رغم حدوث تصدّعات في موقف الطائفة العلوية في سوريا من نظام بشار الأسد، إلا أن غالبية أبناء هذه الطائفةما زالوا يعتقدون أن افضل الحلول تتمثل في مساعدة الأسد على اجتياز المرحلة، لأن سقوطه سيقود إلى عمليات انتقام في صفوفهم.

تعتبر فدوى سليمان بطلة من أبطال الثورة السورية لأسباب منها أن هذه الممثلة الشابة المعروفة تقوم بأكبر دور في حياتها الفنية. ولكنّها تنتمي أيضا إلى الطائفة العلوية التي ينحدر منها أركان النظام. وهي بانضمامها إلى الثورة أقدمت على مخاطرة أكبر مما تواجهه غالبية الآخرين.
وسجلت سليمان شريط فيديو من مدينة حمص تناشد فيه أبناء طائفتها أن يروا الواقع وأن يروا أشقاءهم في الدم يطالبون سلميا بالحرية.

ويلاحظ مراقبون أن قوات الرئيس بشار الأسد التي تشنّ حملة بطش لا هوادة فيها ضد انتفاضة الشعب السوري ذي الغالبية السنية، تتعامل حتى بقسوة أشد مع العلويين من الثوار.وتلاحق أجهزة النظام فدوى سليمان منذ أشهر حتى أجبرتها على الاختباء. ويقول ناشطون إنها غادرت سوريا.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن الخبير بالشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية بيتر هارلنغ quot;إن العنف الطائفي في حمص سيكون أشد دموية لولا فدوى سليمانquot; مشيرا إلى أنها quot;حاولت تطويق الضرر بين العلويين الذين صادرهم النظامquot;.
ويشارك مثقفون علويون في المعارضة السورية فيما نزل علويون آخرون الى الشوارع للاحتجاج على ممارسات النظام.ولكن رغم النداءات التي وجهتها شخصيات مثل فدوى سليمان فإن الطائفة عموما ما زالت تشكل دعامة ثابتة من دعائم النظام. ويتأثر موقف غالبية العلويين بمخاوف تاريخية من هيمنة السنة فضلا عن استراتيجية النظام التي تتعمد تصوير الانتفاضة على انها تمرد مسلح من تدبير سنة متطرفين على العلويين ان يعبئوا قواهم ضده، بحسب فايننشيال تايمز.
ويشكل العلويون، أكبر الأقليات السورية، 12 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 22 مليونا غالبيتهم من السنة.والى الطائفة العلوية ينتمي قادة الجيش والقوات النخبوية التي تقود حملة البطش ضد المعارضة فضلا عن غالبية الشبيحة. وأدى تصعيد العمليات التي تنفذها هذه الوحدات الى إذكاء العداء ضد العلويين، كما يريد النظام، وتعريض مصير الطائفة نفسه الى الخطر.
ولكن سطوة العلويين الظاهرة تخفي وراءها إحساسا بالعزلة والخوف.وفي حمص وغيرها من المناطق وسط سوريا أثارت عمليات النظام أعمالا انتقامية وردودا على العنف بالعنف والخطف بالخطف. وقال مراقبون إن الكثير من العلويين نزحوا من حمص ولجأوا الى اللاذقية وطرطوس على الساحل.
وإن الأحياء العلوية في المدن محروسة حراسة شديدة بحواجز التفتيش فيما تخشى عائلات إرسال أطفالها الى المدرسة.ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن المحلل المختص بالشؤون السورية في جامعة اوكلاهوما الأميركية جوشوا لانديس quot;أن العلويين ضائعون وهم لا يعرفون ما ينبغي عمله. فانهم على امتداد 40 عاما تماهوا مع نظام الحكم، والآن مع صعود الطائفية فإن الكراهية أخذت تغور في صدور السوريينquot;.
ويرفض غالبية السوريين ان ينظروا إلى مجتمعهم أو انتفاضتهم بمنظار طائفي. ولكن الحقد السياسي حقد دفين على الطائفة العلوية الباطنية وهي فرع من فروع المذهب الشيعي نشأ في القرن العاشر ويجمع بين الشعائر الإسلامية والمسيحية، بحسب فايننشيال تايمز واصفة العلويين بأنهم quot;كانوا تاريخيا جبليين فقراء عانوا اضطهاد الأنظمة السنية لا سيما خلال الحقبة العثمانية التي انتهت مع الحرب العالمية الأولىquot;.
وعمل استيلاء حزب البعث على السلطة في عام 1963 على تمكين الطائفة العلوية وتمكينها حتى أكثر بعد حركة حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي بشار، ليصبح أول رئيس علوي في عام 1971.
وسعت دولة البعث بقيادة الأسد الأب الى التسامي على الطائفية بطرح ايديولوجية قومية اشتراكية عروبية على السوريين والعالم العربي الأوسع، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز، ولكن الأسد الأب اعتمد على علويين من أهل الثقة وسلَّمهم قيادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.وكان التحدي الأكبر لنظامه من جماعة الاخوان المسلمين التي سحق حركتها في عام 1982. وأسفرت استراتيجية الأسد عمليا عن تكريس الطائفية بدلا من إضعافها.
كما شجع نظام حافظ الأسد العلويين على الاندماج وتبني شعائر المسلمين السنة مقوضا نفوذ شيوخ الطائفة ووجهائها.ولكن غياب الوجوه المرموقة أو التنظيم الشعبي في صفوف الطائفة يشكل الآن عامل تعقيد في أي محاولة لكسب العلويين.
وقال الباحث هارلنغ من مجموعة الأزمات الدولية quot;إن حافظ الأسد فكك الهوية العلوية، ومن الصعب حتى الحديث عن مذهب علوي الآن ـ فان شيوخهم لا يتمتعون بوزن يُذكر في صفوف الطائفةquot;.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن رجل أعمال علوي لبناني له علاقة بالعلويين في سوريا انه ليس أمام الطائفة من خيار سوى الاستمرار في دعم الأسد، وخاصة عندما تتحول الانتفاضة الى صراع مسلح ويتوجه الثوار الى الدين بصورة متزايدة.وأضاف quot;أنها مسألة وجود بالنسبة إلى العلويين. فإن هذا النظام حماهم وإذا رحل سيكون لدينا حكم إسلامي. وهذه الانتفاضة لا تستهدف بشار وحده بل تريد تغيير إيديولوجيا سوريا كلهاquot;، على حد تعبيره.