس عربي مستبد يتم إجباره على ترك منصبه ضمن موجة الثورات الشعبية التي لا تزال تعصف بالمنطقة.
ونوّهت الصحيفة كذلك بأن الاتفاق الذي تحصل صالح بموجبه على حصانة من الملاحقات القضائية قد ساهم في التوصل لتسوية تعني بإنهاء الأزمة. ونقلت عن عبد الكريم الارياني، رئيس الوزراء السابق إبان حكم صالح، والذي ما زال يعمل كمستشار للرئيس، قوله :quot; التغيير الذي حدث لم يكن بالتأكيد تغييراً طوعياً. وكان المتظاهرون الشبان هم رأس حربة ذلك التغيير، رغم ما قد يكون عليه الموقف الآنquot;.
ومع هذا، تابعت الصحيفة بقولها إن انتهاء حكم صالح لم يضع اليمن بعد على طريق الديمقراطية. ومن المحتمل أن يعود صالح إلى صنعاء، وأن يحتفظ بنفوذ كبير، من خلال عائلته وقبيلته، الذين يهيمنون على الجيش اليمني طوال العقود الثلاثة الماضية.
غير أن الصحيفة لم تغفل أن تشير إلى أن نفوذ صالح سيضعف، عندما يتولى هادي، وهو من الجنوب، مقاليد الأمور في البلاد. وهنا، عاود الارياني ليقول :quot; الساحة السياسية مفتوحة على مصراعيها بما يسمح بإنشاء نظام سياسي جديد. ولا يمكن لهذا النظام السياسي الجديد أن يكون مماثلاً لما كان عليه من قبل. وهناك اتفاق على أن هيمنة الجيش وشيوخ القبائل التي كانت تتحكم في الساحة لم تعد مقبولة الآنquot;.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن دور هادي كرئيس سيتركز على قيادة المرحلة الانتقالية صوب نظام يتسم أكثر بالأجواء الديمقراطية. بينما يخشى آخرون من احتمالية أن يظل هادي موالياً لصالح. في حين قال سفير الولايات المتحدة لدى اليمن، غيرالد فيرشتاين، إن مستقبل صالح السياسي غير مؤكد.
وأضاف: quot;ما نريد أن نراه هو أن تتطور تلك الحكومة وأن تقوم بكامل دورها ومسؤولياتها. وهو الأمر الذي من شأنه أن يقضي على الاحتمالات أو تدخل أشخاص من خارج الحكومةquot;.
التعليقات