بينما لا تبدو أن نهاية القتال وشيكة في سوريا، يبدو أن تلك الدولة التي تعتبر نفسها laquo;قلب العروبة النابضraquo; تتجه لتصبح ساحة لأطول وأعنف ثورة في دول الربيع العربي. لكن، وكما أشار آنان، فإن سوريا تمثل شيئاً أكثر تعقيداً، فهي مكان لأبرز صراع جيوسياسي في المنطقة وربما الصراع الأكثر ميلاً للتخريب.


مع مرور الأيام، يتضح للجميع أن الصراع المحتدم في سوريا، الذي خلف وراءه آلاف القتلى وأحبط كافة المساعي السلمية التي تمت على الصعيد الدولي، لا يقتصر فحسب على مصير الرئيس بشار الأسد، بل يحظى بتداعيات أخرى فيما وراء الحدود السورية، منها آفاق تحول القوى الإقليمية والحروب بالوكالة وانتشار حالة عدم الاستقرار، جنباً إلى جنب مع تكرار العداوات بين القوى الكبرى على غرار الحرب الباردة.

وجاء هذا التحذير الصارخ من جانب خبراء دوليين من بينهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي آنان، الذي يشارك الآن في ما يعتبره كثيرون محاولة أخيرة لتجنب اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا.

وفي كلمة له في جينيف بعد أن قدم تقريراً لمجلس الأمن يوم الجمعة بخصوص اجتماعاته الحاسمة مع الأسد في دمشق، قال آنان: quot; نعم، نحن نميل للتركيز على الشأن السوري. لكن أي خطأ في التقدير يقود إلى تصعيد كبير سوف يحظى بتأثير في المنطقة وسيكون من الصعب تماماً التحكم فيهquot;.

وفي هذا الصدد، نقلت اليوم صحيفة quot;لوس أنجلوس تايمزquot; الأميركية عن رامي خوري، الذي يدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، قوله :quot; تحظى سوريا بوضعية فريدة من نوعها نظراً لارتباطها بالعديد من الأطراف. فأنت الآن أمام صراع داخلي في سوريا، لكنك أيضاً أمام صراع إقليمي وآخر عالمي. وهذا الصراع قائم على المستويات الثلاثة جميعهاquot;.

ومضت الصحيفة تقول من جهتها، quot;إن سوريا تبدو كرقعة شطرنج إستراتيجية تلعب فوقها المصالح، كبيرة وصغيرة، من أجل صالحها المستقبليquot;. وأعقبت الصحيفة بلفتها إلى أن سوريا تحد كل من تركيا والعراق والأردن وإسرائيل ولبنان. وأن عدد سكانها يقدر بـ 23 مليون نسمة، يشتملون ربما على مزيج حارق من الطوائف الدينية والعرقية.

وتابعت الصحيفة بإشارتها إلى وجود قوتين إقليميتين، هما إيران والسعودية، يقفان على طرفي نقيض من ذلك الصراع المستمر منذ قرابة العام، الذي جاء ليشكل أحدث مواجهة في حربهما الباردة التي تشوبها العوامل الطائفية. وفي غضون ذلك، تسيطر حالة من الارتباك على المسؤولين الإسرائيليين بشأن ما إن كانت الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد رحيل الأسد ستكون أفضل أو أسوأ بالنسبة إلى دولتهم.

وعلى الصعيد العالمي، لا تزال واشنطن وموسكو على خلاف بشأن سوريا، في وقت يستعين فيه المسؤولون أحياناً بلغة مشابهة للغة التي تستخدم إبان الحروب الباردة.

وواصلت الصحيفة حديثها بنقلها عن أندرو تابلر، خبير الشأن السوري لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قوله :quot; الصراع متعلق بشكل كبير بالطبيعة الجغرافية. فسوريا تقف الآن في منتصف جزء إستراتيجي للغاية من الشرق الأوسطquot;.

فمع تواصل العنف في مناطق كبيرة في سوريا، لا تزال الاحتمالات الخاصة بأي تدخل أجنبي ذات طبيعة أكثر إثارةً للمشكلات عمّا كانت عليه الأوضاع في ليبيا، تلك الدولة الشمالية الأفريقية التي تغمرها الصحراء ولديها عدد سكان متجانس نسبياً يقدر بـ 6 ملايين نسمة. ويبدو أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين لا يريدون انتهاج نفس نوعية حملة القصف الجوي التي سبق أن ساعدت في الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي.

وأشارت الصحيفة كذلك إلى أن تأثير الصراع السوري واضح بالفعل في القرار الذي سبق وأن اتخذته حركة المقاومة الإسلامية، حماس، في ما يتعلق بالتخلي عن مقرها السابق في دمشق وتقديم الدعم للانتفاضة الشعبية المناهضة لحكم الرئيس الأسد. كما تراقب إسرائيل التطورات التي تشهدها سوريا بحالة متزايدة من عدم الارتياح.

وقال هنا موشيه ماعوز، الأستاذ في الجامعة العبرية، وأحد أبرز خبراء الشأن السوري في البلاد :quot; ربما لا يزال يفضل البعض في إسرائيل بقاء الأسد في الحكم، وذلك لاعتقاده أنه من الأفضل التعامل مع الشيطان الذي تعرفهquot;.

كما ينتاب مسؤولو الجيش الإسرائيلي حالة من القلق بشأن مخزون سوريا من الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية. كما تشعر إسرائيل بالقلق من مما يطلق عليه مسؤولون في تل أبيب عمليات نقل شحنات متزايدة من الأسلحة الإيرانية عبر سوريا، بما في ذلك قاذفات صواريخ متطورة، إلى القواعد الخاصة بحزب الله في لبنان.

وفي الوقت الذي تخلت فيه حماس عن الرئيس الأسد، فإن أحداً لا يتوقع اتخاذ مثل هذه الخطوة من جانب حزب الله. وختاماً، نقلت الصحيفة عن لبيب قمحاوي، محلل سياسي أردني، قوله:quot; الموقف واضح: فمن يرث سوريا باعتبارها منطقة نفوذ هو مفتاح. وفي نهاية اليوم، تبقى سوريا في دائرة الضوء بفضل وضعيتها الجيوسياسيةquot;.