الطبيب الفرنسي جاك بيريس

جاك بيريس، جرّاح فرنسي قطع الحدود اللبنانية بمساعدة مهربين ووصل إلى مدينة حمص في سوريا، لمساعدة المتأذين من أعمال القتل والعنف المستمرة هناك منذ حوالي سنة. يروي بيريس تفاصيل ما رأى وكيف قام بنجدة الجرحى والمصابين في منزل مظلم ومهجور.


القاهرة: رغم بلوغه سن الـ 71، إلا أن الجرَّاح الفرنسي دكتور جاك بيريس، الذي يحظى بخبرة طويلة في مناطق الحروب، قد غادر حياته الهادئة التي كان ينعم بها في باريس الشهر الماضي ليتسلل إلى داخل مدينة حمص السورية، التي تعتبر مركزاً للانتفاضة الحاصلة هناك، وذلك ليقدم يد العون لكل من المرضى والجرحى على حد سواء.

ومن خلال عمله سراً داخل منزل مظلم مهجور، لا يوجد فيه سوى طاولة عمليات واحدة وثلاثة أسِرَّة وأربعة مساعدين محليين وكهرباء متقطعة، قال دكتور بيريس إنه أجرى عمليات جراحية لـ 89 شخصاً؛ وقد عاشوا جميعهم باستثناء 9 أشخاص فقط.

ولفتت في هذا السياق صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إلى أن بيريس، الجراح الذي كان من بين أفراد المجموعة التي أسست جماعة أطباء بلا حدود، يبدو وأنه الطبيب الغربي الوحيد الذي تمكن من دخول حمص، حيث تقوم القوات الأمنية هناك بشن عمليات وحشية. وقدمت التصريحات التي أدلى بها بيريس في هذا الخصوص لمحة نادرة بشأن حالة الطوارئ الطبية التي نشأت مع استمرار الصراع السوري.

وتابعت الصحيفة بقولها إن رحلته في سوريا بدأت مطلع شهر شباط (فبراير) الماضي، عندما عبر الحدود اللبنانية، بمساعدة مجموعة من المهربين، حاملاً أمتعة معبأة بمعدات طبية. ثم سافر بالسيارة والدراجة النارية إلى مدينة القصير، وهي إحدى المدن الأخرى المحاصرة والتي تعتبر جزءاً من محافظة حمص، حيث عمل هناك لبضعة أيام مع طبيب سوري. وحين استقر به الحال في نهاية المطاف داخل حمص، استمر هناك لمدة أسبوعين تقريباً. وأضاف:quot;أجبرت على الخروج، بعد أن بدأت أشعر أن البناية باتت هدفاً للقوات الحكومية والظروف ليست نموذجيةquot;.

وفي مقابلة أجرتها معه الصحيفة من شقته الكائنة في العاصمة الفرنسية باريس أواخر الشهر الماضي، بعد عودته بأيام قليلة، واصل بيريس حديثه بالقول:quot;المكان كان مزدحماً للغاية لدرجة أننا كنا نمشي بين النقالات. وقد تعاملت هناك مع كافة أنواع الجروح، التي كانت تنجم عن القصف بمدافع الهاون الثقيلة والطلقات النارية التي يتم إطلاقها من بنادق قناصة بعيدة المدى والهجمات عالية السرعة والشظاياquot;.

وأوضحت الصحيفة أن المشفى المؤقت الذي أعده بيريس كان يبعد دقائق قليلة عن حي بابا عمرو، الذي تعرض لبعض من أعنف أعمال القصف والقتال. وعن الحالات التي كان يستقبلها، قال بيريس: quot;بعضهم كان يصل بتلف في الدماغ وهم متوفون بالفعل. في حين كان يصل آخرون وهم مصابون بجروح بالغة لدرجة أننا لم نكن نستطيع إنقاذهمquot;. وأكد في الإطار ذاته أن الكثير من مرضاه كانوا من الأطفال.

وطبقاً لليونيسف، فإن ما لا يقل عن 400 طفل قد لاقوا حتفهم منذ بدء الانتفاضة في البلاد. وعاود دكتور بيريس ليتحدث عن تأثره الشديد على الصعيد الشخصي بمشاهدته لذلك الصبي الوسيم الأنيق الذي تلقاه جثة هامدة بعد أن شُطِرت إلى نصفين.

وقد غادر بيريس سوريا قبل أن تبدأ الحكومة هجومها الشامل على حمص في أواخر شباط (فبراير) الماضي. وفي حديث له مع الشبكة الإذاعية الفرنسية RTL، عقب عودته إلى باريس، قال بيريس:quot;كنت حزيناً. إذ أنني رأيت معاناة لا طائل منها، وقسوة، وخسّة، بالإضافة إلى معاناة الأطفال والعائلاتquot;. غير أن الذين عملوا معه قد أثنوا عليه نظراً لتمتعه برباطة الجأش وطاقته الهادئة في مواجهة المعاناة والموت.

وقد شاركت جمعيتان في تأمين ورعاية تلك الرحلة التي قام بها دكتور بيريس إلى سوريا هما: جمعية الديمقراطية الفرنسية- السورية وUAM93، وهو اتحاد الجمعيات الإسلامية في سين سان دوني، وذلك في الوقت الذي كان فيه الحصول على دعمهما ليس بالمهمة السهلة، ويكفي أن محمد هينيش، مدير اتحاد UAM93، كان معترضاً بشدة على تلك الرحلة، نظراً لكثرة المخاطر المحيطة بها.