يتفق تيار المستقبل مع تظاهرة السلفيين التي جرت أمس، وخصوصًا لجهة الخطابات التي ألقيت، لكنه يختلف عنها في التوقيت الذي يراه غير ملائم خصوصًا مع خطر قيام أي فتنة في لبنان، علمًا أن السلفية في لبنان بدأت دينية وكان النظام السوري في لبنان يطلق عليها صفة الإرهابية.


بيروت: اعتبر الشيخ أحمد الاسير (من التيار السلفي) في خطابه أمسأثناء تظاهرة في وسط بيروت، أن الرئيس السوري بشار الاسد يزرع الوهم والخوف في قلوب المسيحيين، وتوجه إلى المسيحيين بالقول:quot;انتم لا تطلبون الحماية من أحد بل نحن نطلب منكم الحماية من خلال بقائكم وحضوركم معنا، لأن المشروع الصهيوني يريد تفريغ المنطقة منكم كي تتشوه صورة الاسلامquot;.

وقال الشيخ الاسير، quot;نقول لأقصانا أبشر أنك ستتحرر عاجلاً أم أجلاً، ولكن علينا ان نحرر أنفسنا أولاً، وندوس على الطغاةquot;، معتبرًا أن تهويد الاقصى أسقط القناع عن المجتمع الدولي، واصفًا مجلس الامن بالمجلس الذي يحمي مصالح الغرب.

تظاهرة أمس التي قوبلت بتظاهرة مضادة من قبل مؤيدي النظام السوري، مرّت بسلام، بعدما كان يُتخوف من اشتباك بينهما، كما فتحت تلك التظاهرة الباب أمام ملف السلفيين في لبنان، ودورهم المستقبلي. وفي هذا الصدد، يقول النائب الشمالي معين المرعبي ( تيار المستقبل) لـ إيلاف، quot;إن تظاهرة الامس للسلفيين مثلت الديموقراطية وحرية التعبير، وحرية كل إنسان بالتعبير، وكل ما يتمتع به الانسان من حريات في لبنان، واليوم نرى أن هناك أشخاصًا اتهموا بأمور أي السلفيين وكانوا براء منهاquot;، عن غياب تيار المستقبل عن التظاهرة أمس، يقول المرعبي أن لكل انسان يرى في الامر وفي الوسيلة التي يتعاطى بها، واليوم يجب تقدير الظروف التي مر بها البلد، وتيار المستقبل اليوم قرر في 14 شباط/فبراير الماضي الا يتحرك، وكذلك في 14 آذار/مارس، هناك قرار متخذ من قبل تيار المستقبل بألا نتحرك كي لا نترك مجالاً لكهربة الأمور أو صدور أي خطأ. وهذا لا يعني بالنسبة للمرعبي النأي بالنفس، وما يهمنا هو شخص رفيق الحريري الذي استشهد من أجل البلد، ومن أجل الحريات، والتقدم وإعمار لبنان.

ورغم ذلك قررنا في 14 شباط وآذار ألا نقوم بالتجمع السنوي، وهذا لا يعني ابدًا النأي بالنفس.

كحركة سلفية ما هي مآخذكم عليها وأين تتفقون وأين تختلفون؟ كحركة سلفية ، يجيب المرعبي، يضعونها اليوم وكأنها تتعاطى بالسياسة، وهذا خطأ، فريق كبير منها يتعاطى بالشأن الديني والامور اليومية، كما تعاطى السلف الصالح، وهي فكرتهم الاساسية من ضمن حرية الاديان، كما أن هناك سنة وموارنة وكاثوليك وشيعة، وهذا الموضوع لا يشكل خلافًا مع أحد، وفي السياسة ما يتم طرحه لا علاقة له بما هو سلفي، ورغم أنه خلال أيام النظام السوري، تم تصوير السلفيين وكأنهم فرقة إرهابية، ولكن هناك أشخاص قد ينتمون الى فريق أو الى آخر، والنظام الامني السوري الذي كان ضاغطًا على البلد صورهم وكأنهم إرهابيون.

ويتحدث المرعبي عن خطاب الاسير البارحة، ويقول: quot;كان جيدًا وطيبًا في توجهه للمسيحيين، وتقديمهم على ذاته، في حين كان يُصوَّر وكأنهم يريدون تهجير المسيحيين. وخطابه يتلاقى مع خطابنا، ومع كل اللبنانيين، ولكن اختلفنا معه في التوقيت، اذ نحن ندعو الى العمل على الارض من دون أن نضع لبنان في خطر، خطر المواجهة في هذا الظرف الحساسquot;.

ما هي السلفية وكيف انتشرت في لبنان

تمثل الحركة السلفية اللبنانية حالة فريدة بين أخواتها في العالم العربي، نظرًا لتفرد القطر اللبناني بعدد من الخصائص الجغرافية إلى جانب ظروفه السياسية وأوضاعه الاجتماعية التي ولدت السلفية متأثرة بها. بدأت حالة دينية خالصة على يد مؤسسها الأول وانتهت إلى مدارس واتجاهات وجمعيات تتجاذبها أطراف سياسية ومراكز قوى، وهو تجاذب رأى فيه البعض تفتيتًا لوحدتها في حين أبصر فيه الآخرون دماء تتجدد ووسائل تتكيف معها السلفية اللبنانية فتبقى عصية على الموت.

الخلفية التاريخية

تأسست الحركة السلفية في لبنان على يد الشيخ سالم الشهال، الذي quot;بدأ سلفيته على نحو (عصامي) لا عبر جامعة أو مؤسسةquot;، وإنما تعرف على الدعوة السلفية quot;من خلال مجلة (المنار) التي كان يصدرها محمد رشيد رضا، ثم من خلال كتب قرأها للشيخ ناصر الدين الألباني وابن عثيمين وابن بازquot;، إلى جانب رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية.

وبعد عودته من زيارة قام بها إلى المدينة المنورة العام 1964 التقى خلالها بعدد من شيوخ وعلماء السعودية، أنشأ الشهال مجموعة في طرابلس أطلق عليها اسم quot;شباب محمدquot;، لم يكد حتى بايعه أعضاؤها: الشيخ سعيد شعبان، أمير حركة التوحيد الإسلامي، والشيخ بدر شندر، والشاعر أكرم خضر، ود. فتحي يكن، ورشيد كرامي، رئيس الوزراء الأسبق، بالإمارة فأطلق عليها quot;الجماعة مسلمونquot;، وهي مجموعة قامت على تبني نهج السلف في الدعوة إلى الإسلام والالتزام به، متخذة من العمل الخيري وسيلة للدعوة، فأنشأت مؤسسة خيرية تعنى برعاية الأيتام بدعم من quot;سعوديين وكويتيينquot;.

تميزت هذه المرحلة من ميلاد السلفية اللبنانية بغلبة الجوانب الدعوية والتعليمية والأعمال الخيرية، بعيدة تقريبًا عن أي شكل من أشكال الصراع والعمل السياسي، فرغم حياته الدعوية الطويلة، والتي امتدت لنحو 50 عامًا، إلا أن السلفية التي حملها الشيخ سالم الشهال (توفي العام 2008) بقيت دعوة سلمية قائمة على الحوار والموعظة الحسنة، لميؤخذعنهخلالها الخوض في أي خلاف أو صراع مع جهة من الجهات اللبنانية.

المرحلة الثانية

أرسل الشيخ سالم الشهال أبناءه الثلاثة داعي الإسلام، وراضي، وأبو بكر لتعلم العلم الشرعي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فتخرجوا منها متأثرين بقوة المنهج السلفي في الجامعات السعودية في تلك الفترة. ومع تقدم الشهال الأب في السن وانصرافه إلى العمل الدعوي آلت زعامة الحركة السلفية إلى نجله quot;داعي الإسلامquot;، الذي مثل المرحلة الثانية من العمل السلفي، فجمع بين العمل الدعوي والسياسي وأسس في سبعينيات القرن الماضي quot;نواة الجيش الإسلاميquot;، وهو تنظيم مسلح للدفاع عن أهل السنة عقائديًا واجتماعيًا.

تم تشكيل الجيش الإسلامي أثناء الحرب الأهلية حين كانت كل الطوائف والقوى اللبنانية تملك ميليشيات، ولم يقتصر دوره على القتال فقط، بل كان جسمًا عسكريًا يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي، مارس العمل العسكري في طرابلس إلى أن تم حله بعد حرب العام 1985من قبل المسؤولين عنه بعد انتهاء الحرب الأهلية وظهور ملامح اتفاق أهلي انتهى بإعلان الطائف.

بدأ دور التيار السلفي يتعاظم في لبنان مع بداية الثمانينيات، حيث أخذت رقعة انتشاره تتسع، مستفيداً من انتشار حركة التوحيد الإسلامي التي شكل حضورها العسكري والسياسي بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان نوعًا من الغطاء لتوسع نشاط السلفيين الذين كانوا قريبين من شعبان وبخاصة داعي الإسلام الشهال، كانت بينهما علاقات شخصية جيدة، إلا أن كل منهما بقيّ يحمل مشروعًا مغايرًا تماماً عن الآخر، بل كانت هناك نزاعات حادة نوعًا ما بين الشهال وبين بعض القيادات الثانوية في حركة شعبان.

بعد العام 1985 انتقل داعي الإسلام إلى العاصمة بيروت، وإلى إقليم الخروب، ثم إلى صيدا، لكن ليس باسم quot;نواة الجيش الإسلاميquot; وإنما باسم quot;الجماعة والدعوة السلفيةquot;. ولما أخذت الأوضاع في لبنان تتجه نحو الهدوء، بعد اتفاق الطائف، انصرف الشهال الابن لتأسيس العمل الدعوي عبر المدارس الدينية، والتسجيلات الإسلامية، وكفالة الأيتام، وبناء المساجد، وتأسيس إذاعة القرآن الكريم، وغيرها من النشاطات، فأنشأ quot;جمعية الهداية والإحسانquot; التي شكلت الإطار الرسمي للحركة السلفية في العام 1988، وكان عملها يشمل الجوانب الدعوية والتربوية من جهة، والعمل الاجتماعي من جهة أخرى، بهدف سد حاجات أهل السنة والجماعة في هذين المجالين. وهنا بدأ الصراع الفعلي مع الأحباش، حربًا باردة بين الطرفين كانت للأفكار مساحة كبيرة فيها.

انتشرت خدمات الجمعية من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، إلى أن ضاقت بها الحكومة ذرعًا فأصدرت قرار حلها العام 1996 بسبب ما أدعته quot;إثارة النعرات الطائفية في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعيةquot;، وكانت حجتها في ذلك أن أحد الكتب المقررة للتدريس في المعهد، ضمت فقرة عن فرقة (النصيرية) على اعتبارها فرقاً ضالة خارجة عن الدين بسبب معتقداتها المسيئة للإسلام، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى يتعلق بنفوذ النظام السوري في لبنان.

الرقعة الجغرافية

كانت مدينة طرابلس في الشمال أول من استحضر الفكر السلفي إلى لبنان، ومنها أنطلق إلى باقي مناطق هذا القطر، فهي بحق معقل السلفية الأول في البلاد، يوجد فيها ما يقارب العشرين جمعية سلفية. كما تعتبر منطقة البقاع الغربي مركز الثقل الثاني، وتعدّ بلدتا quot;القرعونquot; وquot;مجدل عنجرquot; مركز الحركات هناك، بالإضافة إلى بعض القرى مثل quot;غزةquot; وquot;كامد اللوزquot; وquot;جب جنينquot;. ومع أواخر الثمانينيات ظهرت السلفية في صيدا من خلال عدد من الأفراد ما لبثوا أن توسعوا مع بداية التسعينيات عبر أعمال خيرية ودعوية.