جاءت الانقسامات الداخلية التي تعانيها الحكومة الإيرانية لتشكل عائقاً للجهود التي تبذلها بغية تكوين جبهة موحدة في المفاوضات المقبلة مع الغرب بشأن برنامج البلاد النووي.

وفي هذا الصدد، أكد محللون أن تلك الانقسامات قد تصعب على المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إمكانية التوصل إلى تسوية لتجنب الظهور في موقف ضعف، في الوقت الذي يطلب فيه الغرب تقديم تنازلات للبرنامج. هذا ومن المقرر أن تجرى المحادثات بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا في اسطنبول يوم السبت المقبل. وسبق لإيران أن أرجأت المحادثات في 2009 عقب التظاهرات الحاشدة التي شهدتها البلاد على خلفية الاتهامات التي وُجِّهَت للحكومة آنذاك بالتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية في ذلك الوقت.

ومن المتوقع أن تطلب الدول الغربية من ايران أن تعلق أو تخفض بشكل كبير من أنشطتها المرتبطة بتخصيب اليورانيوم وأن تتيح لمفتشي الأمم المتحدة زيارة مواقعها النووية.

وبهذا الخصوص، قال جاي كارني، السكرتير الصحافي في البيت الأبيض quot; المجتمع الدولي متحد، وإيران منعزلة، والطريقة التي يمكن من خلالها تغيير ذلك الأمر تتمثل في التزام ايران بتعهداتها الدولية وأن تتخلى عن طموحاتها المتعلقة بامتلاك أسلحة نوويةquot;.
ولفتت في هذا السياق اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إلى أن تلك المواجهة القائمة بين الغرب والدول الغربية جاءت لتشعل مخاوف من احتمالية شن هجوم عسكري من جانب إسرائيل على منشآت ايران النووية في حال فشلت المفاوضات.

وتابعت الصحيفة بقولها إن ايران انتهجت في مفاوضاتها مع الغرب إستراتيجية أطلق عليها القائمون مساومة quot;السياسة الكبرىquot;، وهي الإستراتيجية التي تعني قيام البلاد بتشكيل جبهة موحدة ضد الغرب وارتقاء القرارات المتعلقة ببرنامجها النووي فوق المنافسات المحلية الصغيرة.

لكن الصحيفة أوضحت أن هذا الأسلوب بدأ يتداعى قبيل أيام قليلة من بدء المحادثات مع الدول الغربية. وبدا من الواضح أن أجواء التنافس القائمة بين الفصائل الإيرانية المحافظة الموالية لخامنئي أو للرئيس محمود أحمدي نجاد بدأت تؤثرفي السياسة النووية. وقال في هذا الإطار كريم سادجادبور، الخبير المتخصص في الشأن الإيراني لدى مركز كارنيغي للسلام الدولي :quot; أشك في أن هناك حلولا تقنية خلاقة للصراع النووي في ظل غياب رحابة سياسية إيرانية داخلية على نطاق واسعquot;.

ثم مضت الصحيفة تنوه بالتعليقات العلنية المتضاربة التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون بشأن ما إن كانت بلادهم عازمة على التوصل لحل وسط أو البقاء مكانها. وفي الوقت الذي يمتلك فيه خامنئي القدرة على حسم كافة الأمور المتعلقة بالدولة في نهاية المطاف، فإن محللين يرون أن ترشيح الانقسامات الداخلية قد يؤثرفي موقفه.

وقال أحد مستشاري وزارة الخارجية الإيرانية في طهران :quot; إن شعر خامنئي أن الانقسامات الداخلية بدأت تزداد خطورة، فإنه لن يستسلم، لأنه يرى أن تقديم التنازلات إشارة دالة على الضعف، وأنه لن يفعل ذلك إلا إذا كانت ايران قوية من الداخلquot;.
وقال مؤخراً وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، سعيد جليلي ( وكلاهما محسوبان على معسكر خامنئي ) إنهما يأملان في أن تتمكن ايران والدول الغربية من كسب ثقة بعضهما البعض وأن ينطلقا للأمام في اسطنبول.

وأشار يوم الاثنين الماضي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي دافاني، إلى احتمالية خفض ايران أنشطتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 % من النقاء، إذا ما تمت تلبية احتياجاتها. غير أن نجاد، الذي يواجه تهديدات جديدة بإخضاعه للمساءلة من قِبل البرلمان، قد لجأ إلى نبرة يغلفها التحدي في كلمة ألقاها يوم أمس في جزيرة قشم، حيث قال :quot; لن تتراجع ايران حتى عن ذرة من حقوقها النووية، وستضطرون أنتم ( أيتها الدول الغربية ) على تغيير مواقفكم تجاه ايرانquot;.

وعلى الصعيد الداخلي، لم تقتصر المواجهة المحتدمة بين البرلمان ونجاد على شخصه فحسب، بل ذهب النواب إلى استهدافه بضربة أخرى، بعدما قرروا محاسبة أحد أقرب حلفائه وهو وزير العمل، عبد الرضا شيخ الإسلام، يوم الأحد المقبل، على خلفية تعيينه القاضي السابق، سعيد مرتضوى، رئيساً لمؤسسة quot;الضمان الاجتماعيquot;.

ونوهت الصحيفة بأن الدعم الشعبي، الذي يعد العمود الفقري لدفاع ايران عن برنامجها النووي، قد بات أكثر انقساماً هو الآخر، في الوقت الذي تسببت فيه العقوبات الصارمة، بما فيها حظر النفط من قبل الاتحاد الأوروبي، بشل حركة الاقتصاد. فضلاً عن ارتفاع أسعار البضائع الأساسية كالخبر والأرز ومنتجات الألبان واللحم بشكل يومي، إلى جانب تحذير الصحافة من أن أسعار البنزين، التي يتم تدعيمها الآن، قد ترتفع عما قريب بنسبة 20 % في ظل مواجهة الحكومة لأزمة في الميزانية.

من المتوقع أن تطلب الدول الغربية من ايران تعليق أو تخفيض أنشطتها المرتبطة بتخصيب اليورانيوم وأن تتيح لمفتشي الأمم المتحدة زيارة مواقعها النووية، يأتي ذلك في وقت تشهد فيه إيران انقسامات داخلية وخلافات كبيرة.